الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونقل المناوي عن البخاري أنه لم يعده محفوظا، وعده أبو داود في المراسيل، وأعله ابن القطان بالإرسال، وضعف راويه، وأبو حاتم المزني له صحبة، ولا يعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث (1) .
وأخرج الدارقطني، عن عمر، أنه قال: لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء ".
(
[بيان اعتبار الكفاءة في النكاح] :)
أقول: استدل على اعتبار الكفاءة في النسب بما أخرجه ابن ماجة بإسناد رجاله رجال الصحيح، من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه: أن فتاة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته؟ ! قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أنه ليس إلى الآباء من أمر النساء شيء.
وأخرجه أحمد، والنسائي، من حديث ابن بريدة عن عائشة (2) .
ومحل الحجة منه قولها: ليرفع بي خسيسته؛ فإن ذلك مشعر بأنه غير كفؤ لها.
ولا يخفى أن هذا إنما هو من كلامها، وإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إليها؛
(1) • قلت: لكن له شاهد من حديث أبي هريرة؛ فالحديث حسن عندي، وقد تكلمت عليه، وخرجته في " معجم الحديث "، وسيذكر الشارح قريبا الشاهد المشار إليه (ن)
(2)
• قلت: وهذا هو الصواب؛ وهو منقطع، والذي قبله وهم من بعض رواته؛ كما بينا آنفا. (ن)
لكون رضاها معتبرا، فإذا لم ترض لم يصح النكاح؛ سواء كان المعقود له كفؤا أو غير كفؤ.
أيضا هو زوجها بابن أخيه؛ وابن عم المرأة كفؤ لها.
واستدل على اعتبار الكفاءة في النسب بما أخرجه أحمد، والنسائي - وصححه -، وابن حبان، والحاكم (1)، من حديث بريدة مرفوعا:" إن أحساب أهل الدنيا الذين (2) يذهبون إليه المال ".
وبما أخرجه أحمد، والترمذي - وصححه هو والحاكم (3) - من حديث سمرة مرفوعا:" الحسب المال، والكرم التقوى ".
ويحتمل أن يكون المراد: أن هذا هو الذي يعتبره أهل الدنيا - كما صرح به في حديث بريدة -، وأن هذا حكاية عن صنيعهم واغترارهم بالمال، وعدم اعتدادهم بالدين، فيكون في حكم التوبيخ لهم والتقريع.
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم زوج مولاه زيد بن حارثة
(1) • أخرجه (2 / 163) من طريق الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه؛ مرفوعا، وقال:" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي.
وأقول: الحسين - هذا - إنما أخرج له البخاري تعليقا؛ فالحديث على شرط مسلم وحده، وهو في " المسند "(5 / 353) ، و " النسائي "(2 / 71) ، و " البيهقي "(7 / 135) بنحوه. (ن)
(2)
• كذا في " المسند " بصيغة الجمع، وفي " النسائي "، و " المستدرك ":" الذي "؛ على الإفراد؛ (ن)
(3)
• ووافقه الذهبي، وأخطأوا جميعا؛ فإن للحديث علتين: عنعنة الحسن عن سمرة، وتفرد سلام بن أبي مطيع به عن قتادة، وروايته عنه ضعيفة.
وقد خرجت الحديث، وتكلمت عليه في " المعجم "؛ فليراجع. (ن)
بزينب بنت جحش القرشية، وزوج أسامة بن زيد بفاطمة بنت قيس القرشية، وزوج عبد الرحمن بن عوف بلالا بأخته.
وأخرج أبو داود: أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:" يا بني بياضة {أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه ".
أخرجه أيضا الحاكم، وحسنه (1) ابن حجر في " التلخيص ".
وأخرج البخاري، والنسائي، وأبو داود، عن عائشة: أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس - وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالما، وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى امرأة من الأنصار.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه؛ فزوجوه؛ إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض ".
أخرجه الترمذي، من حديث أبي هريرة.
قال في " الحجة البالغة ":
" أقول: ليس في هذا الحديث أن الكفاءة غير معتبرة، كيف وهي مما جبل عليه طوائف الناس، وكاد يكون القدح فيها أشد من القتل؟} والناس على مراتبهم، والشرائع لا تهمل مثل ذلك، ولذلك قال عمر: لأمنعن النساء إلا من أكفائهن؛ ولكنه أراد أن لا يتبع أحد محقرات الأمور نحو قلة المال،
(1) • وهو كما قال؛ انظر " سنن أبي داود "(1 / 327) ، و " المستدرك "(2 / 164) . (ن)
ورثاثة الحال، ودمامة الجمال، أو يكون ابن أم ولد، ونحو ذلك من الأسباب بعد أن يرضى دينه وخلقه؛ فإن أعظم مقاصد تدبير المنزل: الاصطحاب في خلق حسن، وأن يكون ذلك الاصطحاب سببا لصلاح الدين ".
وقال في " المسوى " في باب الكفاءة.
