الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4 -
باب الظهار)
(
[تعريف الظهار وبيان كفارته] :)
(وهو قول الزوج لامرأته: أنت علي كظهر أمي؛ أو ظاهرتك؛ أو نحو ذلك، فيجب عليه قبل أن يمسها أن يكفر بعتق رقبة، فإن لم يجد فليطعم ستين مسكينا، فإن لم يجد فليصم شهرين متتابعين) ، وإنما جعلت كفارة هذه؛ لأن من مقاصد الكفارة أن يكون بين عيني المكلف ما يكبحه عن الاقتحام في الفعل خشية أن يلزمه ذلك، ولا يمكن ذلك إلا بكونها طاعة شاقة تغلب على النفس؛ إما من جهة كونها بذل ما تشح به؛ أو من جهة مقاساة جوع أو عطش مفرطين.
والدليل على ما اشتمل عليه هذا الباب - من التكفير على هذا الترتيب -: ما في القرآن الكريم: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم} .
وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سلمة بن صخر لما ظاهر من امرأته، ثم وطئها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أعتق رقبة "،
فقال: لا والذي بعثك بالحق؛ ما أصبحت أملك غيرها - وضرب صفحة رقبته -، قال:" فصم شهرين متتابعين "، قال: قلت: يا رسول الله {وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم؟} قال: " فتصدق "، قال: والذي بعثك بالحق؛ لقد بتنا ليلتنا ما لنا عشاء؛ قال: " اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فقل له فليدفعها إليك، فأطعم منها - وسقا من تمر - ستين مسكينا، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك ".
أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي - وحسنه -، والحاكم - وصححه -، وابن خزيمة وابن الجارود.
وفي لفظ لأبي داود: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كله أنت وأهلك ".
وأخرج نحوه أهل " السنن " - وصححه الترمذي - من حديث ابن عباس، وصححه أيضا الحاكم.
قال ابن حجر: رجاله ثقات؛ لكن أعله أبو حاتم، والنسائي بالإرسال.
وقال ابن حزم: رواته ثقات؛ ولا يضره إرسال من أرسله.
وللحديثين شواهد.
وأخرج نحوه أبو داود، وأحمد، من حديث خولة بنت مالك بن ثعلبة. وأخرج ابن ماجه نحوه من حديث عائشة.
وأخرجه الحاكم أيضا.
وقد قام الإجماع على أن الكفارة تجب بعد العود؛ لقوله - تعالى -: {ثم يعودون لما قالوا} ، واختلف أهل العلم؛ هل العلة في وجوبها؛ العود أو الظهار؟ واختلفوا أيضا هل المحرم الوطء فقط أم هو مع مقدماته؟
فذهب الجمهور إلى الثاني؛ لقوله - تعالى -: {من قبل أن يتماسا} ، وذهب البعض إلى الأول؛ قالوا: لأن المسيس كناية عن الجماع (1) .
واختلفوا في العود ما هو؟
فقال قتادة، وسعيد بن جبير، وأبو حنيفة، وأصحابه: إنه إرادة المسيس لما حرم بالظهار؛ لأنه إذا أراد فقد عاد من عزم الترك إلى عزم الفعل؛ سواء فعل أم لا.
وقال الشافعي: بل هو إمساكها بعد الظهار وقتا يسع الطلاق ولم
(1) • قلت: وهذا هو الأظهر بالنسبة للأسلوب القرآني؛ فإن (المس) ذكر فيه في غير ما آية، وأريد به الجماع فقط، فكذلك الأمر هنا، لكن هذا لا يمنع من القول بمنع المظاهر من مقدمات الوطء؛ من قبيل سد الذرائع.
فإن قيل: هذا ينفي ما ثبت من تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وهو صائم، وحاله حال المظاهر؛ من حيث وجوب الامتناع من الجماع ومقدماته؟
قلت: الجواب من وجهين:
الأول: أن الصائم ورد فيه النص في المقدمات؛ ففارق المظاهر، " وإذا جاء نهر الله؛ بطل نهر معقل " {
الأمر الثاني: أن لا يستوي الصائم مع المظاهر؛ لاختلاف مدة الامتناع من الاتصال بالنسبة لكل منهما؛ فالصائم يستطيع أن يملك نفسه، ولو باشر المقدمة حتى المساء؛ بخلاف المظاهر؛ فتأمل}
ثم بالنسبة للاختلاف الذي قبل هذا؛ فالأرجح أن العلة هي الظهار والعود معا، فإذا لم يعد لطلاق أو غيره؛ فلا كفارة، والله أعلم. (ن)