الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - باب أُنزلَ القرآن على سبعة أحرف ومعناها
• عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف".
متفق عليه: رواه البخاري في فضائل القرآن (5060، 5061) ومسلم في صلاة المسافرين (818: 272) كلاهما من طريق ابن شهاب، حدثني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، أن ابن عباس، حدَّثه، فذكره.
وزاد مسلم في آخره: قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف في حلال ولا حرام.
• عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ، أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حِزام يقرأ الفرقان على غير ما أقرَؤها. وكان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فكدتُ أن أعْجل عليه. ثم أمهلته حتى انصرف. ثم لبّبته بردائه، فجئتُ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول اللَّه، إني سمعتُ هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقْرأْتَنيها! فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أَرْسله". ثم قال: "اقْرأ يا هشام". فقرأ القراءةَ التي سمعتُه يقرأ. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "هكذا أُنزلت". ثم قال لي: "اقْرأ". فقرأتُها. فقال: "هكذا أُنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسَّر منه".
متفق عليه: رواه مالك في كتاب القرآن (5) عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، فذكره.
وأخرجه البخاريّ في الخصومات (2419)، ومسلم في صلاة المسافرين (818) كلاهما من حديث مالك به، مثله.
• عن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ، حدَّثاه أنهما سمعا عمر ابن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حِزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فاستمعتُ لقراءته، فإذأ هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرئْنيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فكِدتُ أساورُه في الصلاة، فتصبّرتُ حتى سلّم، فلبّبته بردائه، فقلتُ: من أقْرأكَ هذه السورة التي سمعتُك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت: كذبْتَ، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأتَ، فانطلقتُ به أقودُه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعتُ هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئْنيها! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أَرْسله، اقْرأ يا هشام". فقرأ عليه القراءةَ التي سمعتُه يقرأ. فقال رسول اللَّه
-صلى الله عليه وسلم: "كذلك أُنزلت". ثم قال: "اقْرأْ يا عمر". فقرأتُ القراءة التي أقرأني. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كذلك أُنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسَّر منه".
متفق عليه: رواه البخاريّ في فضائل القرآن (4992) عن سعيد بن عفير، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة بن الزبير، أن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد القاري حدّثاه، فذكراه.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين (818) من وجه آخر عن يونس، عن ابن شهاب، بإسناده مختصرًا، وأحال على رواية مالك.
• عن أُبي بن كعب، قال: كنتُ في المسجدِ، فدخل رجلٌ يُصلِّي. فقرأ قراءةً أنكرتُها عليه ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه. فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعًا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فقلت: إنّ هذا قرأ قراءة أنكرتُها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحَسَّنَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم شأنَهما فَسُقِطَ في نفسي من التَّكذيب ولا إذْ كُنتُ في الجاهلية. فلما رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففِضْتُ عَرَقًا، وكأنّما أنظرُ إلى اللَّه عز وجل فَرَقًا فقال لي:"يا أُبَيُّ، أُرْسِلَ إِلَيَّ: أن اقْرإ القرآن على حرف. فرددتُ إليه أَنْ هَوِّنْ على أمَّتي. فرَدَّ إليَّ الثانية: اقْرَأْهُ على حرفين. فرددتُ إليه: أَنْ هَوِّنْ على أُمَّتِي. فردَّ إليَّ الثالثةَ: اقرَأْهُ على سبعة أحرف، فلك بكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مسألةٌ تَسْأَلُنِيهَا. فقلت: اللَّهم اغفرْ لأمَّتي. اللَّهم اغفر لأُمَّتي. وأَخَّرْتُ الثّالثة ليوم يرغبُ إليَّ الخلقُ كلُّهم حتى إبراهيمُ صلى الله عليه وسلم ".
صحيح: رواه مسلم في صلاة المسافرين (820) عن محمد بن عبد اللَّه بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللَّه بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جدّه، عن أُبي ابن كعب، فذكر الحديث.
