الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد زعم الجلال في " ضوء النهار " أن من زعم أن حجه صلى الله عليه وسلم مجمل بين بفعله فقد أسرف في الجهل، قال:" لأن اسم الحج ومسماه ظاهران "، ثم قال:" إن تلك التي فعلها صلى الله عليه وسلم إنما هي أفعال، وهي لا تدل على الوجوب، حتى يعلم أنه فعلها على وجه الوجوب، وإلا فالظاهر القربة فقط، وهي لا تستلزم الوجوب ولا الشرطية ". انتهى.
ولعله لم يخطر بباله - حال تحرير هذا البحث - حديث: " خذوا عني مناسككم "، وهو حديث صحيح في " مسلم " وغيره، ولا ريب أنه يفيد وجوب مناسك الحج كما قدمنا.
(
[دليل وجوب الحج على المكلف المستطيع فورا] :)
(يجب على كل مكلف مستطيع) : لنص الكتاب العزيز: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ؛ وعليه إجماع الأمة؛ قالوا: الحج فريضة محكمة يكفر جاحدها، وقالوا: الحر المكلف القادر، إذا وجد الزاد والراحلة وأمن الطريق؛ يلزمه الحج؛ كذا في " المسوى ".
أقول: حديث تفسيره صلى الله عليه وسلم للسبيل بالزاد والراحلة فيه مقال، ولكنه قد روي من طريق جماعة من الصحابة، وفي جميع الطرق علل، لا تمنع تقوية بعضها لبعض، ويشد من عضدها حديث:" من وجد زادا وراحلة "؛ وهو مروي من طريق ثلاثة من الصحابة، وفي جميعها مقال.
فالحاصل: أن مجموع ما ورد في تفسير السبيل بالزاد والراحلة، وترتيب الوجوب عليها؛ ينتهض للاحتجاج به على ذلك، فلا وجوب على من لم يجد الراحلة، كما أنه لا وجوب على من لم يجد الزاد، ولا وجه لقصر
السبيل على الزاد والراحلة، بل السلامة من المرض والأمن هما من السبيل، وكذلك المحرم للمرأة؛ لدلالة الدليل على ذلك.
ثم التحقيق: أن الشروط تنقسم إلى قسمين: شرط يتعلق بالفاعل، وشرط يتعلق بالفعل:
فالأول: يتوقف عليه تعلق الخطاب به.
والثاني: يتوقف عليه كونه مطلوبا من فاعله.
والأول - أيضا - هو الذي يقال له: شرط الإيجاب، وشرط الطلب.
والثاني: هو الذي يقال له: شرط الواجب، وشرط المطلوب.
وإيضاح هذا: أن التكليف والإسلام والحرية؛ شروط متعلقة بالفاعل، والزاد، والراحلة، والأمن، والمحرم؛ شروط متعلقة بالفعل، فجعل بعض شروط الفعل للوجوب، وبعضها للأداء؛ غير موافق لعقل ولا نقل، وأنت خبير بأن المرأة منهية عن السفر بدون محرم، كما ثبت النهي عن ذلك في " الصحيح "، ولم يثبت النهي عن الحج لمن لم يجد الراحلة مثلا، بل كان الإيجاب متعلقا بوجودها، وهذا يقتضي أن تحصيل المحرم أهم من تحصيل الراحلة؛ لأن السفر بدون محرم حرام، كما يقتضيه النهي بحقيقته، وكما يقتضيه لفظ:" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام - أو يوما، أو ليلة، أو بريدا - بدون محرم "؛ على اختلاف الروايات.
ولم يرد ما يدل على تحريم السفر بدون الراحلة، فإيجاب الوصية بالحج على من ماتت ولها زاد وراحلة وليس لها محرم، دون من ماتت ولها زاد
ومحرم وليس لها راحلة: ليس بمناسب؛ فإن فاقدة المحرم لم تستطع إلى الحج سبيلا؛ كفاقدة الراحلة وزيادة.
ومعنى كون الشيء شرطا لتأدية شيء آخر: أن التأدية بدونه لا تصح، وهذا يعود إلى شرط الصحة، وهم لا يريدون هذا، بل معنى شرط الأداء عندهم: أن يكون المكلف قد كملت له شروط الصحة والوجوب، ولم يبق إلا التأدية؛ وهي مشروطة بشرط، وهذا اصطلاح قليل الثمرة، غاية ما فيه؛ أن من مات وقد كملت له شروط الصحة والوجوب، ولم يبق إلا شرط الأداء؛ وجب عليه الإيصاء بالحج، وقد تقدم ما هو الحق في ذلك.
(فوراً) : لحديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" تعجلوا إلى الحج؛ فإن أحدكم ما يدري ما يعرض له "؛ أخرجه أحمد.
وأخرج أحمد - أيضا -، وابن ماجه من حديث ابن عباس، عن الفضل - أو أحدهما عن الآخر - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد الحج فليتعجل؛ فإنه قد يمرض المريض، وتضل الراحلة، وتعرض الحاجة "؛ وفي إسناده إسماعيل بن خليفة العبسي أبو إسرائيل، وهو صدوق ضعيف الحفظ.
وأخرج أحمد، وأبو يعلى، وسعيد بن منصور، والبيهقي من حديث أبي أمامة مرفوعا:" من لم يحبسه مرض، أو حاجة ظاهرة، أو مشقة ظاهرة، أو سلطان جائر، فلم يحج؛ فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا "؛ وفي إسناده ليث بن أبي سليم، وشريك، وفيهما ضعف.
وأخرجه الترمذي من حديث علي مرفوعا: " من ملك زادا وراحلة تبلغه
إلى بيت الله ولم يحج؛ فلا عليه أن يموت نصرانيا، أو يهوديا؛ وذلك لأن الله - تعالى - قال في كتابه:{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ".
قال الترمذي: غريب، وفي إسناده مقال والحديث يضعف، وهلال بن عبد الله الراوي له عن أبي إسحاق مجهول.
وقال العقيلي: لا يتابع عليه.
وقد روي من طريق ثالثة من حديث أبي هريرة عند ابن عدي بنحوه.
وروى سعيد بن منصور في " سننه " عن الحسن، قال: قال عمر بن الخطاب: لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية؛ ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين؛ وأخرجه أيضا البيهقي.
وقد ذهب إلى القول بالفور: مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وبعض أصحاب الشافعي.
وقال الشافعي، والأوزاعي، وأبو يوسف، ومحمد: إنه على التراخي.
قال في " حجة الله البالغة " - تحت قوله صلى الله عليه وسلم: " من ملك زادا وراحلة
…
" الخ -:
" أقول: ترك ركن من أركان الإسلام يشبه بالخروج عن الملة، وإنما شبه تارك الحج باليهودي والنصراني، وتارك الصلاة بالمشرك؛ لأن اليهود والنصارى يصلون ولا يحجون، ومشركو العرب يحجون ولا يصلون.