الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
تحديد مسح اليدين
اتفق الفقهاء على أن مسح اليدين من فروض التيمم، واختلفوا في تحديد الواجب مسحه من اليدين، وذلك على قولين:
القول الأول: أنه يجب مسح اليدين إلى المرفقين
(1)
، وهو مذهب الحنفية، وقول للمالكية، ومذهب الشافعية (هو قول الإمام الشافعي في الجديد)
(2)
.
القول الثاني: أنه يجب مسح الكفين
(3)
فقط، وهو قول الشافعي في القديم، ومذهب الحنابلة
(4)
.
القول الثالث: أن الواجب هو المسح إلى الكفين، ويستحب إلى المرفقين، وهو المشهور في مذهب المالكية، واختاره القاضي أبو يعلى
(5)
من الحنابلة
(6)
.
(1)
المرفق: هو موصل الذراع في العضد، أي: أعلى الذراع وأسفل العضد. لسان العرب (10/ 119).
(2)
الأصل (1/ 104)، المبسوط (1/ 107)، المدونة (1/ 42)، المقدمات (1/ 114)، الأم (2/ 102، 103)، المجموع (2/ 168).
(3)
الكف: أصله المنع، وهو الراحة مع الأصابع، سميت بذلك لأنها تكف وتمنع الأذى عن البدن. لسان العرب (9/ 305)، المصباح المنير (2/ 535).
(4)
الحاوي (2/ 950)، المهذب (1/ 125)، مسائل الكوسج (1/ 97)، الفروع (1/ 298).
(5)
هو: محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء، أبو يعلى القاضي، الفقيه الأصولي الحنبلي، إمام الحنابلة في وقته، من أهل بغداد، ولي القضاء بدار الخلافة في وقت القائم بأمر الله، من كتبه: أحكام القرآن، والعدة في أصول الفقه وغيرهما، توفي سنة (458 هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 89)، طبقات الحنابلة (2/ 193).
(6)
التفريع (1/ 202)، مواهب الجليل (1/ 522)، الفروع (1/ 298)، شرح منتهى الإرادات (1/ 200).
سبب الخلاف:
يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة إلى أمرين
(1)
:
الأول: اشتراك اسم اليد في لغة العرب، وذلك أن اليد في كلام العرب تطلق على ثلاثة معان: على الكف فقط، وعلى الكف والساعد
(2)
، وعلى الكف والساعد والعضد
(3)
.
الثاني: اختلاف الأحاديث الواردة في كيفية التيمم
(4)
.
أدلة القول الأول:
استدل القائلون بأنه يجب مسح اليدين إلى المرفقين، بما يلي:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].
وجه الدلالة:
أن الآية أطلقت اليد فقيدت بالمرفق؛ لكونه الغاية في الوضوء، والتيمم بدل عن الوضوء، والبدل لا يخالف المبدل
(5)
.
(1)
بداية المجتهد (1/ 136).
(2)
الساعد: ما بين المرفق والكف، وسمي ساعدًا لمساعدته الكف إذا بطشت شيئًا أو تناولته. لسان العرب (3/ 214)، المصباح المنير (1/ 277).
(3)
العضد: ما بين المرفق إلى الكتف. لسان العرب (3/ 292)، المصباح المنير (2/ 415).
(4)
سيأتي ذكر هذه الأحاديث وتخريجها عند ذكر أدلة كل قول.
(5)
بدائع الصنائع (1/ 312)، الإشراف (1/ 158)، الحاوي (2/ 953).
المناقشة:
نوقش من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن القياس هنا غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق يتضح بما يلي
(1)
:
الأول: أن الوضوء في أربعة أعضاء بخلاف التيمم فإنه في عضوين.
الثاني: أن الوضوء شرع فيه التثليث بخلاف التيمم.
الثالث: أن الوضوء يغسل فيه الفم والأنف وباطن الشعر الخفيف بخلاف التيمم.