• عن أبي بن كعب: أن النّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، قال: فأتاه جبريل عليه السلام. فقال: إنّ اللَّه يأمرك أَن تُقرأ أُمَّتَك القرآن على حَرْفٍ، فقال:"أسألُ اللَّهَ مُعافاتَه ومغفرتَه وإنَّ أُمَّتي لا تطيق ذلك". ثم أتاه الثّانية فقال: إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ أُمَّتك القرآن على حرفين. فقال: "أسألُ اللَّهَ مُعافاتَه ومغفرتَه وإنّ أُمَّتِي لا تطيقُ ذلك". ثم جاءه الثّالثة فقال: إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال:"أسأل اللَّه معافاته ومغفرته وإنّ أمتي لا تطيق ذلك". ثم جاءه الرّابعة فقال: إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ أمَّتك القرآن على سبعة أحرف فأيّما حرفٍ قَرأُوا عليه فقد أصابوا.
صحيح: رواه مسلم في صلاة المسافرين (821) من طرق عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أُبي بن كعب، فذكره.
وقوله: "أضاة" بوزن الحصاة، وهو الماء المستنقع من سيل أو غيره. ويقال: هو غدير صغير. وبنو غفار قبيلة من كنانة. وأضاة بني غفار: موضع قريب من مكّة.
• عن أُبي بن كعب، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا أبيُّ، إنّي أُقرئتُ القرآنَ، فقيل لي: على حرفٍ أو حرفين أو ثلاث؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين، فقلت: على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة، قلت: على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلّا شافٍ كافٍ، إنْ قلتَ: سميعًا، عليمًا، عزيزًا، حكيمًا، ما لم تختم آيةَ عذابٍ برحمة، أو آية رحمة بعذاب".
صحيح: رواه أبو داود (1477) عن أبي الوليد الطّيالسيّ، حدّثنا همّام بن يحيى، عن قتادة، عن يحيى بن يعمر، عن سليمان بن صُرد الخزاعيّ، عن أبي بن كعب، فذكره.
ورواه أحمد (21149) عن عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا همام، بإسناده، وزاد في أول الحديث: قرأتُ آيةً وقرأ ابنُ مسعود خلافها، فأتيتُ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلت: ألم تقرئني آية كذا كذا؟ قال: "بلى". فقال ابن مسعود: ألم تقرئنيها كذا كذا؟ قال: "بلى، كلاهما محسن مجمل". قال: فقلت له، فضرب صدري فقال:"يا أُبيّ". فذكر بقية الحديث مثله.
ومن طريق أحمد أخرجه الضياء في "المختارة"(3/ 378)، وأشار إلى رواية أبي داود.
• عن أبي بن كعب، قال: ما حاك في صدري منذ أسلمت إلّا أنّي قرأتُ آيةً وقرأها آخر غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: أقرأنيها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأتيتُ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي اللَّه أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: "نعم". وقال الآخر: "ألم تقرئني آيةَ كذا وكذا؟ قال: "نعم، إنَّ جبريل وميكائيل عليهما السلام أتياني فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل عليه السلام: اقرإ القرآن على حرف قال ميكائيل استزده استزده حتى بلغ سبعة أحرف، فكلُّ حرفٍ شافٍ كافٍ".
صحيح: رواه النسائيّ (941) عن يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى، عن حُميد، عن أنس، عن أُبي بن كعب، فذكر الحديث.
ورواه أيضًا في فضائل القرآن (11)، وأحمد (21092، 21093) كلاهما من حديث حُميد، عن أنس إلّا أنّ أحمد أدخل في الموضع الأول "عبادة بن الصّامت" بين أنس وأبي بن كعب، وصحّحه ابن حبان (737).
• عن أُبي بن كعب، قال: لقي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم جبريلَ فقال: "يا جبريل إنّي بُعثتُ
إلى أمّة أمّيين منهم العجوز والشيخ الكبير، والغلام والجارية، والرّجل الذي لم يقرأ كتابًا قطّ؟ " قال: يا محمد، إنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف.
حسن: رواه الترمذيّ (2943) عن أحمد بن منيع، حدّثنا الحسن بن موسى، حدّثنا شيبان، عن عاصم، عن زرّ بن حُبيش، عن أبي بن كعب، فذكر الحديث.
وإسناده حسن من أجل عاصم وهو ابن أبي النّجود فإنه حسن الحديث، ومن طريقه رواه ابن حبان في صحيحه (739)، والضياء في المختارة (3/ 373).
قال الترمذي: "حسن صحيح، وقد رُوي عن أُبي بن كعب من غير وجه".
قلت: وهو كما قال، فإنّي جمعتُ عدّةَ وجوه عن أُبي بن كعب.
