الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبو حنيفة إلى ما حسنه مالك.
أقول: الأولى أن يقال: إن اللغو لما وقعت في كتاب الله عز وجل مقابلة للمعقودة - وقد تقرر أن تعقيد اليمين قصدها، والمراد عقد القلب بها؛ كما صرح به صاحب " الكشاف " -؛ فاللغو: هي ما لم يقصد؛ كقول الرجل: لا والله، وبلى والله؛ في محاوراته من غير قصد لليمين؛ سواء كان في حال اليمين أم لا.
فلو لم يرد في اللغو إلا وقوعها في القرآن مقابلة للمعقودة؛ لكان القول بأنها ما ذكرناه متعينا، فكيف وقد فسرت عائشة اللغو المذكورة في القرآن بما قلنا؟ !
(
[من حق المسلم على المسلم إبرار قسمه] :)
(ومن حق المسلم على المسلم إبرار قسمه) : لما ثبت في " الصحيحين " من أمره صلى الله عليه وسلم بذلك؛ كما في حديث البراء (1) ، وغيره.
وأخرج أحمد من حديث أبي الزاهرية، عن عائشة: أن امرأة أهدت إليها تمرا، فأكلت بعضه، وبقي بعضه، فقالت: أقسمت عليك؛ إلا أكلت بقيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أبريها؛ فإن الإثم على المحنث "؛ ورجاله رجال الصحيح (2) .
(
[بيان كفارة اليمين في كتاب الله] :)
(وكفارة اليمين هي ما ذكره الله في كتابه العزيز) ؛ وهو قوله - تعالى -: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك
(1) • قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبرار المقسم؛ أخرجه البخاري (11 / 459) . (ن)
(2)
قاله الهيثمي في " المجمع "(4 / 182 - 183) ؛ وإسناده حسن.
كفارة أيمانكم إذا حلفتم} .
قلت: ذهب ابن عمر إلى أن {أو} ههنا للتقسيم؛ لا للتخيير، وتعقبه عامة أهل العلم بالقياس الجلي على فدية الحلق في الإحرام، فقالوا: يتخير الرجل بين: أن يطعم عشرة من المساكين، أو يكسوهم، أو يعتق رقبة؛ فإن عجز عنها صام ثلاثة أيام.
وأما قدر الإطعام والكسوة؛ فكان ابن عمر يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين؛ لكل مسكين مد من حنطة - مختصر (1) -.
وقال سليمان بن يسار: أدركت الناس وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين؛ أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر، ورأوا ذلك مجزئا عنهم.
قال مالك: " أحسن ما سمعت في الذي يكفر عن يمينه بالكسوة: أنه إن كسا الرجال كساهم ثوبا ثوبا، وإن كسا النساء كساهن ثوبين ثوبين، درعا وخمارا، وذلك أدنى ما يجزئ كلا في صلاته ".
قلت: على هذا الشافعي في الإطعام، وقال في الكسوة أولا مثل ما قال مالك، ثم رجع، وقال:" إن اختار الكسوة؛ فعليه لكل مسكين ثوب واحد من قميص، أو سراويل، أو مقنعة، أو إزار؛ يصلح لكبير أو صغير؛ لصحة إطلاق الكسوة على كل ذلك سواء ".
وقال أبو حنيفة: " الإعتاق والإطعام كما مر في الظهار، وأما الكسوة؛ فلكل واحد ثوب يستر عامة بدنه؛ فلا يجوز السراويل والإزار، ونحوهما ".
(1) أي: الأثر مختصر؛ وانظر " المسوى بشرح الموطأ "(2 / 409)
قال مالك: " فأما التوكيد؛ فهو حلف الإنسان في الشيء الواحد، يردد فيه الأيمان يمينا بعد يمين؛ كقوله: والله لا أنقصه من كذا وكذا؛ يحلف بذلك مرارا ثلاثا، أو أكثر من ذلك، قال: فكفارة ذلك واحدة مثل كفارة اليمين ".
أقول: الذي في القرآن الكريم؛ إطعام عشرة مساكين، ومعناه الحقيقي أن يجعل لهم طعاما يأكلونه مرة واحدة؛ من غير تقدير بمقدار معين، ولا على صفة معينة؛ من اجتماعهم، أو كونه في وقت مخصوص؛ بل ما يصدق عليه مسمى إطعام العشرة - لغة -.
ولا ريب أنه يقال لمن أطعم عشرة - ليلا أو نهارا، مجتمعين أو مفترقين -: إنه مطعم لذلك القدر.
فما وقع الجزم به من اعتبار إطعام العشرة مرتين؛ لا وجه له.
وأما الظن من حديث كفارة الظهار (1) فغير ظاهر؛ فإنه وقع الاختلاف الطويل العريض في مقدار العرق (2) من التمر، أو المكتل، وهل الإعانة منه صلى الله عليه وسلم فقط؟ أو منه ومن المرأة؟
(1) • يعني: حديث المجامع في رمضان، المتقدم في الكتاب؛ وفيه ذكر الكفارة؛ وهي مثل كفارة الظهار، ولذلك سماه المؤلف:" حديث كفارة الظهار ".
أو أنه اشار إلى ما في بعض طرق الحديث أنه ظاهر من امرأته في رمضان، وأنه وطئها، فأمره صلى الله عليه وسلم بالكفارة.
لكن الحافظ استظهر أنهما قصتان؛ فراجع " فتح الباري "(4 / 132) . (ن)
(2)
• بفتحتين، وهو المكتل؛ كما فسر في نفس الحديث. (ن)
ثم هو مهجور الظاهر؛ فإنه أمر أوس بن الصامت أن ينفقه على نفسه؛ كما ثبت في " الصحيح "(1) .
[انتهى المجلد الثاني من كتاب " التعليقات الرضية على الروضة الندية "، ويتلوه: المجلد الثالث - منه -، وأوله: 12 - كتاب النذر]
(1) • ليس في " الصحيح " تسميته الرجل؛ وإنما وقعت تسميته ب " سلمة - أو سليمان - بن صخر " في قصة المظاهر في رمضان؛ وقد سبقت الإشارة إلى أنها قصة أخرى، غير قصة المجامع في رمضان؛ وتلك أخرجها ابن أبي شيبة؛ كما في " الفتح ". (ن)