الرابع: أن طهارة التيمم مبنية على التخفيف بخلاف الوضوء فإنه مبني على الإسباغ
(2)
.
الوجه الثاني: أن القول بأن البدل لا يكون إلا على صفة المبدل منه لا يصح، فإن البدل يأخذ حكم مبدله لا صفته
(3)
، ولهذا أوجب الله تعالى الرقبة في الظهار، وفي كفارة اليمين، وكفارة قتل الخطأ، وكفارة المجامع عمدًا في نهار رمضان وهو صائم، ثم عوضها الله تعالى وأبدل من رقبة كفارة اليمين صيام
(1)
شرح العمدة (1/ 413)، المغني (1/ 323).
(2)
الإسباغ في الوضوء: المبالغة فيه وإتمامه. لسان العرب (8/ 433).
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 354).
ثلاثة أيام، ومن رقاب القتل والجماع والظهار صيام شهرين متتابعين، وعوض من ذلك إطعامًا في الظهار والجماع ولم يعوضه في القتل، فلا يشترط أن تكون صفة البدل في المبدل منه
(1)
.
الوجه الثالث: أن هناك دليلاً على التقييد بالكف، وهو حديث عمار رضي الله عنه فقد تيمم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكف فقط، وتقييد النص بالنص أولى من تقييد النص بالقياس.
ثانيًا: من السنة:
حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين»
(2)
.
المناقشة:
نوقش بأن الصواب في هذا الحديث أنه موقوف عن جابر رضي الله عنه
(3)
.
(1)
المحلى (1/ 96).
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (1/ 181)، والحاكم في المستدرك (1/ 288)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 207).
(3)
قال الدارقطني في السنن (1/ 181): «والصواب موقوف» ، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير (1/ 152):«ضعَّف ابن الجوزي هذا الحديث بعثمان بن محمد، وقال: إنه متكلم فيه، وأخطأ في ذلك. قال ابن دقيق العيد: لم يتكلم فيه أحد، نعم روايته شاذة؛ لأن أبا نعيم ـ أحد رواة الطريق الثاني للحديث ـ رواه عن عزرة موقوفًا» .
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين»
(1)
.
المناقشة:
نوقش بأن الحديث ضعيف
(2)
.
حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إلى المرفقين»
(3)
.
المناقشة:
نوقش بأن الحديث ضعيف
(4)
.
(1)
أخرجه الدارقطني في سننه (1/ 180)، والحاكم في المستدرك (1/ 287)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 207).
(2)
لأن في إسناده علي بن ظبيان، قال عنه يحيى بن سعيد وأبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي وأبو حاتم: متروك، وقال أبو زرعة: واهي الحديث. انظر: الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (5/ 187)، ط: دار الفكر 1409 هـ، نصب الراية (1/ 150)، تلخيص الحبير (1/ 151).
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب التيمم [سنن أبي داود (1/ 89) برقم (328)]، والدارقطني في سننه (1/ 182)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 210).
(4)
لأن في إسناد هذه الرواية رجل مجهول، قال ابن حزم في المحلى (1/ 95):«فلم يُسمَّ قتادة من حدثه، والأخبار الثابتة كلها عن عمار بخلاف هذا، فسقط هذا الخبر» ، وقال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 210):«وأما حديث قتادة عن محدِّث عن الشعبي فهو منقطع لا يُعلم من الذي حدثه فينظر فيه» ، وقال ابن دقيق العيد:«وهذا كالمنقطع لجهالة المحدث عن الشعبي» ، الإمام في معرفة أحاديث الأحكام (3/ 142)، ط: دار المحقق 1420 هـ.
حديث الأسلع
(1)
رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال لي:«يا أسلع قم، فارحل لنا» ، فقلت: يا رسول الله أصابتني بعدك جنابة، فسكت حتى أتاه جبريل بآية التيمم، فقال لي:«يا أسلع، قم فتيمم صعيدًا طيبًا: ضربتين، ضربة لوجهك، وضربة لذراعيك، ظاهرهما وباطنهما» فلما انتهينا إلى الماء، قال:«يا أسلع قم فاغتسل»
(2)
.
المناقشة:
نوقش بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة
(3)
.
حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في التيمم: «ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين»
(4)
.
(1)
هو: الأسلع الأعرجي، من بني الأعرج بن كعب بن سعد، التميمي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب راحلته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فقط ولم يرو غيره.
انظر: الاستيعاب (1/ 139)، الإصابة (1/ 58).
(2)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 50)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 113)، والطبراني في المعجم الكبير (1/ 298)، ط: مكتبة الزهراء 1404 هـ، والدارقطني في سننه (1/ 179)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 208).
(3)
لأنه من رواية الربيع بن بدر وهو ضعيف، قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 54):«الاحتجاج بهذا الحديث يسقط من كل وجه» ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 262):«وفيه الربيع بن بدر، وقد أجمعوا على ضعفه» ، وانظر: نصب الراية (1/ 153)، تلخيص الحبير (1/ 152، 153).
(4)
أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 442)، والبزار في مسنده ـ كما في نصب الراية (1/ 151)، وتلخيص الحبير (1/ 153) ـ.
المناقشة:
نوقش بأن الحديث ضعيف
(1)
.
حديث أبي أمامة
(2)
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التيمم ضربة للوجه وضربة إلى المرفقين»
(3)
.
المناقشة:
نوقش بأن الحديث ضعيف جدًا
(4)
.
حديث أبي الجهيم الأنصاري رضي الله عنه قال: «أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه وذراعيه، ثم رد عليه السلام»
(5)
.
(1)
لأنه من رواية الحَرِيش بن الخِرِّيت وهو ضعيف، قال أبو حاتم:«هذا حديث منكر، والحريش بن الخريت شيخ لا يحتج بحديثه» ، علل الحديث لابن أبي حاتم (1/ 47)، ط: دار المعرفة 1405 هـ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 263):«وفيه الحريش بن الخريت، ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري» . وانظر: نصب الراية (1/ 151)، وتلخيص الحبير (1/ 153).
(2)
هو: صدي بن عجلان بن الحارث بن عمرو بن وهب، الباهلي، أبو أمامة، مشهور بكنيته، كان ممن بايع تحت الشجرة، وشهد أحدًا، وسكن الشام، وكان مع علي بصفين، توفي سنة (86 هـ).
انظر: أسد الغابة (3/ 16، 17)، الإصابة (3/ 420).
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 245)، وأخرجه ابن حزم في المحلى (1/ 94).
(4)
لأنه من رواية جعفر بن الزبير، قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 262):«وفيه جعفر بن الزبير، قال شعبة فيه: وضع أربع مئة حديث» ، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب (ص 140):«متروك الحديث» ، وقال النووي في المجموع (2/ 168):«وأما حديث أبي أمامة فمنكر لا أصل له» .
(5)
أخرجه الدارقطني في السنن (1/ 177)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 205).
المناقشة:
نوقش بأن هذا الحديث بهذه الرواية: «وذراعيه» ضعيف
(1)
، والحديث ورد في الصحيحين وليس فيه مسح الذراعين.
عن نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس فقضى ابن عمر حاجته، وكان من حديثه يومئذ أن قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة
(2)
من السكك وقد خرج من غائط أو بول فسلم فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى
(3)
في السكة ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام وقال:«إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر»
(4)
.
(1)
لأنه من رواية عبد الله بن صالح، قال عنه ابن حجر في التقريب (ص 308):«صدوق كثير الغلط» ، وقد تفرد بذكر «مسح الذراعين» ، وخالف بذلك الثقات الذين لم يذكروا «مسح الذراعين» .
قال الخطابي في أعلام الحديث (1/ 345): «حديث أبي الجهيم بن الصمة لا يصح في مسح الذراعين» ، وقال ابن حجر في الفتح (1/ 527):«والثابت في حديث أبي الجهيم بلفظ (يديه) لا (ذراعيه)، فإنها رواية شاذة» .
