الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
تيمم الصحيح الخائف
من العطش
اتفق الفقهاء على أن من كان معه ماء، وهو يحتاج إليه لشرب ونحوه، كأن يخاف على نفسه العطش إن استعمله في الطهارة، أو يخاف على غيره من إنسان، أو حيوان محترم
(1)
،
فإنه يجب عليه التيمم، ويحرم عليه ـ والحالة هذه ـ استعماله في الطهارة
(2)
.
وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، منهم ابن المنذر، وابن هبيرة، وابن حجر العسقلاني
(3)
.
(1)
الحيوان المحترم: هو ما لا يباح قتله من مسلم، أو ذمي، أو مستأمن، أو كلب الزرع والماشية والصيد، وغير المحترم من الحيوان: ما يباح قتله كالحربي، والمرتد، والكلب العقور، والخنزير، وسائر الفواسق الخمس وما في معناها.
فإذا كان الحيوان غير محترم فإنه لا يتيمم بل يتوضأ بالماء الذي معه لعدم حرمة هؤلاء. انظر: رد المحتار (1/ 354)، مواهب الجليل (1/ 490)، المجموع (2/ 195)، المبدع (1/ 165، 166).
(2)
المبسوط (1/ 114)، بدائع الصنائع (1/ 318)، المدونة (1/ 46)، مواهب الجليل (1/ 490)، المجموع (2/ 195)، مغني المحتاج (1/ 253)، مسائل الإمام أحمد برواية ابنه أبي الفضل صالح (ص 182)، ط: الدار العلمية 1408 هـ، الإنصاف (1/ 254)، المحلى (1/ 87).
(3)
انظر: الإجماع لابن المنذر (ص 35)، الأوسط لابن المنذر (2/ 28)، الإفصاح لابن هبيرة (1/ 165)، فتح الباري (1/ 541).
واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
أولاً: من الكتاب:
20 ـ قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
21 ـ قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
وجه الدلالة من الآيتين:
أن الله سبحانه وتعالى أمر بحفظ النفس، وصونها عن أسباب الهلاك، ومن ذلك صونها عن العطش المؤدي للهلاك، فإن استعمال الماء للطهارة مع الحاجة للشرب تعريض للنفس للهلاك، وهذا محرم شرعًا.
ثانيًا: من السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بينما كلب يطيف بركية
(1)
كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها
(2)
فسقته فغفر لها به»
(3)
.
(1)
الركية ـ بفتح الراء وتشديد الكاف المكسورة وفتح الياء المشددة ـ: البئر. النهاية لابن الأثير (ص 375).
(2)
الموق ـ بضم الميم ـ: ما يلبس فوق الخف، كلمة فارسية معربة. مختار الصحاح (ص 551).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب حديث الغار [صحيح البخاري (3/ 1279) حديث (3280)]، ومسلم في كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها [صحيح مسلم (4/ 1761) حديث (2245)].
وجه الدلالة:
دل الحديث على أجر من سقي الكلب، فغيره من باب أولى
(1)
.
ثالثًا: من الآثار:
1 ـ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «إذا أجنب الرجل في أرض فلاة ومعه ماء يسير، فليؤثر نفسه بالماء ويتيمم بالصعيد»
(2)
.
2 ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إذا كنت مسافرًا وأنت جنب أو أنت على غير وضوء، فخفت إن توضأت أن تموت من العطش، فلا توضأه، واحبس لنفسك»
(3)
.
رابعًا: من المعقول:
1 ـ أنه يخاف على نفسه من الهلاك لو استعمل ما معه من الماء، فصار في حكم العاجز عن استعماله، كما لو حال بينه وبين الماء سبع أو عدو أو لصوص
(4)
.
2 ـ قياسًا على المريض الذي يخاف على نفسه من استعمال الماء
(5)
، فإنه يجوز له التيمم، فكذلك هاهنا، بجامع أن كلاً منهما خائف على نفسه.
(1)
المغني (1/ 344).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 99) رقم (1118)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 28)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 234) برقم (1042).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 100) برقم (1120)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 234) برقم (1044).
(4)
المبسوط (1/ 114)، المغني (1/ 344).
(5)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 10)، المهذب (1/ 130)، المبدع (1/ 165).
3 ـ أنه ماء مشغول بحاجته، والمشغول بالحاجة كالمعدوم
(1)
.
4 ـ أن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة، بدليل ما لو رأى حريقًا، أو غريقًا في الصلاة عند ضيق وقتها لزمه ترك الصلاة والخروج لإنقاذه، فلأن تُقدم الطهارة بالتيمم على الطهارة بالماء أولى
(2)
.
5 ـ أن صيانة نفس الغير أوجب من صيانة الطهارة بالماء، فإن الوضوء له بدل ولا بدل للنفس
(3)
.
6 ـ أن حرمة رفيقه كحرمة نفسه، والخائف على بهائمه خائف على ضياع ماله، فأشبه ما لو وجد ماء بينه وبينه لص أو سبع يخافه على بهيمته، أو شيء من ماله
(4)
.
(1)
الاختيار (1/ 28)، رد المحتار (1/ 354).
(2)
المغني (1/ 344)، المبدع (1/ 165).
(3)
شرح العناية على الهداية (1/ 134)، شرح التلقين (1/ 279).
(4)
شرح التلقين (1/ 279)، المغني (1/ 344).