" قال الله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} ، وقال تعالى:{أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون} .
قلت: هذه الآيات تدل على تفاوت مراتب الناس، وأن ذلك أمر ثابت فيهم، ولم يرده الله تعالى، فكان تقريرا.
ثم اختلفوا في تحديد المعاني التي يقع بها التفاوت، فذهب أكثرهم إلى أنها أربعة: الدين، والحرية، والنسب، والصناعة، والمراد من الدين: الإسلام والعدالة.
واعتبر الشافعي السلامة من العيوب المثبتة للخيار أيضا، ومعنى اعتبار الكفاءة عند أبي حنيفة: أن المرأة إذا زوجت نفسها من غير الكفؤ؛ فللأولياء أن يفرقوا بينهما.
وعند الشافعي: أن أحد الأولياء المستوين إذا زوجها برضاها نم غير كفؤ؛ لم يصح، وفي قول: يصح.
وله الفسخ إذا زوج الأب بكرا صغيرة أو بالغة بغير رضاها، وفيه القولان أيضا ". انتهى.
أقول: قوله صلى الله عليه وسلم: " من ترضون دينه وخلقه "؛ فيه دليل على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق.
وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين: مالك.
ونقل عن عمر وابن مسعود، ومن التابعين عن محمد بن سيرين، وعمر ابن عبد العزيز، ويدل عليه قوله تعالى:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم} .
واعتبر الكفاءة في النسب: الجمهور.
وقال أبو حنيفة: قريش أكفاء بعضهم بعضا، والعرب كذلك.
وليس أحد من العرب كفؤا لقريش، كما ليس أحد من غير العرب كفؤا للعرب؛ وهو وجه للشافعية.
قال في " الفتح ": " والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم، ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض ".
قال الشافعي: " ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث ".
وأما ما أخرجه البزار، من حديث معاذ رفعه:
" العرب بعضهم أكفاء بعض، والموالي بعضهم أكفاء بعض "؛ فإسناده ضعيف.
قال في " الفتح ": " واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه؛ فلا تحل المسلمة لكافر ". انتهى.
وأعلى الصنائع المعتبرة في الكفاءة في النكاح على الإطلاق: العلم؛ لحديث: " العلماء ورثة الأنبياء ".
أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، من حديث أبي الدرداء، وضعفه الدارقطني في " العلل "، قال المنذري:" هو مضطرب الإسناد ".
وقد ذكر البخاري في " صحيحه " بغير إسناد (1) .
والقرآن الكريم شاهد على ما ذكرناه.
فمن ذلك قوله - تعالى -: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} ، وقوله - تعالى -:{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} ، وقوله - تعالى - {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم} ، وغير ذلك من الآيات والأحاديث المتكاثرة، منها حديث:" خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " - وقد تقدم -.
وبالجملة: إذا تقرر لك هذا؛ عرفت أن المعتبر هو الكفاءة في الدين والخلق، لا في النسب.
لكن؛ لما أخبر صلى الله عليه وسلم بأن حسب أهل الدنيا المال، وأخبر صلى الله عليه وسلم كما ثبت في " الصحيح " عنه - أن في أمته ثلاثا من أمر الجاهلية: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة؛ كان تزوج غير الكفؤ في النسب والمال من أصعب ما ينزل بمن لم يؤمن بالله واليوم الآخر.
(1) • لكنه حسن؛ كما بينته في " التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب ". (ن)
قال الماتن رحمه الله: " ومن هذا القبيل؛ استثناء الفاطمية من قوله: (ويغتفر برضا الأعلى والولي) ، وجعل بنات فاطمة رضي الله عنها أعلى قدرا وأعظم شرفا من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلبه ".
فيا عجبا كل العجب من هذه التعصبات الغريبة، والتصلبات على أمر الجاهلية، وإذا لم يتركها من عرف أنها من أمور الجاهلية من أهل العلم؛ فكيف يتركها من لم يعرف ذلك؟ !
والخير كل الخير في الإنصاف والانقياد لما جاء به الشرع؛ ولهذا أخرج الحاكم في " المستدرك " - وصححه (1) - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:" أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس ".
فهذا نص في محل الخلاف.
انظر أمهات العبرة الطاهرة، الذين هم قدوة السادة وأسوة القادة في كل خير ودين، من كن؟
فأم أبي العترة الإمام زين العابدين علي بن الحسين: شهريانو بنت يزدجرد ابن شهريار بن شيرويه بن خسروبرويز بن هرمز بن نوشيروان - ملك الفرس -.
وأم الإمام موسى الكاظم أم ولد؛ اسمها حميدة.
وأم الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم أم ولد أيضا؛ اسمها تكتم.
(1) • ورده الذهبي فأصاب؛ لكن للحديث طريق أخرى حسنة، أوردتها في " الروض النضير "؛ فانظر (رقم 651) ؛ وقد رواه الطيالسي (رقم 378) . (ن)