الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
سبب مشروعية التيمم
سبب نزول فرض التيمم هو ما وقع لعائشة رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق (المريسيع)
(1)
حينما أضاعت عقدها، وحان وقت الصلاة وليس معهم ماء، فنزلت آية التيمم.
فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء ـ أو بذات الجيش ـ انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في
(1)
كانت هذه الغزوة في شهر شعبان من السنة السادسة من الهجرة، وقيل: سنة خمس. انظر: السيرة النبوية لابن هشام (4/ 252)، ط: دار الجيل 1411 هـ، الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 63)، ط: دار صادر 1388 هـ، تاريخ الأمم والملوك للطبري (2/ 104)، ط: دار الكتب العلمية، عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي لابن العربي (12/ 49)، ط: دار العلم، الكامل في التاريخ لابن الأثير (2/ 81)، دار الكتب العلمية 1415 هـ، العبر في خبر من غبر للذهبي (1/ 7)، ط: دائرة المطبوعات والنشر، زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 256)، ط: مؤسسة الرسالة 1409 هـ.
والمريسيع: بالضم ثم الفتح وياء ساكنة ثم سين مهملة مكسورة، وهو اسم ماء في ناحية قديد إلى الساحل. معجم البلدان (5/ 118).
خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم
(1)
فتيمموا، فقال أسيد
(1)
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الآية المعنية ـ في قول عائشة: «فأنزل الله آية التيمم» ـ هي آية النساء، وممن ذهب إلى هذا القول القرطبي وابن كثير في تفسيرهما، وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضًا.
واستدلوا: بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء فيتجه تخصيصها بآية التيمم. انظر: أسباب نزول القرآن للواحدي (ص 289)، ط: دار الميمان 1426 هـ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/ 224)، ط: دار الكتاب العربي 1418 هـ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/ 799)، ط: دار إحياء التراث العربي 1405 هـ.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الآية المعنية هي آية المائدة، وممن ذهب إلى هذا القول ابن العربي وابن عطية في تفسيرهما ورجحه ابن حجر في الفتح. انظر: أحكام القرآن لابن العربي (1/ 442)، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 160)، ط: دار الكتب العلمية 1413 هـ، فتح الباري (1/ 517).
واستدلوا: بما رواه البخاري في صحيحه من رواية عمرو بن الحارث ـ في كتاب التفسير في سورة المائدة ـ وفيها: «فنزلت {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية» . صحيح البخاري (4/ 1684) حديث (4332).
قال ابن حجر رحمه الله في الرد على دليل القول الأول: «وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد، لرواية عمرو بن الحارث .. » فتح الباري (1/ 517).
ويمكن مناقشة دليل القول الثاني بأن البخاري رحمه الله ساق حديث عائشة رضي الله عنها من طريق آخر، في كتاب التفسير، في سورة النساء، باب:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} ، وهذه الرواية تشعر بأن آية التيمم هي آية النساء. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (8/ 100).
قلت: والذي يترجح لي ـ والله أعلم ـ أن كلا الآيتين تسمى آية التيمم، وذلك لما يلي:
1 ـ أن البخاري رحمه الله ساق حديث عائشة رضي الله عنها في كتاب التفسير، في سورة النساء، وساق الحديث أيضًا من طريق آخر في كتاب التفسير، في سورة المائدة، باب فلم تجدوا ماء فتيمموا، فكأن البخاري أراد أن يبين أن الآيتين تحتمل كل واحدة منهما آية التيمم.
2 ـ أن التيمم لم يذكر في القرآن الكريم إلا في آيتين، الآية التي في سورة النساء، والآية التي في سورة المائدة، والسورتان مدنيتان، وقد تطابقت عبارة الآيتين في تقرير حكم التيمم تطابقًا كاملاً، وإن زادت آية المائدة بكلمة {مِنْهُ} ، فهل بعد ذلك نقول: إن آية التيمم هي إحدى الآيتين والآية الأخرى ليست بآية التيمم؟!
