الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
تخفيف التراب المأخوذ بنفض أو نفخ
للفقهاء في هذه المسألة قولان
(1)
:
القول الأول: أنه يستحب، وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية، وحكم بجوازه الحنابلة، إلا أن الشافعية والحنابلة قالوا بذلك إذا كان التراب كثيرًا، وأما إذا كان قليلاً وخاف بالنفخ أن يذهب جميع التراب فإنه لا يجوز ذلك
(2)
.
القول الثاني: أنه يكره، وهو رواية عند الحنابلة.
أدلة القول الأول:
استدل القائلون باستحباب النفخ وجوازه، بما يلي:
أولاً: من السنة:
حديث عمار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إنما كان يكفيك هكذا» ، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه
(3)
.
(1)
المبسوط (1/ 106، 107)، الدر المختار (1/ 349)، الذخيرة (1/ 352)، الفواكه الدواني (1/ 244)، الحاوي (2/ 997، 998)، المجموع (2/ 186، 187)، المسائل الفقهية (1/ 89)، المغني (1/ 324).
(2)
وذلك لأن الشافعية والحنابلة يشترطون إيصال التراب إلى أعضاء التيمم، وقد سبق بيان ذلك في مطلب: حكم إيصال التراب إلى أعضاء التيمم (ص 377).
(3)
تقدم تخريجه (ص 422).
وفي رواية: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك»
(1)
.
وجه الدلالة:
دل الحديث على استحباب تخفيف التراب المأخوذ بنفض أو نفخ.
ثانيًا: من المعقول:
أن في تخفيف التراب المأخوذ بالنفض أو النفخ صيانة عن التلويث للوجه الذي يشبه المثلة
(2)
(3)
.
أن التخفيف لا يكره ابتداءً، فكذلك دوامًا
(4)
.
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بكراهة النفخ، بما يلي:
أولاً: من الآثار:
ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا تيمم ضرب بيديه ضربة، فمسح بهما وجهه، ثم ضرب بيديه ضربة أخرى، ثم مسح بهما يديه إلى المرفقين، ولا ينفض يديه من التراب
(5)
.
(1)
تقدم تخريجه (ص 266).
(2)
المثلة: ما يمثل به من تبديل خلقته، وتغيير هيئته، سواء كان بقطع عضو، أو تسويد وجه، أو تغييره. لسان العرب (11/ 615)، شرح العناية (1/ 125).
(3)
بدائع الصنائع (1/ 314)، تحفة المحتاج (1/ 597).
(4)
فتح الباري لابن رجب (2/ 45).
(5)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 211)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 56)، والدارقطني في السنن (1/ 182)، وقال العظيم آبادي:«إسناده صحيح موقوف» ، التعليق المغني على سنن الدارقطني، مطبوع مع السنن (1/ 182).
المناقشة:
يمكن مناقشته بأنه حديث موقوف، والموقوف لا يسقط المرفوع.
ثانيًا: من المعقول:
القياس على الوضوء فكما يكره نفض الماء عن اليدين في الوضوء، فكذا في بدله وهو التيمم
(1)
.
المناقشة:
يمكن مناقشته من وجهين:
الوجه الأول: أن قياس التيمم على الوضوء قياس مع الفارق؛ لأن التيمم مبني على التخفيف بخلاف الوضوء فإنه مبني على الإسباغ.
الوجه الثاني: أن البدل إنما يقوم مقام المبدل في حكمه لا في صفته.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل باستحباب النفخ، وذلك لقوة أدلتهم، وسلامتها من الاعتراضات القادحة.
(1)
الشرح الكبير لابن قدامة (2/ 261).