الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
التيمم لمن نسي الماء
بعد أن علم به
اختلف الفقهاء في حكم من نسي الماء في رحله أو في موضع يمكنه استعماله وكان عالمًا بالماء، فتيمم وصلى ثم تذكر الماء، فهل تجب عليه إعادة الصلاة ولا يصح تيممه أم لا؟ على قولين
(1)
:
القول الأول: أنه لا تجب عليه الإعادة ويصح تيممه، وهو قول أبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن
(2)
،
والمشهور عند المالكية، وقول للشافعية (هو قول الإمام الشافعي في القديم)، ورواية عند الحنابلة.
(1)
مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (1/ 150)، ط: دار البشائر الإسلامية 1417 هـ، المبسوط (1/ 121)، بدائع الصنائع (1/ 324)، المدونة الكبرى للإمام مالك (1/ 43، 46)، ط: دار صادر، الذخيرة (1/ 361، 362)، مواهب الجليل (1/ 524 ـ 526)، مختصر المزني في فروع الشافعية (ص 16)، ط: دار الكتب العلمية 1419 هـ، المجموع (2/ 213)، مغني المحتاج (1/ 251، 252)، مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله (ص 40)، ط: المكتب الإسلامي 1401 هـ، المحرر في الفقه لمجد الدين بن تيمية (1/ 22)، ط: مكتبة المعارف 1404 هـ، المبدع (1/ 171)، الإنصاف (1/ 265).
(2)
هو: أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرق الشيباني، من كبار أصحاب أبي حنيفة، وعمد المذهب، ولد بواسط عام (132 هـ)، ونشأ بالكوفة، كان لكتبه أكبر الأثر في ضبط مذهب أبي حنيفة، ونُشر منها: الأصل، والسير الكبير والصغير، والحجة على أهل المدينة وغيرها، توفي سنة (189 هـ) بالري.
انظر: وفيات الأعيان (4/ 184)، سير أعلام النبلاء (9/ 134 ـ 136)، شذرات الذهب (1/ 321 ـ 325).
القول الثاني: أنه تجب عليه الإعادة ولا يصح تيممه، وهو قول أبي يوسف
(1)
من الحنفية، ورواية للمالكية، والصحيح عند الشافعية (هو قول الإمام الشافعي في الجديد)، ومذهب الحنابلة.
أدلة القول الأول:
أولاً: من الكتاب:
8 ـ قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى كلفنا بحسب الوسع، وليس في وسع الناس استعمال الماء قبل علمه به، وإذا لم يكن مخاطبًا باستعماله فوجوده كعدمه
(2)
.
9 ـ قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6].
(1)
هو: القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس الأنصاري، من أهل الكوفة صاحب أبي حنيفة، كان فقيهًا، عالمًا حافظًا، نشر مذهب أبي حنيفة وخالفه في مواضع كثيرة، تولي القضاء ببغداد لثلاثة من الخلفاء المهدي وابنه الهادي، ثم هارون الرشيد، وهو أوّل من دعي بقاضي القضاة، ولد سنة (113 هـ)، وتوفي ببغداد سنة (182 هـ).
انظر: وفيات الأعيان (6/ 378 ـ 390)، سير أعلام النبلاء (8/ 535 ـ 539).
(2)
الأصل لمحمد بن الحسن (1/ 123)، ط: دائرة المعارف العثمانية 1386 هـ، المبسوط (1/ 122).
وجه الدلالة:
أن الناسي غير واجد لما هو ناس له، إذ لا سبيل إلى الوصول إلى استعماله فهو بمنزلة من لا ماء في رحله ولا بحضرته
(1)
.
10 ـ قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6].
وجه الدلالة:
أن الخطاب في هذه الآية لم يتوجه إلى الناسي؛ لأن تكليف الناسي لا يصح
(2)
، وإذا لم يكن مأمورًا مكلفًا بالغسل فهو مأمور بالتيمم لا محالة؛ لأنه لا يجوز سقوطهما جميعًا عنه مع الإمكان، فثبت جواز تيممه
(3)
.
11 ـ قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
وجه الدلالة:
أن الآية اقتضت سقوط حكم المنسي
(4)
.
(1)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 13)، الإشراف (1/ 172)، المبدع (1/ 171).
(2)
انظر المعنى والأقوال لهذه المسألة الأصولية ـ تكليف الناسي لا يصح ـ في: البرهان في أصول الفقه للجويني (1/ 91)، ط: دار الوفاء 1418 هـ، المنخول من تعليقات الأصول للغزالي (ص 30)، ط: دار الفكر 1400 هـ، البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (1/ 282)، ط: دار الكتب العلمية 1421 هـ، القواعد والفوائد الأصولية للبعلي (ص 30)، ط: مطبعة السنة المحمدية 1375 هـ، التحبير شرح التحرير للمرداوي (3/ 1033)، ط: مكتبة الرشد 1421 هـ.
