الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع
حكم المسح على الخفين
(1)
لمن لبسه
على طهارة التيمم
التيمم يكون لعدم الماء أو لعدم القدرة على استعماله، وبالنظر لهاتين الحالتين فإن المتيمم يختلف الحكم بالنسبة لمسحه على خفيه نظرًا لسبب مسحه، وهاتان الحالتان هما:
الحالة الأولى: أن يكون التيمم بسبب عدم القدرة على استعمال الماء لمرض أو جرح ونحو ذلك، فإذا لبس خفيه على هذه الطهارة ثم قدر على الماء فإنه يجوز له المسح على خفيه، وهو قول الشافعية، والحنابلة
(2)
.
(1)
الخف: هو ما يلبس في الرجل، جمعه: خفاف، وأخفاف، مأخوذ من خف البعير، وهو مجمع فرسن البعير والناقة، وهو للإبل كالحافر للفرس. لسان العرب (9/ 81).
وقد أجمع الفقهاء على جواز المسح على الخفين، وقد حكى الإجماع في ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم ابن المنذر، وابن عبد البر، وابن قدامة، والنووي وغيرهم.
انظر: الإجماع (ص 35)، الأوسط (1/ 426 ـ 434)، الاستذكار (2/ 241 ـ 243)، المغني (1/ 359)، المجموع (1/ 266)، نيل الأوطار (1/ 210).
(2)
العزيز (1/ 272)، مغني المحتاج (1/ 205)، شرح العمدة (1/ 283)، المبدع (1/ 139).
ولم أجد نصًا صريحًا للأحناف والمالكية في هذه المسألة، وإن كان مفهوم كلامهم يوافق قول الشافعية والحنابلة؛ لأن مذهبهم ـ كما سيأتي في الحالة الثانية ـ هو عدم جواز المسح بطهارة التيمم إذا كان التيمم بسبب عدم الماء، فمفهومه جواز المسح إذا كان التيمم بسبب آخر سوى عدم الماء، والله أعلم.
وعللوا ما ذهبوا إليه بما يلي:
1 ـ أنه مضطر إلى الترخص، وأحق من يترخص المضطر، كالمستحاضة
(1)
.
2 ـ أنه لا يتأثر بوجود الماء، لكنه ضعيف في نفسه فصار كالمستحاضة
(2)
.
الحالة الثانية: أن يكون التيمم بسبب عدم الماء، فإذا لبس خفيه على هذه الطهارة ثم وجد الماء، فهل يجوز له المسح على خفيه أم عليه خلعهما وغسل قدميه؟ للفقهاء في هذه الحالة قولان
(3)
:
القول الأول: أنه لا يجوز له المسح على خفيه، بل يجب عليه خلعهما وغسل قدميه، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: أنه يجوز له المسح على خفيه، وهو قول ابن سريج من الشافعية، ورواية عند الحنابلة.
سبب الخلاف:
هل التيمم مبيح أو رافع؟
(1)
شرح الزركشي (1/ 382)، المغني (1/ 363).
(2)
العزيز (1/ 273)، المجموع (1/ 296).
(3)
المبسوط (1/ 105)، بدائع الصنائع (1/ 139)، التفريع (1/ 199)، حاشية الخرشي (1/ 333)، الحاوي (3/ 1431)، المجموع (1/ 296)، الكافي لابن قدامة (1/ 36)، الإنصاف (1/ 174).
أدلة القول الأول:
1 ـ أن طهارة التيمم طهارة غير كاملة؛ لأنها طهارة ضرورة، فبطلت من أصلها عند وجود الماء، فصار كاللابس للخف على غير طهارة
(1)
.
2 ـ أن التيمم لا يرفع الحدث، فصار كاللابس للخف وهو محدث
(2)
.
المناقشة:
يمكن مناقشته بأن الراجح أنه يرفع الحدث، وقد بينا ذلك في مبحث: نوع بدلية التيمم
(3)
.
3 ـ أن المسح على طهارة التيمم على خلاف القياس؛ لأن الذي ورد في الشرع المسح على طهارة الماء لا على طهارة التيمم، فينبغي قصره على مورد الشرع
(4)
.
أدلة القول الثاني:
أن طهارة التيمم طهارة تامة، كما قال تعالى ـ بعد أن ذكر طهارة التيمم ـ:{وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6]، فمن جازت له الصلاة بالتيمم فهو طاهر بلا شك، وإذا كان طاهرًا كله فقدماه طاهرتان بلا شك، فقد أدخل القدمين وهما طاهرتان، فجاز له المسح عليهما
(5)
.
(1)
المهذب مع المجموع (1/ 294)، المغني (1/ 363).
(2)
المغني (1/ 363)، المبدع (1/ 139).
(3)
انظر (ص 211).
(4)
البحر الرائق (1/ 293).
(5)
المحلى (1/ 63).
المناقشة:
يمكن مناقشته بأن طهارة التيمم طهارة تامة ما بقي شرطها، وشرط التيمم عدم الماء.
الراجح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم جواز المسح على طهارة التيمم، وذلك لما يلي:
1 ـ لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، في مقابل ضعف دليل القول الثاني بما حصل من مناقشته.
2 ـ أن التيمم بدل عن الماء إذا كان الماء متعذرًا، فإذا وجد الماء بطل التيمم أصلاً؛ لأنه صار محدثًا بالحدث السابق على التيمم
(1)
، فيكون الخف ملبوسًا على طهارة قد بطلت فلا يصح الاعتماد على تلك الطهارة.
3 ـ أن التيمم يختص بالوجه والكفين، ولا تعلق لطهارة الرجل به
(2)
.
(1)
انظر: البناية (1/ 577)، شرح التلقين (1/ 305)، شرح العمدة (1/ 283).
(2)
فتح ذي الجلال والإكرام (1/ 367).