الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إلا أن يحل حراما أو يحرم حلالا) ؛ فلا يحل الوفاء به؛ كما ورد بذلك الدليل؛ وقد ثبت النهي عن اشتراط أمور؛ كحديث أبي هريرة في " الصحيحين "، وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، أو يبيع على بيعة أخيه، " ولا تسأل المرأة طلاق أختها؛ لتكتفىء ما في صحفتها أو إنائها؛ فإنما رزقها على الله ".
وأخرج أحمد؛ من حديث عبد الله بن عمر (1)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا يحل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى ".
(4 -
[نكاح الزانية أو المشركة حرام والعكس] :)
(ويحرم على الرجل أن ينكح زانية أو مشركة) ؛ لقوله - تعالى -: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} (2) .
(1) • كذا بدون الواو، وفي " المنتقى "(6 / 122 - بشرح " النيل ") ؛ بإثبات الواو وفتح العين، وهو الصواب؛ فإن أحمد أخرج الحديث في " مسند ابن عمرو "(رقم 6647)، وقال المعلق عليه - أحمد شاكر -:" إسناده صحيح "! مع أن فيه عبد الله بن لهيعة، وهو سيىء الحفظ. (ن)
قلت: ولعل ما قبله يشهد له بالجملة.
(2)
• ومعنى الآية؛ أن الزاني المعروف بالزنى لا ترتضيه زوجا لها إلا زانية أو مشركة في نظر الشرع، وكذلك القول في الزانية، وبيان ذلك ما في " إغاثة اللهفان " (1 / 66) :
" أن المتزوج أمر أن يتزوج المحصنة العفيفة، وإنما أبيح له نكاح المرأة بهذا الشرط، والحكم المعلق على الشرط ينتفي عند انتفائه؛ والإباحة قد علقت على شرط الإحصان، فإذا انتفى الإحصان؛ انتفت الإباحة المشروطة، فالمتزوج إما أن يلتزم حكم الله وشرعه، أو لا يلزم، فإن لم يلزمه؛ فهو مشرك لا يرضى بنكاحه إلا من هو مشرك مثله، وإن التزمه وخالفه ونكح ما حرم عليه؛ لم يصح النكاح؛ فيكون زانيا ". (ن)
ولما أخرجه أحمد بإسناد - رجاله ثقات (1) -، والطبراني في " الكبير "، و " الأوسط " من حديث عبد الله بن عمرو: أن رجلا من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة - يقال لها: أم مهزول - كانت تسافح، وتشترط له أن تنفق عليه، فقرأ عليه صلى الله عليه وسلم: " {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} .
وأخرج أبو داود، والنسائي، والترمذي - وحسنه (2) - من حديث ابن عمر: أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي - يقال لها: عناق -، وكانت صديقته، قال: فجئت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! أنكح عناقا؟ قال: فسكت عني، فنزلت الآية:{والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} ، فدعاني فقرأها علي، وقال:" لا تنكحها ".
وأخرج أحمد، وأبو داود (3) بإسناد (4) رجاله ثقات، من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله ".
قال ابن القيم:
(1) • كذا قال الهيثمي (7 / 73 - 74) ؛ وفيه نظر؛ فإنه في " المسند "(رقم 6480، 7099) : عن سليمان التيمي: ثنا الحضرمي، عن القاسم بن محمد، عنه.
والحضرمي هذا مجهول، وليس هو الحضرمي بن لاحق؛ وهذا ثقة؛ والظاهر أنه لم يفرق بينهما، وقد فرق البخاري وغيره؛ فراجع التعليق على " المسند ". (ن)
(2)
• وهو كما قال. (ن)
(3)
• والحاكم. (ن)
(4)
• صحيح. (ن)
" أخذ بهذه الفتاوى التي لا معارض لها: الإمام أحمد ومن وافقه، وهي من محاسن مذهبه؛ فإنه لم يجوز أن ينكح الرجل زوجا تحبه، ويعضد مذهبه بضعة وعشرون دليلا، قد ذكرناها في موضع آخر ". انتهى.
وأخرج ابن ماجه، والترمذي - وصححه - من حديث عمرو بن الأحوص: أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه وذكر، ووعظ، ثم قال:
" استوصوا في النساء خيرا؛ فإنما هن عندكم عوان، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك؛ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ".
وأخرج أبو داود، والنسائي، من حديث ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامس؟ قال: " غربها "، قال: أخاف أن تتبعها نفسي؟ قال: " فاستمتع بها ".
قال المنذري: ورجال إسناده محتج بهم في " الصحيحين ".
قال ابن القيم:
" عورض - بهذا الحديث المتشابه - الأحاديث المحكمة الصريحة في المنع من تزوج (1) البغايا، واختلفت مسالك المحرمين لذلك فيه:
فقالت طائفة: المراد باللامس: ملتمس الصدقة، لا ملتمس الفاحشة.
(1) في الأصل: " تجويز "، وهو خطأ. (ش)
وقالت طائفة: بل هذا في الدوام غير مؤثر، وإنما المانع ورود العقد على الزانية؛ فهذا هو الحرام.
وقالت طائفة: بل هذا من التزام أخف المفسدتين لدفع أعلاهما؛ فإنه لما أمر بمفارقتها خاف أن لا يصبر عنها فيواقعها حراما، فأمره حينئذ بإمساكها؛ إذ مواقعتها بعقد النكاح أقل فسادا من مواقعتها بالسفاح.