(3)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 13)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 446).
(4)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 13).
ثانيًا: من السنة:
حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»
(1)
.
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى قد عفى عن المخطئ حال خطئه، وعن الناسي حال نسيانه، فيكون فرضه التيمم؛ لأن الله قد تجاوز عنه.
المناقشة:
نوقش بأن أهل الأصول اختلفوا في هذا الحديث هل هو مجمل أم عام؟ فإذا قيل: إنه مجمل توقف الاحتجاج به على بيان المراد فلا حجة لهم فيه.
وإذا قيل: إنه عام ـ قال النووي: وهو الأصح ـ فقد خص منه غرامة المتلفات، ومن صلى محدثًا ناسيًا، ومن نسي بعض أعضاء طهارته وغير ذلك، فكذا يخص منه نسيان الماء في رحله قياسًا على نسيان بعض الأعضاء وغيره
(1)
أخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي [سنن ابن ماجه (1/ 659) برقم (2045)]، وصححه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص 371 ـ 374)، ط: مؤسسة الرسالة 1417 هـ، والبوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 126)، ط: دار العربية 1403 هـ، وابن حجر في تلخيص الحبير (1/ 281، 282)، والسخاوي في المقاصد الحسنة (ص 370، 371)، ط: دار الكتاب العربي 1405 هـ، والألباني في إرواء الغليل (1/ 123، 124).
مما ذكرناه، فإن التخصيص بالقياس جائز
(1)
(2)
.
ثالثًا: من المعقول:
1 ـ أن الناسي قد صلى على الوجه الذي يلزمه في ذلك الوقت، فلا تجب عليه الإعادة
(3)
.
المناقشة:
نوقش بأنه إن أرادوا يلزمه في نفس الأمر فلا يسلم به، وإن أرادوا في الظاهر وبالنسبة إلى اعتقاده فينتقض بمن نسي بعض الأعضاء
(4)
.
2 ـ أن العجز عن استعمال الماء قد تحقق بسبب الجهالة والنسيان، فصح تيممه، كما لو حصل العجز بسبب عدم الدلو والرشاء
(5)
(6)
.
(1)
القياس إن كان قطعيًا فإنه يجوز التخصيص به بلا خلاف، وإن كان ظنيًا فقد اختلفوا فيه، والصحيح الذي عليه الأكثرون: جوازه أيضًا، وهو قول الأئمة الأربعة وأكثر الفقهاء. انظر: قواطع الأدلة في الأصول للسمعاني (1/ 190)، ط: دار الكتب العلمية 1418 هـ، المحصول للرازي (3/ 148)، ط: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1400 هـ، الإحكام للآمدي (2/ 361)، البحر المحيط (2/ 504)، التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (1/ 355)، ط: دار الفكر 1417 هـ، إرشاد الفحول للشوكاني (1/ 270)، ط: دار الفكر 1412 هـ.
(2)
المجموع (2/ 213).
(3)
المصدر السابق.
(4)
المجموع (2/ 214).
(5)
الدلو: التي يستقى بها. مختار الصحاح (ص 195). والرشا: الحبل. مختار الصحاح (ص 224).
(6)
بدائع الصنائع (1/ 324)، البحر الرائق (1/ 279).
المناقشة:
يمكن أن يناقش بأنه ليس بعاجز عن استعمال الماء؛ لثبوت العلم نظرًا إلى الدليل وهو وجود الماء؛ لأن الرحل معدن الماء فيجب الطلب فيه قبل التيمم، فيلحق الرحل بالعمران وإخبار المخبر ووجود طير ووحش بجامع وجود دليل الماء
(1)
.
3 ـ لأن النسيان عذر حال بينه وبين استعمال الماء، كما لو وجد الماء ولم يصل إليه لخوف سبع أو عدو
(2)
.
المناقشة:
نوقش بأن هذا القياس لا يصح؛ لأن من منعه السبع أو العدو لم يحصل منه تقصير في ذلك، بخلاف الناسي، ولذلك فقد حصل الاتفاق على أن السبع لو حال بينه وبين ساتر العورة صحت صلاته عاريًا، ولو تركها ناسيًا أعاد
(3)
.
الجواب:
يمكن أن يجاب بجوابين:
الأول: أن التفريط والتقصير إنما يكون في ترك ما وجب عليه، والناسي ليس كذلك لأنه غير مأمور بما عجز عنه شرعًا.
(1)
شرح فتح القدير (1/ 140، 141).
(2)
الإشراف (1/ 172، 173)، المجموع (2/ 213).
(3)
المجموع (2/ 214)، المغني (1/ 318).