• عن أبي جُهيم أنّ رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال هذا: تلقّيتُها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: تلقّيتُها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فسألا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:"القرآن يُقرأ على سبعة أحرف، فلا تُماروا في القرآن، فإنّ مراءً في القرآن كفر".
صحيح: رواه أحمد (17542) عن أبي سلمة الخزاعيّ، حدّثنا سليمان بن بلال، حدثني يزيد ابن خُصيفة، أخبرني بُسر بن سعيد، قال: حدّثني أبو جُهيم، فذكره.
ورواه أبو عبيد في فضائل القرآن (337)، والطبريّ في "تفسيره"، والبخاريّ في "التاريخ الكبير"(7/ 262) كلهم من طريق سليمان بن بلال، بإسناده.
وإسناده صحيح، وأبو سلمة الخزاعيّ هو منصور بن سلمة، وأبو جهيم من الأنصار من بني النّجار، قيل: اسمه عبد اللَّه، وقيل: الحارث بن الصّمة.
• عن أمّ أيوب، قالت: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف، أيها قرأت أجزأك".
حسن: رواه أحمد (27443) عن سفيان، عن عبيد اللَّه، عن أبيه، عن أمّ أيوب فذكرت الحديث.
وإسناده حسن من أجل والد عبيد اللَّه وهو أبو يزيد المكي حليف بني زهرة، يقال: له صحبة، وثقه ابنُ حبان (7/ 657) وقال العجليّ: تابعي ثقة، وقال الترمذي (1810) في حديث رواه غير هذا:"حسن صحيح غريب".
ومن هذا الوجه أخرجه الحميدي (340)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3320)، وذكر ابن كثير في فضائل القرآن (ص 64) هذا الحديث بإسناد أحمد وقال:"إسناده صحيح".
قلت: لعلّه صحّحه لشواهده.
• عن حذيفة، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لقيتُ جبريل عند أحجار المراءِ، فقلت: يا جبريل، إنّي أرسلتُ إلى أمّة أميّة، الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ العاسي
الذي لم يقرأ كتابًا قطّ". قال: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف.
حسن: رواه أحمد (23326، 23398) عن عفّان، حدّثنا حماد -يعني ابن سلمة-، عن عاصم، عن زر، عن حذيفة، فذكر الحديث مختصرًا ومطوّلًا.
ومن هذا الوجه أخرجه أيضًا الطبرانيّ في الكبير (3018).
وأخرجه البزار في مسنده (2908)، والطحاويّ في شرح مشكل الآثار (3098) كلاهما من وجه آخر عن حماد بن سلمة.
وإسناده حسن من أجل عاصم وهو ابن أبي بهدلة، فإنه حسن الحديث، والاختلاف عليه في تسمية الصحابي، فإن كان حفظه فهو عن أبي بن كعب وحذيفة جميعًا، وإلّا فالمشهور أنّه من حديث أبي بن كعب.
• عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، قال: سمع عمرو بن العاص رجلًا يقرأ آيةً من القرآن، فقال: منْ أقرأكها؟ قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: فقد أقرأنيها رسول اللَّه على غير هذا! فذهبا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: يا رسول اللَّه، آيةُ كذا وكذا ثم قرأها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"هكذا أُنزلتْ". فقال الآخر: يا رسول اللَّه، فقرأها على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: أليس هكذا يا رسول اللَّه؟ قال: "هكذا أُنزلتْ". فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّ هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فأيّ ذلك قرأتم فقد أصبتم، ولا تُماروا فيه، فإنّ المراء فيه كفرٌ". أو "آية الكفر".
صحيح: رواه أحمد (17821) عن أبي سلمة الخزاعي، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، قال: أخبرني يزيد بن أسامة بن الهاد، عن بسر بن سعيد، عن أبي قيس -مولى عمرو بن العاص-، فذكره.
وإسناده صحيح. وهو حديث موصول، وإن كانت صورته صورة المرسل، فقد رواه أحمد (17819) من وجه آخر عن يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة بن الهاد، عن بُسْر بن سعيد، عن أبي قيس -مولى عمرو بن العاص-، عن عمرو بن العاص، فذكر نحوه.
• عن سمرة، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"نَزَلَ القرآنُ على سبعة أحرف".