(2)
السكة: الزقاق والطريق، والجمع سكك. المصباح المنير (1/ 282).
(3)
أي: قرب أن يختفي ويغيب عن ظهره. المصباح المنير (2/ 656)، عون المعبود (1/ 359).
(4)
أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب التيمم في الحضر [سنن أبي داود (1/ 90) حديث (330)]، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 85)، والدارقطني في سننه (1/ 177)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 206، 215).
المناقشة:
نوقش بأن الحديث ضعيف
(1)
.
ثالثًا: من المعقول:
قياس التيمم على الصلاة، وذلك أن الصلاة في السفر سقط منها ركعتان، وبقي ركعتان كاملتان، فكذلك التيمم؛ حيث الذي سقط منه عضوان عن الوضوء، وبقي عضوان فيكون التيمم فيهما كاملاً كالوضوء
(2)
.
المناقشة:
نوقش بأنه قياس في مقابلة النص، وهو حديث عمار الثابت في الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين، فهو قياس فاسد الاعتبار
(3)
.
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بأنه يجب مسح الكفين فقط، بما يلي:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى أطلق اليد هنا ولم يقيدها، ومطلق اسم اليد يتناول الكف
(1)
لأنه من رواية محمد بن ثابت العبدي، وقد ضعفه يحيى بن معين وأبو حاتم والبخاري وأحمد وغيرهم. انظر: معالم السنن (1/ 86)، تلخيص الحبير (1/ 151).
(2)
المبسوط (1/ 107).
(3)
فتح الباري (1/ 531)، شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 166)، نيل الأوطار (1/ 310).
فقط كما في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 8]، وكانت السنة في القطع من الكفين، فكذا المسح في التيمم يكون إلى الكفين
(1)
.
المناقشة:
نوقش بأن قياس التيمم في الكفين على القطع في السرقة لا يصح؛ وذلك لأنه في القطع عقوبة لا يؤخذ فيها إلا باليقين، والتيمم عبادة، والعبادات يؤخذ فيها بالاحتياط
(2)
.
الجواب:
أجيب بأن الله سبحانه وتعالى لما أراد في الوضوء الزيادة على الكفين قيدها بالمرفقين، فوقفنا عند تحديده، وأطلق القول في اليدين ـ في التيمم ـ فحملناه على ظاهر مطلق اسم اليد، وهو الكفان، كما فعلنا في السرقة، فهذا أخذ بالظاهر فلا قياس للعبادة على العقوبة
(3)
.
ثانيًا: من السنة:
حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إنما كان يكفيك هكذا» فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه
(4)
.
(1)
الاستذكار (3/ 164)، المغني (1/ 322).
(2)
المبسوط (1/ 107).
(3)
عارضة الأحوذي (1/ 242). وانظر: التمهيد (19/ 282، 283).
(4)
أخرجه البخاري ـ واللفظ له ـ في كتاب التيمم، باب المتيمم هل ينفخ فيهما [صحيح البخاري (1/ 129) حديث (331)]، ومسلم في كتاب الحيض، باب التيمم [صحيح مسلم (1/ 280، 281) حديث (368)].
وفي رواية: قال عمار لعمر: تمعكت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يكفيك الوجه والكفان»
(1)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح إلى المرفقين مما يدل دلالة واضحة على أن الواجب في مسح اليدين إنما هو إلى الكفين.
المناقشة:
نوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن حديث عمار فيه اضطراب
(2)
؛ لأنه روى في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إلى المرفقين» والمضطرب لا يكون حجة
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري في كتاب التيمم، باب التيمم للوجه والكفين [صحيح البخاري (1/ 130) حديث (334)].
