الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه توجيه وإرشاد للعصاة والمذنبين أن لا يقنطوا من رحمة اللَّه تعالى، بل عليهم أن يأتوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيستغفروا اللَّه عنده، ويسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب اللَّه عليهم وغفر لهم، كما قال تعالى:{لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} هذا في حياته صلى الله عليه وسلم، وأما بعد مماته فانتهى هذا الأمر.
• عن يزيد بن الأسود قال: حججنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، قال: فصلى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح أو الفجر، قال: ثم انحرف جالسا، واستقبل الناس بوجهه، فإذا هو برجلين من وراء الناس لم يصليا مع الناس، فقال:"ائتوني بهذين الرجلين" قال: فأتي بهما ترعد فرائصهما، فقال:"ما منعكما أن تصليا مع الناس؟ " قالا: يا رسول اللَّه، إنا كنا قد صلينا في الرحال. قال:"فلا تفعلا، إذا صلى أحدكم في رحله، ثم أدرك الصلاة مع الإمام، فليصلها معه، فإنها له نافلة". قال: فقال أحدهما: استغفر لي يا رسول اللَّه. فاستغفر له، قال: ونهض الناس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونهضت معهم، وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلده. قال: فما زلت أزحم الناس حتى وصلت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده فوضعتها إما على وجهي أو صدري، قال: فما وجدت شيئًا أطيب ولا أبرد من يد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: وهو يومئذ في مسجد الخيف.
صحيح: رواه أحمد (17476) والسياق له، وأبو داود (575) والترمذي (219) والنسائي (858) وصحّحه ابن خزيمة (1279) وابن حبان (2395، 1565) كلهم من طرق عن يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه، قال: فذكره. وإسناده صحيح.
وذكر النووي في المجموع (8/ 274) والإيضاح (ص: 498) وابن كثير في تفسيره قصة غريبة عن العتبي قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه، سمعت اللَّه يقول: وقد جئتك مستغفرا لذنبي، مستشفعا بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} .
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
…
فطاب من طيبهن القاع والأكم.
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
…
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عُتْبِي، الحق الأعرابي فبشره أن اللَّه قد غفر له.
وهذه قصة باطلة مختلقة مخالفة لما كان عليه الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا، فإن أحدا من الصحابة ومن بعدهم لم يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستشفعا لربه. ولو فعلوا ذلك لتواترت النقول.
والعتبي هو الشاعر الأخباري أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد اللَّه بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب الأموي، ثم العتبي البصري، لم يكن محدثا، وإنما هو أخباري فقط.
وذكر الذهبي: أنه كان يشرب، ومات سنة ثمان وعشرين ومائتين. سير أعلام النبلاء (11/ 96) فمن كان هذا حاله لا يجوز النقل عنه إلا بالتعجب.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان (3880) فقال: "أخبرنا أبو علي الروذباري، حدّثنا عمرو بن محمد بن عمرو بن الحسين بن بقية إملاء، حدّثنا شكر الهروي، حدّثنا يزيد الرقاشي، عن محمد ابن روح بن يزيد البصري، حدثني أبو حرب الهلالي، قال: حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا مستشفعا بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه: ، وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلا بالذنوب والخطايا أستشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي، وأن تشفع في ثم أقبل في عرض الناس، وهو يقول:
يا خير من دفنت في الترب أعظمه
…
فطاب من طيبه الأبقاع والأكم
نفسي الفداء بقبر أنت ساكنه
…
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وفي غير هذه الرواية: فطاب من طيبه القيعان والأكم" انتهى.
وفيه يزيد الرقاشي وهو أبان القاصّ ضعيف جدا، وفي الإسناد من لا يعرف حالهم، ولذا قال الحافظ ابن عبد الهادي في الصارم المنكي (ص: 245 - 247): "وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري، حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر، ثم ذكر نحو ما تقدم، وقد وضع لها بعض الكذابين إسنادًا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وفي الجملة: ليست هذه الحكاية المنكورة (أي منكرة) عن الأعرابي مما يقوم به حجة، وإسنادها مظلم مختلف ولفظها مختلف أيضًا، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم،