الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[هل الخلع فسخ أم طلاق] :)
(وهو فسخ) ؛ وليس بطلاق؛ ولكن قال الماتن رحمه الله في " حاشية الشفاء " بخلاف ما قال ههنا، ورجح أن الخلع طلاق وليس بفسخ، وقال:
" هذا هو الحق؛ لأن الله سبحانه ذكر أحكام الخلع بعد قوله: {الطلاق مرتان} ، والضمائر من آيات الاختلاع راجعة إلى ذلك؛ كقوله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} ، وقوله: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} (1) ، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم طلاقا؛ كما في " صحيح البخاري " وغيره؛ فإنه قال لثابت بن قيس: " اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة (2) ".
ولا يعارضه ما روي في " سنن النسائي ": أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد بحيضة، وكذلك في " سنن أبي داود ":
لأنه لا ملازمة بين الاعتداد بحيضة وبين الفسخ؛ بل إذا ورد في بعض المطلقات ما يدل على مخالفة عدتها لعدة سائر المطلقات المصرح بها في القرآن؛ كان ذلك مخصصا لعموم العدة، وقد أطال ابن القيم الكلام على ذلك، ورجح أن الخلع فسخ، ولم يأت ببرهان يشفي سوى ما ذكرنا من أمره صلى الله عليه وسلم لها أن تعتد بحيضة، وهو في غير محل النزاع كما عرفت ". انتهى.
(1) • قلت: يرد عليه ما سيأتي - بعد -.
والحق أنه فسخ؛ كما بينه شيخ الإسلام، واحتج له في " الفتاوى "(3 / 31، 35، 38) . (ن)
(2)
• قد أثبت الشوكاني في " النيل "(6 / 212) أن هذه اللفظة شاذة، والصواب:" وخل سبيلها "؛ كما روته صاحبة القصة نفسها وغيرها. (ن)
ثم رجح في فتاواه المسماة ب " الفتح الرباني " كون الخلع فسخا وقال: " الظاهر أنه فسخ لا طلاق ".
وهو قول جماعة من العلماء منهم ابن عباس؛ رواه عنه ابن عبد البر في " التمهيد "، وكذلك رواه عن أحمد، وإسحاق، وداود، وهو قول الصادق والباقر، وأحد قولي الشافعي، ومن قال بذلك لم يشترط فيه أن يكون للسنة، وأجازه في الحيض وأوقعه، وإن كان لا يرى وقوع الطلاق البدعي.
واحتجوا لذلك بقول الله - تعالى -: {الطلاق مرتان} ، ثم ذكر الافتداء، ثم عقبه بقوله:{فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} ، فلو كان الافتداء طلاقا؛ لكان الطلاق الذي لا تحل له إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع، وبحديث الربيع: أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمرت - أن تعتد بحيضة؛ أخرجه الترمذي (1) ، وبحديث ابن عباس الآتي في قصة امرأة ثابت بن قيس.
قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير: بحثت عن رجال الحديثين معا؛ فوجدتهم ثقات.
ولحديث رواه مالك، عن حبيبة بنت سهل الأنصاري: أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! كل ما أعطاني عندي،
(1) • في " السنن "(2 / 216) ، وكذا " البيهقي "(7 / 450) ؛ من طريق سليمان بن يسار عنها؛ وإسناده صحيح على شرط مسلم. وضعفه البيهقي بدون حجة.
وله طريق أخرى عند النسائي صحيحة أيضا؛ راجعها في " النيل "(6 / 210) . (ن)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت: " خذ منها "؛ فأخذ وجلست في أهلها.
قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في هذا الحديث، وهو حديث مسند صحيح، ووجه دلالته أنه لم يذكر فيه طلاقا، ولا زاد على الفرقة، ويدل على ذلك من النظر: أنه لا يصح أن يجعله طلاقا بائنا ولا رجعيا:
أما الأول؛ فلأنه خلاف الظاهر؛ لأنها تطليقة واحدة.
وأما الثاني؛ فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة.
ولا يرد على هذا - أعني: الاكتفاء في العدة بحيضة - قول الله - تعالى -: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ؛ لأن الخلع عندهم فسخ لا طلاق، فلا يندرج تحت عمومه (1) ؛ فالآية في الطلاق الرجعي بدليل آخرها، وهو قوله - تعالى -:{وبعولتهن أحق بردهن} (1) ، فالآية عامة وأدلتنا خاصة.
وذهب الجمهور إلى أنه طلاق؛ مستدلين بحديث ابن عباس عند البخاري، وأبي داود بلفظ:" طلقها تطليقة ".
قلنا: ثبت من حديث المرأة نفسها عند " الموطإ "، وأبي داود، والنسائي بلفظ:" وخل سبيلها "، وعند أبي داود، من حديث عائشة بلفظ:[" وفارقها "] ؛ (2) وصاحب القصة أخص بها.
قال ابن القيم رحمه الله: " لا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة ".
(1) كان في الأصل في كلمة (سلمنا) ؛ ولعلها مقحمة؛ فاقتضى التنبيه!
(2)
• زيادة لا بد منها. (ن)
وقال الخطابي في " معالم السنن ": " إنه احتج ابن عباس على أنه ليس بطلاق بقوله - تعالى -: {الطلاق مرتان} ". انتهى.
ومخالفة الراوي لما روى دليل على علمه بناسخ لوجوب حمله على السلامة.
قال الترمذي: " قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إن عدة المختلعة عدة الطلاق ".
قلت: قد عرفت أن ابن القيم قال: " إنه لم يصح عن صحابي "، وعرفت الأدلة الدالة على أن العدة بحيضة، ولا حجة في أحد غير الشارع.
قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير: " وقد استدل الزيدية في أنه طلاق بثلاثة أحاديث "، وأجاب عنها بوجوه؛ حاصلها: أنها مقطوعة الأسانيد، وأنها معارضة بما هو أرجح، وأن أهل الصحاح لم يذكروها.
واختلف العلماء أيضا في شروط الخلع، فالزيدية جعلوا منها النشوز، وهو قول داود الظاهري، والجمهور على أنه ليس بشرط، وهو الحق؛ لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها، ولذلك لم تحل فيه الرجعة على القول بأنه طلاق.
قال العلامة ابن الوزير: " ثم تأملت؛ فإذا الأمر المشترط فيه خوف أن لا يقيما حدود الله هو طيب المال للزوج لا الخلع؛ لقوله - تعالى -: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ، ولم يقل: في الخلع، يوضحه أنه لو ضارها حرم عليه؛ لقوله - تعالى -: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} ". انتهى.
ثم قال في " السيل الجرار " بعد ذكر أدلة الفريقين الدالة على أن الخلع