الثاني: أن القياس على من نسي ستر العورة في الصلاة لا يصح؛ لأن المقيس عليه محل خلاف
(1)
.
4 ـ أن الناسي صلى ولا يعلم أن معه ماء، فلم تلزمه إعادة، كمن صلى ثم رأى بقربه بئرًا
(2)
.
المناقشة:
نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن البئر إن كانت ظاهرة لزمه الإعادة، وإن كانت خفية فلا ينسب فيها إلى تفريط بخلاف النسيان
(3)
.
الجواب:
يمكن أن يجاب بما أجيب به في الجواب الأول من مناقشة الدليل السابق.
أدلة القول الثاني:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6].
(1)
للفقهاء في حكم ستر العورة في الصلاة قولان:
القول الأول: أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة، وتبطل الصلاة بدونه إذا كان قادرًا على سترها، وهو قول الحنفية، والصحيح من مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: أن ستر العورة ليس بشرط في صحة الصلاة، وإنما هو واجب، وتصح الصلاة بدونه مع الإثم، وهو قول عند المالكية. انظر: المبسوط (1/ 197)، مواهب الجليل (1/ 177، 178)، مغني المحتاج (1/ 396، 397)، الكافي لابن قدامة (1/ 153).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 14)، التجريد (1/ 252).
(3)
المجموع (2/ 214).
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى أباح التيمم عند عدم الماء، وهذا واجد للماء، لأن وجود الماء لا ينافيه النسيان، وإنما ينافيه العدم، فلم يتحقق الشرط
(1)
.
المناقشة:
نوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن الوجود المراد بالآية هو القدرة على الاستعمال من غير مشقة، وهذا لا يوجد فيما نسيه
(2)
.
الوجه الثاني: أنه لا يوصف بأنه واجد له وإن كان موجودًا، كمن معه ماء وهو يخاف على نفسه العطش فإنه يجوز له التيمم وهو واجد للماء، فالناسي أبعد من الوجود لتعذر وصوله إلى استعماله
(3)
.
ثانيًا: من المعقول:
1 ـ أن الناسي للماء قد نسي ما لا ينسى عادة؛ لأن الماء من أعز الأشياء في السفر؛ لكونه سببًا لصيانة نفسه عن الهلاك، فكان القلب متعلقًا به، فالتحق النسيان فيه بالعدم
(4)
.
(1)
الذخيرة (1/ 362)، المجموع (2/ 213)، المبدع (1/ 171).
(2)
التجريد (1/ 252). وانظر: أحكام القرآن لابن العربي (1/ 445، 446).
(3)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 14)، التجريد للقدوري (1/ 252).
(4)
بدائع الصنائع (1/ 324)، البحر الرائق (1/ 279).
المناقشة:
نوقش بأنه استدلال غير صحيح؛ لأن النسيان جبلة
(1)
في البشر، خصوصًا إذا مرَّ به أمر يشغله عما وراءه، والسفر محل المشقات، ومكان المخاوف، فنسيان الأشياء فيه غير نادر
(2)
.
2 ـ أن الرحل موضع الماء غالبًا؛ لحاجة المسافر إليه، فكان الطلب واجبًا كما في العمران
(3)
.
المناقشة:
نوقش بأنه ليس كذلك؛ لأن الغالب في الماء الموضوع في الرحل هو النفاد لقلته، فلا يكون بقاؤه غالبًا، فيتحقق العجز ظاهرًا بخلاف العمران لأنه لا يخلو عن الماء غالبًا
(4)
.
3 ـ لأن الطهارة بالماء شرط من شروط الصلاة، فلم يسقط بالنسيان كستر العورة، وغسل بعض الأعضاء، وكمريض صلى قاعدًا ـ متوهمًا عجزه عن القيام ـ وكان قادرًا، وكحاكم نسي النص فحكم بالقياس، وكمن نسي الرقبة في الكفارة فصام، وكمن كان الماء في إناء على كتفه فنسيه وتيمم وصلى فإنه يعيد بالاتفاق
(5)
.
(1)
الجبلة: الخِلقة التي خلق الإنسان عليها. مختار الصحاح (ص 93)، المصباح المنير (1/ 329).
(2)
بدائع الصنائع (1/ 324).
(3)
البناية شرح الهداية (1/ 564)، البحر الرائق (1/ 279).
(4)
بدائع الصنائع (1/ 324).
(5)
البناية شرح الهداية (1/ 564)، الذخيرة (1/ 362)، المجموع (2/ 213)، كشاف القناع (1/ 402).
المناقشة:
نوقش هذا الدليل من خمسة وجوه:
الوجه الأول: أن النسيان بمجرده لا يؤثر في سقوط الفرض، وإنما يؤثر مع انضمام معنى آخر إليه فيصيران عذرًا في سقوط الفرض، كالسفر الذي هو حال عدم الماء فإذا انضم إليه النسيان فإنهما يصيران عذرين في سقوط الفرض، وأما نسيان الطهارة والصلاة وستر العورة ونحو ذلك فلم ينضم إلى النسيان في ذلك معنى آخر حتى يصير عذرًا في سقوط هذه الفرائض
(1)
.
