الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس
من يعتمد قوله في تقدير المرض
اتفق الفقهاء على أنه يعتمد في كون المرض مرخصًا في التيمم، وأنه على الصفة المعتبرة شرعًا إذا أخبره طبيب حاذق مسلم عدل
(1)
بأنه إذا استعمل الماء سيزداد مرضه، أو سيتأخر الشفاء، أو ما أشبه ذلك من الضرر، فإنه يجوز له التيمم.
وكذا إذا كان يعرف بنفسه جاز له أن يعتمد على علمه ومعرفته
(2)
.
واختلفوا فيما إذا لم يوجد طبيب بشرطه ولم يكن عارفًا بنفسه، فهل يجوز له التيمم بغلبة ظنه أو بتجربته أم لا؟ وذلك على قولين:
القول الأول: أنه يجوز له أن يعمل بغلبة ظنه أو بتجربته، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة، وبعض الشافعية
(3)
.
(1)
العدل في اصطلاح الفقهاء هو: الذي يجتنب الذنوب الكبائر، ويتحفظ على الصغائر، ويحافظ على مروءته. انظر: بدائع الصنائع (9/ 18)، القوانين الفقهية (ص 336)، التعريفات (ص 191)، المغني (14/ 150).
(2)
منيّة المصلي وغنيّة المبتدي لإبراهيم الحلبي (ص 55)، ط: مكتبة نزار الباز 1418 هـ، رد المحتار (1/ 352)، شرح الزرقائي (1/ 206)، الفواكه الدواني (1/ 239)، العزيز (1/ 220)، المجموع (2/ 229)، شرح العمدة (1/ 433)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى لمصطفى السيوطي (1/ 194)، ط: المكتب الإسلامي 1961 م، حاشية الروض المربع (1/ 307).
(3)
المصادر السابقة للحنفية والمالكية والحنابلة، وانظر للشافعية: تحفة المحتاج (1/ 564)، حاشية القليوبي على شرح المحلى (1/ 84)، ط: دار إحياء الكتب العربية.
القول الثاني: أنه لا يجوز له أن يعمل بغلبة ظنه أو بتجربته، وهو المعتمد عند الشافعية
(1)
.
أدلة القول الأول:
1 ـ قياسًا على المضطر إذا خاف من الطعام المحضر إليه أنه مسموم، فإنه يجوز له أن يتركه ويأكل الميتة
(2)
، فكذا هاهنا.
2 ـ أن إيجاب الطهر بالماء مع الجهل بحال العلة التي هي مظنة للهلاك بعيد عن محاسن الشريعة
(3)
.
أدلة القول الثاني:
أن ذمته هنا اشتغلت بالطهارة بالماء، فلا تبرأ ذمته من ذلك إلا بدليل يبيح له التيمم
(4)
.
المناقشة:
نوقش بأنه كذلك في المضطر اشتغلت ذمته بطلب وقاية روحه بأكل الطاهر، وضرره غير محقق فلا يعدل عنه إلا بدليل
(5)
، وأنتم لا تقولون بذلك، فتبين بذلك أنه لا فرق بين المسألتين.
(1)
مغني المحتاج (1/ 254)، نهاية المحتاج (1/ 282).
(2)
المصدران السابقان.
(3)
أسنى المطالب (1/ 81).
(4)
مغني المحتاج (1/ 254)، نهاية المحتاج (1/ 282).
(5)
حاشية الشبراملسي (1/ 282).
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بأنه يجوز للمريض أن يعمل بغلبة ظنه أو تجربته ويتيمم، وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارضة، في مقابل مناقشة دليل القول الثاني.
ويؤيد هذا القول حديث جابر رضي الله عنه في الرجل الذي أصابه حجر فشجه
(1)
، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على الصحابة حينما أمروا الرجل بالغسل بالماء فمات، وأرشدهم إلى جواز التيمم لمن خشي الضرر باستعمال الماء مع أنه في الابتداء لم يعلم هل كان يخاف التلف أو الزيادة في المرض؟ فالعمل بغلبة الظن أو بالتجربة من باب أولى.
(1)
تقدم تخريجه (ص 126).