صحيح: رواه أحمد (20179) عن بهز، حدّثنا حماد بن سلمة، أخبرنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة، فذكره. وإسناده صحيح.
والحسن هو الامام البصريّ مدلِّس وقد عنعن، واختلف أهل العلم في سماعه من سمرة، والذي ترجّح عندي أنّه سمع منه مطلقًا كما قال البخاري وغيره.
ولكن رواه أحمد (20262) عن عفان، حدّثنا حماد، أخبرنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة،
أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "نزل القرآن على ثلاثة أحرف".
ومن هذا الطّريق رواه البزّار -كشف الأستار (2314) -، والطّحاويّ في مشكل الآثار (3119)، والطبراني في الكبير (6853)، والحاكم (2/ 223).
قال الحاكم: "وقد احتجّ البخاريّ برواية الحسن عن سمرة، واحتجّ مسلمٌ بأحاديث حماد بن سلمة، وهذا حديث صحيح وليس له علّة".
والرّوايات الصّحيحة المتواترة أن القرآن نزل على سبعة أحرف، فرأي الطّحاوي في مشكله أنّ سمرة لعلّه سمع عند ما كان القرآن يقرأ على ثلاثة أحرف لا أكثر منها ثم مضى، ثم جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ القرآن يقرأ على أكثر من ذلك إلى تتمة سبعة أحرف، فلم يسمع ذلك سمرة، فروى ما سمع.
قلت: بل سمع أيضًا سبعة أحرف كما مضى، ولعلّ هذا الاختلاف يعود إلى بعض الرواة فأخطأوا عليه، ولا يبعد أن يكون هذا الخطأ من حماد بن سلمة، فإنه روى الحديث من ثلاثة أوجه، الوجه الأول هو الصحيح، والوجه الثاني فيه شذوذ، وكذلك الوجه الثالث وهو قوله: عرض القرآن على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث عرضات. رواه البزار (4564) عن محمد بن المثنى، ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة فذكره.
• عن أبي هريرة قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف، المراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما عرفتهم منه فاعملوا، وما جهلتم منه فردُّوه إلى عالمه".
صحيح: رواه أحمد (7989) عن أنس بن عياض، حدثني أبو حازم، عن أبي سلمة، قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة، فذكره.
ورواه النسائي في فضائل القرآن (118) وابن حبان في صحيحه (74) من هذا الوجه بدون شك.
ورواه أحمد (8390) من وجه آخر عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه عز وجل أنزل القرآن على سبعة أحرف: عليما حكيما، غفورا رحيما".
• عن أبي هريرة قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة".
حسن: رواه ابن جرير في تفسيره (1/ 40) عن عمرو بن عثمان العثماني، قال: حدّثنا ابن أبي أويس، قال: حدّثنا أخي، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة، فذكره.
وإسناده حسن من أجل ابن أبي أويس ومحمد بن عجلان فهما حسنا الحديث.
• عن أبي طلحة قال: قرأ رجل عند عمر، فغيَّرَ عليه، فقال: قرأت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم يُغَيِّرْ عليَّ، قال: فاجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقرأ الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال له: "قد أحسنت" قال: فكأن عمر وجد من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا عمر، إن القرآن كله صواب ما لم يجعل عذابٌ مغفرةً أو مغفرةٌ عذابًا".
حسن: رواه أحمد (16366) عن عبد الصمد، حدّثنا حرب بن ثابت، -كان يسكن بني سُليم- قال: حدّثنا إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أبيه، عن جده، قال: فذكره.
وإسناده حسن من أجل حرب بن ثابت، وهو أبو ثابت المنقري، ويقال: ابن أبي حرب، فإنه يُحَسَّن حديثه، وقد حَسَّنَه ابن كثير، وذكر الهيثمي في المجمع (7/ 51) وقال:"رواه أحمد ورجاله ثقات".
• عن معاذ بن جبل قال: "أُنزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف كلها شاف كاف".
حسن: رواه الطبراني في الكبير (20/ 150) عن عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، حدثني محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى، ثنا علي بن ثابت الدهان، عن أسباط بن نصر، عن السدي (هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة)، عن عبد خير، عن معاذ بن جبل، فذكره.
وإسناده حسن من أجل علي بن ثابت وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي، فإنهما حسنا الحديث. وأما أسباط بن نصر فإنه يُحَسَّن حديثه إذا كان له أصل.
