الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
حكم من اجتمع عليه نجاسة وحدث
ومعه ماء يكفي أحدهما
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين
(1)
:
القول الأول: أنه يتعين عليه استعماله في إزالة النجاسة، فيغسلها، ثم يتيمم، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: أنه يتوضأ بالماء ويصلي بالنجاسة، وهو قول أبي يوسف من الحنفية إذا كانت النجاسة على ثوبه، وهو قول بعض المالكية، ورواية عند الحنابلة فيما إذا كانت النجاسة على الثوب.
أدلة القول الأول:
عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي:
1 ـ أن التيمم للحدث ثابت بالنص والإجماع، وأما التيمم للنجاسة فمختلف فيه، فوجب استعمال الماء فيما لا يقوم غيره مقامه
(2)
.
2 ـ أن الحدث له بدل، وإزالة النجاسة لا بدل لها، فكانت أولى بالغسل
(3)
.
(1)
بدائع الصنائع (1/ 349)، شرح فتح القدير (1/ 190)، مواهب الجليل (1/ 223)، حاشية البناني على شرح الزرقاني على خليل (1/ 46)، ط: دار الفكر، المجموع (2/ 216)، مغني المحتاج (1/ 249)، الإنصاف (1/ 262 و 292)، كشاف القناع (1/ 398).
(2)
البيان (1/ 303)، المغني (1/ 352).
(3)
التاج والإكليل (1/ 223، 224)، المجموع (2/ 216)، المبدع (1/ 188).
3 ـ واستدلوا على غسل نجاسة الثوب والتيمم للحدث، بأنه إذا قدم غسل نجاسة البدن مع أن للتيمم فيها مدخلاً، فتقديم طهارة الثوب أولى
(1)
(2)
، ولأن للحدث بدل ولا بدل لستر العورة
(3)
.
أدلة القول الثاني:
عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي:
1 ـ أن طهارة الحدث واجبة بالاتفاق، بخلاف إزالة النجاسة فمختلف في وجوبها
(4)
، فينبغي أن يستعمل الماء في محل الاتفاق.
2 ـ واستدل من قال باستعمال الماء لطهارة الحدث دون غسل نجاسة الثوب بأن الحدث أغلظ النجاستين، بدليل أن الصلاة مع الثوب النجس جائزة للضرورة، ولا جواز لها مع الحدث بحال
(5)
.
3 ـ أنه واجد للماء
(6)
، فيجب عليه استعماله.
(1)
المغني (1/ 353).
(2)
ولهذا إذا اجتمع نجاسة على الثوب، ونجاسة على البدن، وليس معه من الماء إلا ما يكفي أحدهما، فإن المذهب عند الحنابلة غسل الثوب والتيمم لنجاسة البدن؛ لأن للتيمم فيها مدخلاً. انظر: المغني (1/ 353)، الإنصاف (1/ 292).
(3)
السيل الجرار (1/ 328).
(4)
مواهب الجليل (1/ 223).
(5)
بدائع الصنائع (1/ 349).
(6)
المغني (1/ 353).
الراجح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل باستعمال الماء في إزالة النجاسة ثم التيمم للحدث، وذلك لقوة أدلتهم، ولما يلي:
1 ـ أن التلوث بالنجاسة محرم، وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدأ في غُسله بإزالة النجاسة من فرجيه بالماء أو الأحجار قبل الوضوء
(1)
(2)
.
2 ـ أن صرف الماء إلى النجاسة يجعله مصليًا بطهارتين حقيقية وحكمية، فكان أولى من الصلاة بطهارة واحدة
(3)
.
3 ـ أن القول بأنه واجد للماء غير مسلم به؛ لأنه إذا استعمل الماء لإزالة النجاسة ثم تيمم، فإنه في هذه الحالة لا يكون واجدًا للماء.
مسألة: حكم تقديم التيمم للحدث قبل استعمال الماء لإزالة النجاسة:
إذا ثبت تعين الماء لغسل النجاسة والتيمم للحدث لمن وجد ماء يكفي أحدهما، فهل يجوز أن يبدأ بالتيمم أولاً ثم يغسل النجاسة أم لا؟
(1)
كما في حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به» . أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول [صحيح البخاري (1/ 88) حديث (214)]، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالماء من التبرز [صحيح مسلم (1/ 227) حديث (271)].
(2)
السيل الجرار (1/ 328).
(3)
بدائع الصنائع (1/ 349).
للفقهاء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أنه لا يجوز له أن يتيمم قبل غسل النجاسة، ولو تيمم قبل إزالة النجاسة فإنه يعيد تيممه، وهو قول الحنفية، والمالكية، والحنابلة، ووجه للشافعية، وهو المعتمد عند المتأخرين منهم
(1)
.
القول الثاني: أنه يجوز له التيمم قبل غسل النجاسة، وهو وجه عند الشافعية، وصححه الماوردي
(2)
(3)
.
أدلة القول الأول:
عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي:
1 ـ أن شرط التيمم هو عدم الماء، وهذا واجد له، فلا يصح تيممه
(4)
.
2 ـ أن التيمم يراد لإباحة الصلاة، والتيمم قبل غسل النجاسة لا يبيح الصلاة؛ لبقاء النجاسة عليه، فأشبه ما لو تيمم قبل الوقت
(5)
.
(1)
بدائع الصنائع (1/ 349)، حاشية البناني (1/ 64)، الفتاوى الفقهية الكبرى (1/ 102)، نهاية المحتاج (1/ 273)، كشاف القناع (1/ 398).
(2)
هو: علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي البصري، ولد بالبصرة سنة (364 هـ)، أقضى قضاة عصره، أحد أئمة الشافعية من أصحاب الوجوه، أصولي فقيه، كان حافظًا للمذهب، صاحب التصانيف الهامة النافعة، من أشهرها: الأحكام السلطانية، وأدب الدين والدنيا، والحاوي وغيرها، توفي ببغداد سنة (450 هـ).
انظر: طبقات الشافعية الكبرى (5/ 267 ـ 285)، طبقات الشافعية (1/ 230 ـ 232).
(3)
الحاوي (2/ 1126).
(4)
رد المحتار (1/ 351)، كشاف القناع (1/ 398).
(5)
مغني المحتاج (1/ 249).
أدلة القول الثاني:
عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي:
1.
قياسًا على الجريح، فإنه يجوز له أن يتيمم ثم يغسل الصحيح، وإن كان تيممه لا تباح الصلاة عقبه
(1)
.
2.
أنهما طهارتان مختلفتان عن شيئين مختلفين، فلم يكن تقديم هذه بأولى من تقديم هذه
(2)
.
الراجح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بتقديم غسل النجاسة على التيمم، وذلك لوجاهة ما استدلوا به، ولأن القياس على الجريح لا يصح؛ لأنه محل خلاف، فمن العلماء من لا يرى الجمع بين استعمال الماء والتيمم
(3)
، ولأنه إذا تيمم بعد غسل النجاسة فإن تيممه يصح اتفاقًا
(4)
.
(1)
المجموع (2/ 217).
(2)
الحاوي (2/ 1126).
(3)
انظر (ص 144 وما بعدها).
(4)
شرح فتح القدير (1/ 190).