الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمقصود من هذه الآية الكريمة الرد على المشركين الذين جعلوا لكل معبودهم مناسك، فيخرّون مرة للعزى، وأخرى للات، وثالثة لمعبود آخر إلى ما لا نهاية له.
فالتنكير في قوله تعالى: {مَنْسَكًا} للإفراد أي واحدا لا متعددا؛ لأن الله تعالى قال بعده: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ} يبين هذا المعنى بأن يكون هذا المنسك لله عز وجل فقط.
• عن أنس قال: ضحّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر، فذبحهما بيده.
متفق عليه: رواه البخاري في الأضاحي (5558)، ومسلم في الأضاحي (18: 1966) كلاهما من طريق شعبة، حدثنا قتادة، عن أنس، قال: فذكره. واللفظ للبخاري، ولفظ مسلم نحوه.
قوله: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} الصواف: من الصف وهو أن تجعل الشيء على خط مستو، فتكون البدن مصطفة مربوطة القوائم ليسهل نحرها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بيده ثلاثا وستين بدنة، جعل يطعنها بحربة في يده، ثم أعطى الحربة عليّا فنحر ما غبر، وكانت مائة بدنة، وهذا يقتضي أن تكون مصفوفة متقاربة.
• عن أنس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء
…
وفيه: ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بدنات بيده قياما.
متفق عليه: رواه البخاري في الحج (1551) عن موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، فذكره.
ورواه مسلم (690) من وجه آخر عن أيوب بإسناده مختصرا، ولم يذكر فيه نحر النبي صلى الله عليه وسلم.
• عن زياد بن جبير: أن ابن عمر أتى على رجل وهو ينحر بدنته باركة، فقال: ابعثها قياما مقيدة، سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
متفق عليه: رواه البخاري في الحج (1713)، ومسلم في الحج (1320) كلاهما من طريق يونس (وهو ابن عبيد العبدي)، عن زياد بن جبير فذكره.
• عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها.
حسن: رواه أبو داود (1767) عن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، وقال (أي ابن جريج): وأخبرني عبد الرحمن بن سابط، فذكره.
وابن جريج وأبو الزبير مدلسان، ولو وقفنا على تصريح ابن جريج لقلنا إنه على شرط مسلم.
وقول ابن جريج: "وأخبرني عبد الرحمن بن سابط" مرسل صحيح؛ لأن ابن سابط من ثقات التابعين، وهو يقوي المسند.
وقوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} أي: سقطت على الأرض، وهو كناية عن مفارقة الروح، فإنه لا يجوز الأكل من البدنة إذا نحرت حتى تموت وتبرد حركتها، وأما إذا كانت الحياة فيها موجودة، فلا يجوز قطع شيء منها ولا أكلها، لما جاء في الحديث:
• عن أبي واقد الليثي قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يجبون أسنمة الإبل، ويقطعون أليات الغنم، قال:"ما قُطِع من البهيمة وهي حية، فهو ميتة".
حسن: رواه أبو داود (2858)، والترمذي (1480) واللفظ له، وأحمد (21903)، وابن الجارود (876)، والحاكم (4/ 239) كلهم من طرق عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد الليثي، فذكره.
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن أسلم" اهـ. والكلام عليه مبسوط في كتاب الأطعمة.
وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} .
وقوله: {الْقَانِعَ} من قَنَعَ - بفتح النون - يَقْنَع قُنُوعا إذا سأل بتذلّل.
ويقال: قَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعة وقُنْعانا إذا رَضِيَ، وأنشد البعض:
العبد حر إنْ قنِعَ
…
والحر عبد إنْ قَنَعَ
فاقْنَعْ ولا تَقْنَعْ فما
…
شيء يشِينُ سوى الطمعِ
والتفسير الأول أحسن لأنه عُطِفَ عليه {وَالْمُعْتَرَّ} وهو اسم فاعل من اعتر - إذا تعرض للعطاء دون السؤال، بل بالتعريض وهو يحضر موضع العطاء إلا أنه لا يسأل بلسانه وسبق في الآية رقم (28)) {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} .
والأمر في قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} . للوجوب، وهو الظاهر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما ضحّى في منى مائة بدنة أكل منها وأمر أصحابه أن يأكلوا. وبه قال الشافعي.
وذهب جمهور أهل العلم إلى أنه مستحب ولكنهم كرهوا أن يأكل كله ولا يتصدق منه شيء.
وأما تقسيم لحوم الأضاحي إلى ثلاثة أقسام: قسم يأكله المضحي وأهله، وقسم يهدي إلى أقاربه وأصدقائه، وقسم يوزع بين الفقراء والمساكين. فقد قال به بعض أهل العلم.