الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وعلى هذا أهل العلم؛ أن الاستثناء إذا كان موصولا باليمين؛ فلا حنث عليه.
أقول: ثم اعلم أن اعتبار الأعراف في الأيمان لا بد منه؛ فإن الحالف عند حلفه من شيء - أو على شيء - لا يخطر بباله غير العرف الذي غلب عليه في محاوراته، فلو فرض أن عرفه فيما حلف عليه مخالف لاسمه اللغوي أو الشرعي؛ كان العرف مقدما:
أما إذا كان ممن لا يعرف الشرع أو اللغة فظاهر، وأما إذا كان ممن يعرفها فكذلك أيضا؛ لأن خطور المعنى العرفي أسبق من خطور غيره بالبال؛ إلا أن يقول: أردت ذلك؛ فإنه يقبل منه؛ إن كان لا يتعلق بالمعنى العرفي حق للغير.
(
[يكفر عن يمينه من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه] :)
(ومن حلف على شيء؛ فرأى غيره خيرا منه؛ فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه) ؛ لما ثبت في " الصحيحين "، وغيرهما من حديث عبد الرحمن ابن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا حلفت على يمين؛ فرأيت غيرها خيرا منها؛ فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك ".
وفي لفظ: " فكفر عن يمينك، ثم ائت الذي هو خير ".
وفي لفظ للنسائي، وأبي داود (1) :" فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير ".
(1) • في " سننه "(2 / 141) ، وكذا أحمد (5 / 63) ؛ من طريق جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سمرة
…
به.
وأخرجه أبو داود (2 / 77) ، ومن طريق البيهقي (10 / 73) ؛ عن قتادة، عن الحسن
…
به،
وأخرج مسلم، وغيره من حديث عدي بن حاتم، ومن حديث أبي هريرة نحوه.
وفي " الصحيحين " من حديث أبي موسى: " لا أحلف على يمين؛ فأرى غيرها خيرا منها؛ إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني ".
وفي الباب أحاديث.
قلت: قال الله - تعالى -: {واحفظوا أيمانكم} ، واختلفوا في وجه الجمع بينه وبين حديث أبي هريرة:
فقال أبو حنيفة: قوله - تعالى - مخصوص بما إذا كان المحلوف عليه معصية؛ إذ من المعلوم أن الله - تعالى - لا يأمر بمعصية؛ فمن حلف على معصية - كترك الكلام مع أبيه -؛ حنث وكفّر.
وهذا سند صحيح.
وقد أخرجه أبو عوانة في " صحيحه "، كأبي داود - كما في " الفتح "(11 / 515) -.
وله شاهد من حديث عائشة مرفوعا؛ أخرجه الحاكم (4 / 301)، وقال:" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي؛ وإنما هو على شرط البخاري وحده؛ لأن أبا الأشعث - واسمه أحمد بن المقدام -، وشيخه محمد بن عبد الرحمن الطفاوي؛ لم يخرج لهما مسلم شيئا.
وله شاهد آخر عن أم سلمة، أخرجه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات؛ إلا أن عبد الله بن حسن لم يسمع من أم سلمة، كما في " المجمع "(4 / 185) .
وهذه الطرق تدفع احتمال خطأ هذه الرواية.
وقد قال الحافظ في " بلوغ المرام ": " إن إسناد أبي داود والنسائي صحيح ".
وفيها رد على أبي حنيفة ومن تابعه؛ فإنهم قالوا: لا تجزئ الكفارة قبل الحنث، والحديث يدل على استحباب تقديمها؛ إن لم يدل على الوجوب.
وقد ذهب إلى خلاف قول أبي حنيفة؛ الجمهور؛ ومعهم قول أربعة عشر صحابيا، كما في " الفتح "(11 / 514) ، وانظر " نيل الأوطار "(8 / 199) . (ن)