الوجه الثاني: أن قياس ناسي الماء على من نسي ستر العورة أو من نسي القيام فصلى قاعدًا لا يصح؛ لأن النسيان إنما يكون عذرًا في الانتقال إلى بدل لا في سقوط أصل الفرض، ومن نسي القيام وستر العورة فقد ترك فرضًا ولم ينتقل إلى بدل بخلاف من نسي الماء في رحله فإنه انتقل من الوضوء إلى التيمم، ولا يقال: إن القعود بدل عن القيام؛ لأنه فرضه، والجزء من الشيء ليس ببدل عنه
(2)
.
الوجه الثالث: أن القياس على من نسي غسل بعض الأعضاء غير سديد؛ لأن ترك بعض الأعضاء لا تؤثر فيه الأعذار مع بقاء فرضه، ولهذا نجد أن المرض والسفر لا يؤثران في ذلك، وانتقال الفرض من الوضوء إلى التيمم تؤثر فيه الأعذار: المرض والسفر؛ فجاز أن يؤثر فيه النسيان
(3)
.
(1)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 13، 14)، التجريد للقدوري (1/ 252، 253).
(2)
المصدران السابقان، وانظر: الاختيار (1/ 30، 31).
(3)
التجريد (1/ 253).
الوجه الرابع: أن قياس الناسي للماء في رحله على نسيان الرقبة في الكفارة، إنما هو قياس مع الفارق؛ لأن المعتبر في الرقبة الملك، بدليل أنه لو عرض عليه رقبة كان له ألا يقبل ويكفر بالصوم، وبالنسيان لا ينعدم الملك، وأما الطهارة بالماء فالمعتبر فيها القدرة على استعمال الماء، وبالنسيان زالت القدرة، بدليل أنه لو عرض عليه الماء لزمه قبوله وبطل تيممه
(1)
.
الجواب:
تم الإجابة عليه بأنه لا فرق بينهما، فإنه لو كان قادرًا في الموضعين على الأصل لم يجز له الإنتقال إلى البدل ولو عدم الأصل جاز له الإنتقال إلى البدل، فأما العتق مع الغيبة فلأنه يقدر أن يقول عتقت عبدي فينفذ، ولا يقدر على الوضوء بماء غائب عنه، وأما إذا بذلت له الرقبة فلا يلزمه قبولها؛ لأنه مع عدمها لا تجب عليه، فلا يلزمه أن يكتسب لتجب، ولأنه لو قبلها لم يلزمه إخراجها، فإنه يجزئه الصوم إذا كان فقيرًا حال الوجوب، ثم في قبول الرقبة منّة كثيرة بخلاف الماء فإنه لا منة فيه، والمنّة قد لا تسامح النفس بحملها
(2)
.
الوجه الخامس: أن القياس على من نسي الماء على كتفه لا يصح؛ لأنه لا يخلو من أن يكون راكبًا أو سائقًا، فإن كان راكبًا وكان الماء في مؤخر الرحل فهو على الاختلاف، وإن كان في مقدم الرحل لا يجوز بالإجماع؛ لأن نسيانه نادر.
(1)
المبسوط (1/ 122)، بدائع الصنائع (1/ 325)، الاختيار (1/ 31).
(2)
الانتصار في المسائل الكبار على مذهب الإمام أحمد الكلوذاني (1/ 424)، ط: مكتبة العبيكان 1413 هـ.
وأما إذا كان سائقًا فالجواب على العكس، وهو أنه إن كان في مؤخر الرحل فلا يجوز بالإجماع؛ لأنه يراه ويبصره، فكان النسيان نادرًا، وإن كان في مقدم الرحل فهو على الاختلاف
(1)
.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم إعادة الصلاة لمن نسي الماء في رحله، ولكن بشرط أن يجتهد في طلب الماء قبل التيمم حتى يغلب على ظنه عدمه، وإلا فالقول بالإعادة أحوط؛ لئلا يعرض نفسه للعقوبة
(2)
.
وكان هذا هو الراجح لما يلي:
1.
قوة أدلة هذا القول، وإفادتها المراد.
2.
لأن تكليف الناس بما لا يعلمه فيه مشقة عليه، وخاصة إذا تعددت عليه الصلوات.
3.
ولأن هذا القول فيه تيسير على المسلمين ورفع للحرج عنهم.
(1)
بدائع الصنائع (1/ 325)، الفتاوى الهندية (1/ 31).
(2)
الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين (1/ 387)، ط: دار ابن الجوزي 1422 هـ.