الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
عدم القدرة على استعمال الماء
اتفق الفقهاء على جواز التيمم لمن وجد الماء ولكنه غير قادر على استعمال الماء، كما في الأمثلة التالية:
1.
من كان على رأس بئر ماء، ولم يجد آلة يستقي بها الماء.
2.
إذا كان بينه وبين الماء عدو أو لصوص أو سبع، فيخاف لو سعى إلى الماء ضررًا على نفسه أو على ماله أو أهله أو رفقته.
3.
أن يكون الماء بمجمع الفساق، وتخاف المرأة على نفسها منهم.
4.
أن يخاف باستعمال الماء الانقطاع عن رفقته ونحو ذلك.
فيجوز لأصحاب هذه الأمثلة ونحوها التيمم بالاتفاق، ولا إعادة عليهم
(1)
.
وكانت أدلة هذا الاتفاق ما يلي:
(1)
بدائع الصنائع (1/ 318)، الدر المختار شرح تنوير الأبصار للحصكفي (1/ 354، 355)، ط: دار إحياء التراث العربي 1419 هـ، مواهب الجليل (1/ 492 ـ 494)، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للدردير (1/ 179 ـ 183)، ط: دار المعارف، الأم (2/ 98)، الحاوي (2/ 1148)، روضة الطالبين (1/ 212)، التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع للمرداوي (ص 63)، ط: مكتبة الرشد 1415 هـ، كشاف القناع (1/ 391، 394)، المحلى (1/ 78).
أولاً: من الكتاب:
1 ـ قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43، المائدة: 6].
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى أباح التيمم لمن لا يقدر على استعمال الماء، فإن معنى عدم الوجود في الآية هو عدم الماء حسًا وحكمًا، وأصحاب الأمثلة السابقة وإن وجدوا الماء صورة إلى أنهم لما لم يتمكنوا من استعماله خشية الضرر صار الماء معدومًا حكمًا، فيدخلون تحت النص
(1)
.
2 ـ قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
3 ـ قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
وجه الدلالة من الآيتين:
أن الله سبحانه وتعالى نهى عن قتل النفس وإلقائها في التهلكة، وفي تكليف هؤلاء ـ أي أصحاب الأعذار السابقة ـ باستعمال الماء للطهارة إذا خافوا باستعماله ضررًا على أنفسهم أو على أموالهم أو أهلهم ونحو ذلك قتل للنفس، وتعريضها للهلاك، وهذا محرم بالنص.
ثانيًا: من السنة:
حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت
(1)
انظر: أحكام القرآن لابن عربي (1/ 445)، المحلى (1/ 78).
في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا
(1)
.
وجه الدلالة:
في الحديث دليل على جواز التيمم لمن خاف على نفسه الهلاك من البرد، مع أن عمرو بن العاص قد تيمم مع وجود الماء، وسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأقره.
فيفهم من ذلك جواز التيمم لمن وجد الماء ولكنه خائف من استعماله الضرر؛ لأن الخوف لا يختلف، وإنما اختلفت جهاته
(2)
.
ثالثًا: من المعقول:
1 ـ أن أصحاب هذه الأمثلة عادمون للماء حكمًا
(3)
، فيباح لهم التيمم.
2 ـ أنهم خائفون من الضرر باستعمال الماء
(4)
، والضرر منفي شرعًا.
3 ـ قياسًا على الجريح والمريض إذا خاف أحدهما على نفسه من استعمال الماء، فإنه يجوز له التيمم
(5)
، فكذلك من خاف على نفسه ضررًا أو على ماله أو على رفقته ونحو ذلك.
(1)
تقدم تخريجه (ص 127).
(2)
المغني (1/ 336).
(3)
البحر الرائق (1/ 248)، المجموع (2/ 206)، شرح العمدة (1/ 423).
(4)
الكافي لابن قدامة (1/ 97).
(5)
شرح التلقين (1/ 278)، المغني (1/ 340).
4 ـ أن المرأة إذا خافت على نفسها باستعمال الماء كأن يكون الماء عند فاسق ونحوه، فإنه يجوز لها التيمم ولا يحل لها المضي إلى الماء؛ لما في ذلك من التعرض للزنا، وهتك نفسها وعرضها، وربما أفضى ذلك إلى قتلها، وقد أبيح لها التيمم مع قلة الماء، أو عند الخوف من مرض، فهاهنا أولى
(1)
.
قلت: والشريعة الإسلامية إنما جاءت للتيسير على العباد ورفع الحرج عنهم، وما شرع التيمم إلا لذلك، وفي تكليف أصحاب هذه الأمثلة باستعمال الماء للطهارة مع وجود الضرر عليهم من لص أو حيوان أو أي خوف كان في القصد إليه مشقة لوقعوا في الحرج والمشقة، والله عز وجل يقول في الحكم من مشروعية التيمم:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].
(1)
المغني (1/ 316).