الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
حكم اشتراط النية في التيمم
للفقهاء في هذه المسألة قولان
(1)
:
القول الأول: أنه تشترط النية للتيمم من الحدث، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، إلا أن المالكية والشافعية صنفوها من الأركان لا من الشروط.
القول الثاني: أنه لا تشترط النية للتيمم من الحدث، بل يجزئ التيمم بغير نية، وهو قول زفر من الحنفية.
أدلة القول الأول:
استدل القائلون باشتراط النية للتيمم من الأحداث كلها، بما يلي:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى أمر بالإخلاص في العبادة، والإخلاص عمل القلب وهو النية
(2)
.
(1)
بدائع الصنائع (1/ 330، 331)، الاختيار (1/ 28)، عقد الجواهر الثمينة (1/ 61)، الشرح الكبير للدردير (1/ 252)، الأم (2/ 99)، نهاية المحتاج (1/ 296)، المغني (1/ 156، 329)، كشاف القناع (1/ 410).
(2)
الحاوي (1/ 374)، المبدع (1/ 83).
ثانيًا: من السنة:
حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»
(1)
.
وجه الدلالة:
دل الحديث على أن النية شرط لصحة التيمم، وذلك من وجهين
(2)
:
الوجه الأول: قوله: «إنما الأعمال بالنيات» دليل على أنه ليس المراد صورة العمل فإنها توجد بلا نية، وإنما المراد أن حكم العمل لا يثبت إلا بالنية.
الوجه الثاني: قوله: «وإنما لكل امرئ ما نوى» فيه دليل على أن ليس له إلا ما نواه، وهذا لم ينو التيمم فلا يكون له.
ثالثًا: الإجماع:
وقد حكى الإجماع على اشتراط النية لصحة التيمم غير واحد من أهل العلم
(3)
.
قال ابن هبيرة: «وأجمعوا على أن النية شرط في صحة التيمم»
(4)
.
(1)
تقدم تخريجه (ص 276).
(2)
الحاوي (1/ 376، 377)، المجموع (1/ 170).
(3)
اختلاف الفقهاء للمروزي (ص 159)، ط: أضواء السلف 1420 هـ، تحفة الفقهاء (1/ 13)، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة لأبي عبد الله العثماني (ص 18)، ط: دار الكتب العلمية.
(4)
الإفصاح (1/ 157).
رابعًا: من المعقول:
32 ـ أن التيمم عبادة غير معقولة المعنى، وهو خارج عن نمط العبادات التي كلها تعظيم وإجلال وتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، وليس في مس التراب ومسحه على الوجه صورة تعظيم، بل هو شبه العبث واللعب، فاحتاج إلى النية؛ لتخرجه من حيز اللعب إلى حيز التقرب
(1)
.
33 ـ أن التيمم معناه القصد إلى الصعيد الطاهر، وإذا كان كذلك فلا يتحقق بدون القصد، والقصد هو النية، فإن الأصل في الأسماء الشرعية أن يعتبر فيها ما تنبئ عنه من المعاني الشرعية
(2)
.
أدلة القول الثاني:
استدل زفر على أنه لا تشترط النية للتيمم من الحدث، بما يلي:
أن التيمم بدل عن الوضوء، والبدل يأخذ حكم المبدل في وصفه وهو الصحة، والوضوء بدون النية صحيح، فكما أن الوضوء يصح بغير نية فكذلك التيمم، وإلا لكان البدل مخالفًا لأصله في الصحة، ولا يجوز ذلك
(3)
.
المناقشة:
يمكن مناقشته من وجهين:
(1)
الاختيار (1/ 28)، بداية المجتهد (1/ 133)، الذخيرة (1/ 244)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام (1/ 180)، ط: دار الكتب العلمية.
(2)
شرح فتح القدير (1/ 130)، عمدة القاري (4/ 10)، البيان (1/ 276)، طرح التثريب (1/ 268).
(3)
بدائع الصنائع (1/ 331)، شرح العناية (1/ 129).
الوجه الأول: أن القياس على الوضوء في عدم اشتراط النية لا يصح؛ لأن المقيس عليه محل خلاف
(1)
.
الوجه الثاني: أن الوضوء طهارة حقيقية، ولا يشترط له الحاجة ليصير طهارة، فلا تشترط له النية، بخلاف التيمم، فإنه جعل طهارة عند الحاجة، والحاجة إنما تعرف بالنية
(2)
.
الراجح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل باشتراط النية لصحة التيمم، وذلك لقوة أدلتهم ووضوحها في الدلالة على المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة.
(1)
للفقهاء في اشتراط النية لصحة الوضوء والغسل قولان:
القول الأول: أنه تشترط النية لصحة الوضوء والغسل، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة.
القول الثاني: أنه لا تشترط النية لصحة الوضوء والغسل، بل النية سنة فيهما، وهو قول الحنفية.
انظر: بدائع الصنائع (1/ 191)، الذخيرة (1/ 240، 241)، المجموع (1/ 170)، المغني (1/ 156).
(2)
بدائع الصنائع (1/ 331)، الاختيار (1/ 28).