الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسبب تلك العيوب بواجب لها عليه، ثم التضرر بترك النفقة وتوابعها لا يعادله شيء، وإذا كان العيب في الزوجة؛ كالجنون والجذام، والبرص؛ فقد فات الزوج شيء واجب له؛ لكن قد جعل الله بيده الطلاق.
ثم قد ورد في خصوص الفسخ بعدم النفقة ما قدمنا ذكره.
(
[الثانية: التطليق لغيبة الزوج] :)
وأما التفريق بين المفقود وبين امرأته؛ فأقول: قد تشعبت المذاهب في هذه المسألة إلى شعب ليس عليها أثارة من علم؛ لا سيما التحديدات بمقادير معلومة من الأوقات؛ منها ما هو رجوع إلى مذاهب الطبائعية؛ كقول من قال: إنه يُنتظر المفقود حتى يمضي له من يوم ولادته مئة وعشرون سنة؛ فإن هذا هو عين مذهب جماعة من الطبائعية، قالوا: أكثر ما يعيش الإنسان مئة وعشرون سنة؛ لأن كل طبيعة من الطبائع الأربع؛ إذا لم يعرض لها ما يفسدها تغلب على الإنسان ثلاثين سنة، فتحصل من مجموع الأربع الطبائع مئة وعشرون سنة، وهذا مذهب كفري، وكلام بمعزل عن الشريعة (1) .
قال الماتن في " حاشية الشفاء ":
" وقد رأينا في عمرنا من عاش مئة وسبعا وعشرين سنة ونصف سنة، ورأيناه وهو في هذا السن في كمال من حواسه وجوارحه، بحيث إنه لم يفقد
(1) لا نرى في هذا شيئا من الكفر؛ فإذا صح أن أحدا قال بهذا؛ فإنما يرجع فيه إلى سنة الله في خلقه، ويريد به أن الغالب على الإنسان أن يعيش هذه المدة، إذا خلا من الآفات والأمراض وعوادي الزمن، والذي يظهر لنا أن التقدير بمئة وعشرين خطأ؛ لأن متوسط العمر الذي يبلغه كثير الناس؛ بين الستين والسبعين، وما زاد فهو قليل. (ش)
منها شيئا؛ وهو يذهب، ويجيء، ويحضر المساجد، وغاب عنا بعد ذلك، فالله أعلم كم عاش بعد هذه المدة ". انتهى.
أقول: وقد رأينا من عاش فوق المئة إلى عشرين سنة أو أكثر من ذلك، وهم كثيرون، وسمعنا بمن عاش فوق المئة إلى أربعين سنة؛ بل أزيد من ذلك وهم قليلون، والقدرة الإلهية صالحة للكل.
وبالجملة؛ فمن العلماء من قال: مئة وخمسون، ومنهم من قال: مئتان. ومنهم من قال: أربع مئة، ومنهم من قال زيادة على ذلك، ومنهم من فرق بين من كان له أهل ومال، ومن لم يكن له أهل ومال، والكل محض رأي.
وعندي: أن تحريم نكاح المحصنة ورد به النص القرآني، وأجمع عليه جميع المسلمين؛ بل هو معلوم من ضرورة الدين، وامرأة المفقود محصنة؛ فالأصل الأصيل تحريم نكاحها، وإذا لم يكن لها ما تستنفقه، وكان إمساكها حينئذ، وإلزامها على استمرار نكاح الغائب فيه إضرار بها؛ كان ذلك وجها للفسخ.
وهكذا إذا طالت مدة الغيبة، وكانت المرأة تتضرر بترك النكاح؛ فالفسخ لذلك جائز، وإذا جاز الفسخ للعنة؛ فجوازه للغيبة الطويلة أولى؛ لأنه قد عُلم من نصوص الكتاب والسنة تحريم الإمساك ضرارا، والنهي للأزواج عن الضرار في غير موضع، فوجب دفع الضرار عن الزوجة بكل ممكن، وإذا لم يكن إلا بالفسخ؛ جاز ذلك؛ بل وجب (1) .
(1) هذا صحيح، وإذا وجب الفسخ عند تضرر الزوجة من ترك النكاح - وهو الحاصل لكل امرأة يغيب زوجها؛ إلا فيما ندر -؛ فما الأجل الذي يضرب لها لانتظاره، ثم يجوز لها طلب الفسخ بعده؟