فلا يمكن تخصيص إحدى الآيتين بآية التيمم إلا بدليل صريح يدل على ذلك، ولهذا تردد ابن عبد البر رحمه الله في المراد من الآيتين حيث قال:«فأنزل الله آية التيمم» وهي آية الوضوء المذكورة في تفسير المائدة، أو الآية التي في سورة النساء، ليس التيمم مذكورًا في غير هاتين الآيتين». الاستذكار (3/ 155)، ط: دار قتيبة ودار الوعي 1413 هـ.
3 ـ أنه بهذا القول يمكن الجمع بين القولين والتوفيق بينهما، وهذا أولى من ترجيح أحد القولين على الآخر.
بن الحضير
(1)
: ما هي أول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فأصبنا العقد تحته»
(2)
.
(1)
هو: أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك الأوسي، صحابي، كان شريفًا في الجاهلية والإسلام مقدمًا في قبيلته الأوس، من أهل المدينة، يعد من عقلاء العرب وذوي الرأي فيهم، شهد العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار، وكان أحد النقباء الاثنى عشر، وشهد أحد والخندق والمشاهد كلها، توفي سنة (20 هـ).
انظر: أسد الغابة (1/ 142)، الإصابة (1/ 83).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التيمم، أول حديث بدون ترجمة [صحيح البخاري (1/ 127) حديث (327)]، ومسلم في كتاب الحيض، باب التيمم [صحيح مسلم (1/ 279) حديث (367)].
من فوائد الحديث:
في هذا الحديث فوائد عظيمة يجدر بنا أن نقف على بعض منها، ومن أهم تلك الفوائد ما يلي:
1 ـ جواز خروج النساء في الأسفار مع أزواجهن، سواء كان السفر للجهاد أو لغيره، إلا أن خروجهن إلى الجهاد مع ذوي المحارم والأزواج إنما يصح إذا كان العسكر كثيرًا تؤمن عليه الغلبة
(1)
.
2 ـ جواز الإقامة بموضع لا ماء فيه لحوائجه ومصالحه، فإنه لا يجب الانتقال عنه؛ لأن فرضه إما الطهارة المائية أو التيمم عند عدم الماء
(2)
.
3 ـ جواز تأديب الرجل ولده بالقول والفعل والضرب، وإن كان بالغًا أو امرأة كبيرة متزوجة
(3)
.
4 ـ استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة أو يحصل به تشويش لغيره من نائم أو مصلي أو مشتغل بعلم؛ لأن عائشة رضي الله عنها منعها من التحرك خشية استيقاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
الإستذكار (3/ 142)، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر (19/ 266)، ط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب 1387 هـ.
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (2/ 215)، ط: دار الوفاء 1419 هـ.
(3)
انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/ 468)، ط: مكتبة الرشد 1425 هـ، عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (4/ 9)، ط: دار الكتب العلمية 1421 هـ.
(4)
طرح التثريب في شرح التقريب للعراقي (1/ 265)، ط: مكتبة نزار الباز 1419 هـ.
5 ـ فيه دليل على أن الوضوء كان واجبًا على النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول آية الوضوء ولهذا استعظم الصحابة نزولهم على غير ماء، ومن المعلوم عند جميع أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم منذ افترض عليه الصلاة بمكة لم يصلِّ إلا بوضوء مثل وضوئنا اليوم.
والحكمة في نزول آية الوضوء ـ مع تقدم العمل به ـ ليكون فرضها المتقدم متلوًا في التنزيل، ولهذا قالت عائشة:«فنزلت آية التيمم» ولم تقل: فنزلت آية الوضوء، مما يدل على أن الذي طرأ على الصحابة رضوان الله عليهم من العلم في ذلك الوقت حكم التيمم لا حكم الوضوء
(1)
.
(1)
انظر: الاستذكار (3/ 155، 156)، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي (1/ 611)، ط: دار ابن كثير 1420 هـ، فتح الباري (1/ 517).