الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروي هذا الحديث بألفاظ من طرق.
وعن نوفل بن معاوية الديلي، قال: أسلمت وعندي خمس نسوة، فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] :" أمسك أربعا، وفارق الأخرى "، أخرجه الشافعي في " مسنده "(1) .
وأخرج ابن ماجه، والنحاس في " ناسخه "، عن قيس بن الحارث الأسدي قال: أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال:" اختر منهن أربعا، وخل سائرهن "، ففعلت.
وهذه شواهد للحديث الأول؛ كما قال البيهقي.
(
[بيان الخلاف في عدد نساء المملوك] :)
وعن الحكم، قال: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين ". انتهى كلامه.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين؛ رواه الدارقطني.
قال الماتن رحمه الله في " نيل الأوطار ":
" قد تمسك بهذا من قال: إنه لا يجوز للعبد أن يتزوج فوق اثنتين؛ وهو مروي عن علي، وزيد بن علي، والناصر، والحنفية، والشافعية.
ولا يخفى أن قول الصحابي لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته،
(1) تقدم بيان ضعفه؛ فليعلم!
نعم؛ لو صح إجماع الصحابة على ذلك لكان دليلا عند القائلين بحجية الإجماع؛ ولكنه قد روي عن أبي الدرداء، ومجاهد، وربيعة، وأبي ثور، والقاسم بن محمد، وسالم: أنه يجوز له أن ينكح أربعا كالحر.
حكى ذلك عنهم صاحب " البحر ".
فالأولى الجزم بدخوله تحت قوله - تعالى -: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} ، والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم؛ إلا أن يقوم دليل يقتضي المخالفة؛ كما في المواضع المعروفة بالتخالف بين حكميهما ". انتهى.
ويوضح ذلك ما حرره الماتن - رحمه الله تعالى - في " وبل الغمام حاشية شفاء الأوام "؛ عبارته هكذا:
" الذي نقله إلينا أئمة اللغة والإعراب - وصار كالمجمع عليه عندهم -: أن العدل في الأعداد يفيد أن المعدود لما كان متكثرا يحتاج استيفاؤه إلى أعداد كثيرة؛ كانت صيغة العدل المفردة في قوة تلك الأعداد، فإن كان مجيء القوم مثلا اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة - وكانوا ألوفا مؤلفة -، فقلت: جاءني القوم مثنى؛ أفادت هذه الصيغة أنهم جاءوا اثنين اثنين، حتى تكاملوا، فإن قلت: مثنى، وثلاث، ورباع؛ أفاد ذلك: أن القوم جاءوك تارة اثنين اثنين، وتارة ثلاثة ثلاثة، وتارة أربعة أربعة، فهذه الصيغ بينت مقدار عدد دفعات المجيء؛ لا مقدار عدد جميع القوم، فإنه لا يستفاد منها أصلا، بل غاية ما يستفاد منها: أن عددهم متكثر تكثرا تشق الإحاطة به.
ومثل هذا إذا قلت: نكحت النساء مثنى؛ فإن معناه: نكحتهن اثنتين اثنتين، وليس فيه دليل على أن كل دفعة من الدفعات لم يدل في نكاحه إلا
بعد خروج الأولى، كما أنه لا دليل - في قولك: جاءني القوم مثنى - أنه لم يصل الاثنان الآخران إليك؛ إلا وقد فارقك الاثنان الأولان.
إذا تقرر هذا؛ فقوله - تعالى -: {مثنى وثلاث ورباع} ؛ يستفاد منه جواز نكاح النساء اثنتين اثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا، والمراد جواز تزوج كل دفعة من هذه الدفعات في وقت من الأوقات، وليس في هذه تعرض لمقدار عددهن؛ بل يستفاد من الصيغ الكثرة من غير تعيين؛ كما قدمنا في مجيء القوم، وليس فيه أيضا دليل على أن الدفعة الثانية كانت بعد مفارقة الدفعة الأولى، ومن زعم أنه نقل إلينا أئمة اللغة والإعراب ما يخالف هذا؛ فهذا مقام الاستفادة منه، فليتفضل بها علينا، وابن عباس إن صح عنه في الآية أنه قصر الرجال على أربع؛ فهو فرد من أفراد الأمة.
وأما القعقعة بدعوى الإجماع من المصنف وأمثاله، فما أهونها وأيسر خطبها عند من لم تفزعه هذه الجلبة، وكيف يصح إجماع خالفته الظاهرية (1) ، وابن الصباغ، والعمراني، والقاسم بن إبراهيم نجم آل الرسول، وجماعة من
(1) • قلت: ويجاب عن هذا؛ بأن هذا الخلاف لا يعتد به؛ لأنه طرأ بعد الإجماع، فقد نقله - كما تقدم منا - عبيدة السلماني - وهو من كبار التابعين -؛ بل إنه أدرك عصر النبوة؛ فإنه أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، ولم يلقه، ولذلك قال الذهبي في " التذكرة " (1 / 47) :" كاد أن يكون صحابيا؛ أسلم زمن فتح مكة باليمن، وأخذ عنه علي، وابن مسعود، قال الشعبي: كان يوازي شريحا في القضاء ".
فمثل هذا الإمام إذا نقل إجماع أهل عصره - لا سيما وهم الصحابة، ومعرفة إجماعهم من المعاصر أيسر بكثير من معرفة إجماع غيرهم من معاصرهم لتفرقهم -؛ تطمئن النفس لصحته، ويؤيده أننا لم نعلم أن أحدا منهم - أعني: الصحابة - وغيرهم من السلف الصالح نقل تزوجه بأكثر من أربع؛ فتأمل. (ن)
الشيعة، وثلة من محققي المتأخرين، وخالفه أيضا القرآن الكريم كما بيناه، وخالفه أيضا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما صح تواترا من جمعه بين تسع أو أكثر في بعض الأوقات:{وما آتاكم الرسول فخذوه} ، {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ، {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} ؟ !
ودعوى الخصوصية مفتقرة إلى دليل، والبراءة الأصلية مستصحبة؛ لا ينقل عنها إلا ناقل صحيح تنقطع عنده المعاذير.
وأما حديث أمره صلى الله عليه وسلم لغيلان لما أسلم وتحته عشرة نسوة؛ بأن يختار منهن أربعا، ويفارق سائرهن؛ كما أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان؛ فهو وإن كان له طرق؛ فقد قال ابن عبد البر: كلها معلولة؛ وأعله غيره من الحفاظ بعلل أخرى.
ومثل هذا لا ينتهض للنقل عن الدليل القرآني، والفعل المصطفوي الذي مات صلى الله عليه وسلم عليه، والبراءة الأصلية.
ومن صحح لنا هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة، أو جاءنا بدليل في معناه؛ فجزاه الله خيرا؛ فليس بين أحد وبين الحق عداوة، وعلى العالم أن يوفي الاجتهاد حقه؛ لا سيما في مقامات التحرير والتقرير؛ كما نفعله في كثير من الأبحاث، وإذا حاك في صدره شيء؛ فليكن تورعه في العمل؛ لا في تقرير الصواب.
فإياك أن تحامي التصريح بالحق الذي تبلغ إليه ملكتك لقيل وقال، ولا
سيما في مثل مواطن تجبن عنها كثير من الرجال؛ فإنك لا تسأل يوم القيامة عن الذي ترتضيه منك العباد؛ بل عن الذي يرتضيه المعبود؛ و (إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل) ، و (من ورد البحر استقل السواقيا) ". انتهى.
واندفع بهذا ما في " المسوى " من قوله:
" قلت: اتفقت الأمة على أن الحر يجوز له أن ينكح أربع حرائر، ولا يجوز له أن ينكح أكثر من أربع.
قال الشافعي: انتهى الله - تعالى - بالحرائر إلى أربع؛ تحريما لأن يجمع أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع.
وأما العبد؛ فأكثر الأمة على أنه لا ينكح أكثر من امرأتين، وفي الآية ما يدل على أنها في الأحرار وهو قوله:{أو ما ملكت أيمانكم} ، وملك اليمين لا يكون إلا للأحرار ". انتهى.
وأما العدد الذي يحل للعبد؛ فقد حكى البيهقي، وابن أبي شيبة، أنه أجمع الصحابة على أنه لا ينكح العبد أكثر من اثنتين، وكذلك حكى إجماع الصحابة الشافعي.
وروى الدارقطني، عن عمر أنه قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلق تطليقتين.
وسيأتي ما ورد في طلاق الأمة والعدة - في باب العدة -، فمن قال بأن إجماع الصحابة حجة كفاه إجماعهم، ومن لم يقل بحجية إجماعهم؛ أجاز