وقالت طائفة: بل الحديث ضعيف لا يثبت (1) .
وقالت طائفة: ليس في الحديث ما يدل على أنها زانية، وإنما فيه أنها لا تمنع من يمسها، أو يضع يده عليها، أو نحو ذلك، فهي تعطي الليان لذلك، ولا يلزم أن تعطيه الفاحشة الكبرى، ولكن هذا لا يؤمن معه إجابتها الداعي إلى الفاحشة، فأمره بفراقها تركا لما يريبه إلى ما لا يريبه؛ فلما أخبره بأن نفسه تتبعها وأنه لا صبر له عنها؛ رأى مصلحة إمساكها أرجح المسالك.
(1) • والحق أنه حديث صحيح ثابت؛ فإن له طريقين:
أحدهما صحيح عن ابن عباس؛ أخرجه النسائي (2 / 72) ؛ من طريق حماد بن سلمة، وغيره، عن هارون بن رئاب، عن عبد الله بن عبيد بن عمير. وعبد الكريم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن عباس - عبد الكريم يرفعه إلى ابن عباس، وهارون لم يرفعه -
…
فذكر الحديث، ثم قال النسائي:" ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارون بن رئاب أثبت منه؛ وقد أرسل الحديث، وهارون ثقة، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم ".
قلت: هذا تعليل ماش على القواعد، لكن لا يلزم من ضعف هذا الطريق أن يكون الحديث في نفسه ضعيفا؛ لاحتمال أن يكون له طريق أخرى، والواقع كذلك.
فقد أخرجه أبو داود (1 / 320) ؛ من طريق عكرمة، عن ابن عباس؛ وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح.
وله شاهد من حديث جابر؛ أخرجه الطبراني في " الأوسط " بإسناد؛ قال الهيثمي (4 / 335) : " رجاله رجال الصحيح ". (ن)
والله - تعالى - أعلم ". انتهى.
وفي " المسوى ":
" أقول: الظاهر عندي أن مبنى اختلافهم هذا اختلافهم في مرجع {ذلك} في قوله: {حرم ذلك} ؛ فقال أحمد: مرجعه نكاح الزانية والمشركة، وقال غيره: مرجعه الزنا والشرك، والمراد على هذا: أن العادة قاضية بأن الزانية لا يرغب فيها إلا زان أو مشرك، والزنا والشرك حرام على المؤمنين، فنكاحها لا يليق بحال المؤمنين. ولا يقولون: إن الحديث ناسخ؛ بل يقولون: إنه مبين لتأويل الآية، ومع ذلك فلا يخلو عن بعد ".
في " الكافي في مذهب أحمد ": " الزانية يحرم نكاحها كالمعتدة ".
وأما غير أحمد فقولهم؛ جواز نكاح الفاجرة؛ وإن كان الاختيار غير ذلك؛ لحديث: " لا ترد يد لامس ".
قال الواحدي؛ عن أبي عبيد: مذهب مجاهد: أن التحريم لم يكن إلا على جماعة خاصة من فقراء المهاجرين؛ أرادوا نكاح البغايا لينفقن عليهم، ومذهب سعيد: أن التحريم كان عاما ثم نسخته الرخصة؛ وأورد أبو عبيد على هذا الحديث أنه خلاف الكتاب والسنة المشهورة؛ لأن الله - تعالى - إنما أذن في نكاح المحصنات خاصة، ثم أنزل في القاذف آية اللعان، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفريق بينهما، فلا يجتمعان أبدا، فكيف يأمر بالإقامة على عاهرة لا تمتنع ممن أرادها؟ !
والحديث مرسل، فإن ثبت؛ فتأويله أن الرجل وصف امرأته بالخرق
وضعف الرأي، وتضييع ماله؛ فهي لا تمنعه من طالب، ولا تحفظه من سارق، وهذا أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأحرى بحديثه.
أقول: في الاستدلال بحديث: " لا ترد يد لامس " نظر من وجهين:
أحدهما: أن هذا ليس رميا لها بالزنا البتة؛ بل رمي بقلة الاحتياط في أمر الملامسة، فيحتمل حينئذ أن لا تتورع من اللمس الحرام، وتتورع من حقيقة الزنا المفضي إلى الحد، والمقتضي للحبل الموجب للفضيحة الشديدة، وكم من امرأة لا تتورع من النظر واللمس المحرمين، وتتورع من موجب الحد وسبب الحبل خوفا من الفضيحة، فلما لم يصرح بالزنا؛ لم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم عليه الفراق (1) .
وثانيهما: أن حالة الابتداء تفارق حالة البقاء في أكثر المسائل، كالمحرم لا يبتدىء بالنكاح في حالة إحرامه، ولا يضره البقاء، فإذا جوز النبي صلى الله عليه وسلم إمساكها في حالة بقاء النكاح؛ من أين لكم أنه يجوز ابتداء النكاح؟ ! ". انتهى.
(والعكس) ؛ وإنما قال ب (العكس) ؛ لأن هذا الحكم لا يختص بالرجل دون المرأة؛ كما تفيد ذلك الآية الكريمة: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} .
أقول: هذا هو الظاهر من الآية الكريمة، ودعوى أن سبب نزول الآية فيمن سأله صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن ينكح عناقا - وكانت مشركة -: مدفوعة بأن
(1) هذا هو الوجه الصحيح في فهم الحديث؛ وما عداه غير قوي. (ش)