الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن
حكم التيمم بالتراب المغصوب
للفقهاء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أنه يصح التيمم به، وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية
(1)
.
القول الثاني: أنه لا يصح التيمم به، وهو قول الحنابلة
(2)
.
أدلة القول الأول:
استدل القائلون بأنه يصح التيمم بالتراب المغصوب، بما يلي:
أن التيمم صحيح؛ لأن النهي من التيمم بالتراب المغصوب لا يعود إلى الطهارة، فالغاصب مأذون له بالطهارة، وإنما النهي من جهة الغصب، فيصح فعله مع الإثم، ونظير ذلك أن يقول السيد لعبده خط هذا الثوب ولا تدخل هذه الدار فإن امتثلت أعتقتك وإن ارتكبت النهي عاقبتك، فخاط الثوب في الدار فإنه يحسن من السيد حينئذ عتقه وعقوبته
(3)
.
(1)
رد المحتار (1/ 231)، نهاية المحتاج (1/ 263). ولم أعثر على تصريح للمالكية في هذه المسألة، إلا أن قواعدهم تفيد بصحة التيمم بالتراب المغصوب، قال القرافي:«الذي يصلي في ثوب مغصوب أو يتوضأ بماء مغصوب أو يحج بمال حرام كل هذه المسائل عندنا سواء في الصحة خلافًا لأحمد» أنوار البروق في أنواء الفروق للقرافي (2/ 151)، ط: دار الكتب العلمية 1418 هـ.
(2)
الفروع (1/ 296)، الإنصاف (1/ 273).
(3)
انظر: رد المحتار (1/ 479، 480)، روضة الناظر (1/ 42).
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بأنه لا يصح التيمم بالتراب المغصوب، بما يلي:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].
ثانيًا: من السنة:
حديث أبي بكرة
(1)
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب»
(2)
.
وجه الدلالة من الآية والحديث:
في الآية والحديث النهي عن أكل أموال الناس بالباطل، ومن تيمم بتراب مغصوب فإن استعماله لهذا التراب محرم منهي عنه؛ لأنه داخل تحت تحريم الأموال، وتحت العمل بخلاف ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يصح تيممه
(3)
.
(1)
هو: نفيع بن الحارث الثقفي، ويقال: نفيع بن مسروح، المكنى بأبي بكرة؛ لأنه تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف ببكرة فاشتهر بها، وكان من فضلاء الصحابة، توفي سنة (51 هـ).
انظر: الاستيعاب (4/ 1530، 1531)، الإصابة (6/ 467).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب
…
الخ [صحيح البخاري (1/ 52) حديث (105)]، ومسلم في كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال [صحيح مسلم (3/ 1305) حديث (1679)].
(3)
انظر: المحلى (1/ 214).
المناقشة:
يمكن مناقشته بأن نص الكتاب والسنة يدلان على حرمة أكل أموال الناس بالباطل، وهذا لا يستلزم بطلان التيمم بالمغصوب؛ لأن التحريم والصحة غير متلازمين، ففعله من حيث إنه تيمم مطلوب، ومحرم من حيث إنه غصب، فالنهي لا يعود إلى التيمم وإنما إلى أمر خارج وهو الغصب
(1)
.
حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»
(2)
.
وجه الدلالة:
أن كل عمل لا يوافق ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو باطل مردود على صاحبه، ولم يكن من أمره صلى الله عليه وسلم التيمم بالمغصوب، فيكون باطلاً مردودًا على صاحبه
(3)
.
المناقشة:
يمكن مناقشة هذا الاستدلال بما نوقش به الاستدلال بالدليلين السابقين.
ثالثًا: من المعقول:
أن التيمم وهو عبادة لا يتأدى بما هو منهي عنه، فلا يستعمل هذا التراب
(1)
انظر: روضة الناظر (1/ 43)، القواعد لابن رجب (1/ 13).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور [صحيح مسلم (3/ 1343) حديث (1718)].
(3)
انظر: كشاف القناع (1/ 408)، المحلى (1/ 215).
المنهي عنه لأنه ممنوع شرعًا فهو كالمعدوم حسًا، فتكون صورة التطهير معدومة حسًا مع العمد، وذلك مبطل للطهارة والصلاة
(1)
.
المناقشة:
نوقش بالمنع؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى حين أمر بالطهارة لم يشترط فيها أن تكون الأداءة مباحة، بل إنه سبحانه وتعالى أوجب الطهارة مطلقًا، وحرم الغصب، ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون عدمه شرطًا، كما لو سرق في صلاته لم تبطل صلاته مع مقارنة المحرم، فكذلك ها هنا
(2)
.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بصحة التيمم بالتراب المغصوب، وذلك لقوة دليلهم، ولأن أدلة القول الثاني تم مناقشتها.
ويؤيد ذلك أنه لم يثبت دليل صحيح يدل على عدم صحة التيمم بالتراب المغصوب.
(1)
انظر: أنوار البروق (2/ 151)، روضة الناظر (1/ 42)، المحلى (1/ 214، 215).
(2)
أنوار البروق (2/ 151).