وقوله في الحديث: "من سبعة أبواب" لم يرد في أحاديث صحيحة فهو شاذ.
• عن عبادة بن الصامت أن أبي بن كعب، قال: أقرأني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آية، وأقرأها آخر غير قراءة أبي، فقلت: من أقرأكها؟ قال: أقرأنيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قلت: واللَّه لقد أقرأنيها كذا وكذا، قال أبي: فما تخلج في نفسي من الإسلام ما تخلج يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول اللَّه، ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال:"بلى". قال: فإن هذا يدعي أنك أقرأته كذا وكذا، فضرب بيده في صدري، فذهب ذاك، فما وجدت منه شيئًا بعد، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أتاني جبريل وميكائيل، فقال جبريل: اقرإ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، قال: اقرأه على حرفين، قال: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، قال: كل شاف كاف".
صحيح: رواه أحمد (21092) عن عفان، قال: حدّثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا حُميد، عن أنس بن مالك، عن عبادة بن الصامت فذكره.
ورواه النسائي (942) مختصرا ولم يذكر "عبادة بن الصامت" بين أنس وأُبي بن كعب.
قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 283): وزاد بعضهم في هذا الحديث: ما لم تختم عذابا برحمة، أو رحمة بعذاب.
وقال: أما قوله في هذا الحديث: سميعا عليما، وغفورا رحيما، وعليما حكيما، ونحو ذلك إنما أراد به ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها، وأنها معان متفق مفهومُها، مختلف مسموعُها، لا يكون في شيء منها معنى وضدّه، ولا وجه يخالف وجها خلافا ينفيه، أو يضادّه، كالرحمة التي هي خلاف العذاب، وضِدُّه وما أشبه ذلك.
وقال: وهذا كله يعضد قول من قال: إن معنى السبعة الأحرف المذكورة في الحديث سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه، المختلف لفظه نحو: هَلُمَّ، وتعال، وعجِّلْ، واسْرعْ، وانظرْ وأخّر ونحو ذلك. انتهى كلامه.
يعني أنهم ما كانوا يغيّرون سميعا عليما إلى غفورا رحيما، بل هكذا نزل في القرآن في اللهجات المختلفة.
ومعنى نزول القرآن على سبعة أحرف: يعني سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو أقبل، وتعال، وهلُمّ، وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم.
ويؤيد هذا المعنى ما رُويَ في حديث أبي بكرة أن جبريل عليه السلام قال: يا محمد، اقرإ القرآن على حرف، قال ميكائيل عليه السلام: استزده، فاستزاده قال: فاقرأ على حرفين. قال ميكائيل: استزده فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف. قال: كلٌّ شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب نحو قولك: تعال وأقبل، وهَلُمَّ، واذهبْ واسرعْ وأعجلْ.
رواه أحمد (20514)، والطبري في مقدمة تفسيره (1/ 38) كلاهما من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة فذكره.
وفي إسناده علي بن زيد -هو ابن جدعان- ضعيف، إلا أنه ما يشهد غير المثال، فلعله مدرج من بعض الرواة، وروي مثله عن بعض الصحابة أيضًا.
ورُويَ عن عمر بن الخطاب أنه قال: نزل القرآن بلغة مضر، وكانت لغة مضر هذه سبع لهجات حسب القبائل السبعة وهم: هذيل، وكنانة، وقيس، وضبة، وتيم الرباب، وأسد بن خزيمة، وقريش.
ورُويَ عن ابن عباس أنه قال: نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من الهوازن، وإثنان لسائر العرب، والعجز هم: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف، وكان يقال لهم: عليا هوازن.
ولا يلزم من هذا أن جميع القرآن نزل على سبعة أحرف -أي أوجه-، فالصحيح أن بعضه على سبعة، وبعضه على ستة، وبعضه على خمسة هكذا، وأكثرها على واحد، إذ اختلاف هذه الأحرف هو من باب التنوع، وليس من باب التناقض أو التضاد. وأما إملاء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على كتاب الوحي فكان كما نزل، فكان جمع القرآن في عهد أبي بكر بما في هذه المكتوبات مع ما كان عندهم في الصدور، فلا يجوز لأحد أن يغيّر شيئًا من القرآن لا قراءةً ولا كتابةً.