(2)
المضطرب: هو الذي تتعدد رواياته، وهي على تعددها متساوية متعادلة لا يمكن ترجيح إحداها بشيء من وجوه الترجيح، والمضطرب من أنواع الحديث الضعيف، وذلك لما يقع فيه من الاختلاف حول حفظ رواته وضبطهم، ولا يكون الحديث مضطربًا إذا رجحت إحدى الروايتين بحفظ راويها، أو كثرة صحبة المروي عنه أو غير ذلك، فالحكم للرواية الراجحة. انظر: مقدمة ابن الصلاح (ص 93)، ط: دار الفكر المعاصر 1397 هـ، فتح المغيث للسخاوي (1/ 237)، ط: دار الكتب العلمية 1403 هـ، تدريب الراوي للسيوطي (1/ 262)، ط: مكتبة الرياض الحديثة.
(3)
بدائع الصنائع (1/ 313)، عمدة القاري (4/ 29، 34)، الحاوي (2/ 957)، وانظر: التمهيد (19/ 289).
الجواب:
أجيب بأن رواية المرفقين ضعيفة
(1)
، بخلاف رواية الكفين فإنها في الصحيحين وهي سالمة من القدح والمعارضة، وعليه فلا اضطراب في حديث عمار؛ لكون رواية المرفقين مرجوحة ضعيفة بالنسبة إلى غيرها، فسقط الاعتبار بها.
قال ابن حجر: «وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط. فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال
…
»
(2)
.
الوجه الثاني: أن المراد بالكفين الذراعين إطلاقًا لاسم الجزء على الكل أو المراد ظاهرهما مع الباقي
(3)
.
الجواب:
أجيب بأنه لا يعرف في اللغة التعبير بالكفين عن الذراعين
(4)
.
ثالثًا: من المعقول:
أنه حكم علق على مطلق اليد فلم يدخل فيه الذراع، كقطع السارق، ومس الفرج
(5)
.
(1)
سبق بيان وجه ضعفها (ص 418)، الهامش رقم (1).
(2)
فتح الباري (1/ 530).
(3)
شرح فتح القدير (1/ 126)، التعليقة الكبرى (ص 807).
(4)
المغني (1/ 323).
(5)
الإشراف (1/ 159، 160)، كشاف القناع (1/ 412).
أن من مسح يده إلى الكوع
(1)
فقد مسح مفصلاً من اليد تجب بإصابته الدية
(2)
.
أدلة القول الثالث:
استدل القائلون بأن الواجب هو المسح إلى الكفين مع استحباب المسح إلى المرفقين، بما يلي:
استدلوا بمجمل أحاديث القولين الأولين، حيث حملوا حديث عمار الثابت في الصحيحين على الوجوب، وأحاديث المرفقين على الاستحباب
(3)
.
المناقشة:
نوقش بأنه إنما ينبغي أن يصار إلى هذا القول إن صحت أحاديث المرفقين
(4)
.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بأن الواجب هو مسح الكفين فقط، وذلك لما يلي:
(1)
الكوع: طرف الزند الذي يلي الإبهام، والجمع أكواع. لسان العرب (8/ 316)، المصباح المنير (2/ 544).
(2)
عيون الأدلة (ص 891).
(3)
بداية المجتهد (1/ 138)، أضواء البيان (2/ 39).
(4)
بداية المجتهد (1/ 138).
أن حديث عمار رضي الله عنه صحيح وصريح في وجوب الاقتصار على مسح الوجه والكفين، ولهذا عقد البخاري في صحيحه باب «التيمم للوجه والكفين»
(1)
، وأتى بذلك على صيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله
(2)
.
أنه لم يثبت حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالتيمم إلى المرفقين، وإنما صح ذلك موقوفًا على بعض الصحابة، وقول الصحابي إذا خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فلا عبرة به.
أن عمارًا الراوي للحديث كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأن الواجب هو الاقتصار على الوجه والكفين، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (1/ 129).
(2)
انظر: فتح الباري (1/ 530).
(3)
المغني (1/ 323)، فتح الباري (1/ 530).