الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدل على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة الصديق بذلك.
وقد أفتى هو صلى الله عليه وسلم؛ فهذه فتواه وعمل أصحابه؛ كأنه أخذ باليد ولا معارض لذلك، ورأى عمر - رضي الله تعالى عنه - أن يحمل الناس على إنفاذ الثلاث؛ عقوبة وزجرا لهم لئلا يرسلوها جملة، وهذا اجتهاد منه - رضي الله تعالى عنه -؛ غايته أن يكون سائغا لمصلحة رآها، ولا يجوز ترك ما أفتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته.
فإذا ظهرت الحقائق؛ فليقل امرؤ ما شاء، وبالله التوفيق ". انتهى.
(
[الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع طلقة واحدة على الراجح] :)
(الراجح عدم الوقوع) ؛ قال الماتن: " ذهب الجمهور إلى أنه يقع، وأن الطلاق يتبع الطلاق، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطلاق؛ بل يقع واحدة، وقد حكي ذلك عن أبي موسى، وابن عباس، وطاوس، وعطاء، وجابر بن زيد، وأحمد بن عيسى، وعبد الله بن موسى، ورواية عن علي، ورواية عن زيد بن علي، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن القيم، وقد حكاه ابن مغيث في كتاب " الوثائق " عن علي، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وحكاه أيضا عن جماعة من مشايخ قرطبة، ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس.
واستدل الجمهور بحديث ركانة بن عبد الله: أنه طلق امرأته سهيمة البتة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " والله ما أردت إلا واحدة؟ "، قال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة! فردها إليه؛ أخرجه الشافعي، وأبو داود، والترمذي - وصححه (1) أبو داود، وابن حبان، والحاكم، - وفي إسناده (2) الزبير بن سعيد الهاشمي، وقد ضعفه غير واحد، وقيل: إنه متروك.، وفي إسناده (2) أيضا: نافع بن عجير، وهو مجهول.
ومتنه أيضا مضطرب؛ كما قال البخاري، ففي لفظ منه: أنه طلقها
(1) • ليس في " سننه " تصريحه بالتصحيح، وإنما قال:" إن هذا الحديث أصح من حديث ابن جريج: أن ركانة طلق امرأته ثلاثا "؛ يعني حديثه الذي رواه بسنده عن ابن عباس، وليس فيه: " والله ما أردت إلا واحدة؟
…
" الحديث، ويأتي في الكتاب قريبا.
إذا عرفت هذا فقوله: " أصح " ههنا؛ لا يفيد أن الحديث صحيح، ولا يتسع المجال لبيان ذلك؛ فراجع " تهذيب السنن " لابن القيم (3 / 134) .
فأغلب الظن أن الشارح إنما اعتمد على نقله في " المنتقى "(6 / 193 - بشرح الشوكاني) عن الدارقطني، أنه قال:" قال أبو داود: هذا حديث حسن صحيح "، وهذا ذكره الدارقطني عقب إخراجه الحديث. (ن)
(2)
• قلت: هذا التعبير يوهم أن إسناد الحديث واحد، فيه الرجلان؛ وليس كذلك؛ بل له إسنادان:
أحدهما؛ من طريق الزبير بن سعيد، عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده ركانة بن عبد يزيد.
والآخر؛ من طريق نافع بن عجير بن عبد يزيد، عن ركانة
…
به:
أخرجهما الحاكم (6 / 199 - 200) ، والبيهقي (7 / 342) ، وكذا أبو داود (1 / 345) ، والدارقطني (ص 439) ، ورواه الترمذي (2 / 209 - 210) من الطريق الأول، والشافعي (2 / 370) من الطريق الثاني؛ وكلاهما ضعيف:
أما الأول؛ فلأن فيه الزبير بن سعيد، عن عبد الله بن علي؛ وهو لين الحديث، كما في " التقريب "، وعلي بن يزيد؛ مستور.
وأما الآخر؛ ففيه نافع بن عجير؛ وهو مجهول؛ كما قال الشارح؛ تبعا لابن القيم (4 / 84) .
ومنه تعلم أن تصحيح الحديث وهم؛ فلا جرم ضعفه البخاري وغيره. (ن)
ثلاثا، وفي لفظ: واحدة، وفي لفظ: البتة.
وقال أحمد: طرقه كلها ضعيفة.
وأما استدلالهم بقوله - تعالى -: {الطلاق مرتان} ، وبقوله:{فإن طلقها فلا تحل له} ؛ فليس في ذلك من الحجة شيء؛ بل هو عليهم لا لهم، وقد حقق هذا صاحب " الهدي " بما يشفي.
وقد ورد ما يدل على أن الطلاق يتبع الطلاق، وليس في الصحيح شيء من ذلك.
وأرجح من الجميع؛ والحجة في هذا المقام: حديث ابن عباس الثابت في " صحيح مسلم " وغيره: أن الطلاق كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من إمارة عمر؛ الثلاث واحدة، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس؛ فأجازه عليهم ". انتهى.
وكل رجال إسناده أئمة، وله ألفاظ وأسانيد، وفي لفظ: أن أبا الصهباء قال له: ألم تعلم أن الثلاث كانت واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من إمارة عمر؟ قال: نعم.
ولم يأت من حاول التخلص عنه بحجة تنفق، والتمسك بما في بعض الروايات من تقييد ذلك بالطلاق قبل الدخول لا وجه له (1) ؛ فإن الطلاق لا
(1) • لأن الحديث لا مفهوم له؛ فإن التقييد في الجواب وقع في مقابلة تقييد السؤال، ومثل هذا لا يعتبر مفهومه.
نعم؛ لو لم يكن السؤال مقيدا، فقيد المسؤول الجواب؛ كان مفهومه معتبرا، وهذا كما إذا سئل عن فأرة وقعت في سمن؟ فقال:" إذا وقعت الفأرة في السمن؛ فألقوها وما حولها؛ وكلوه "؛ لم يدل ذلك على تقييد الحكم بالسمن خاصة؛ كذا في " إغاثة اللهفان "(1 / 285) . (ن)
يتفاوت الحال فيه قبل الدخول وبعده، وإذا ثبت الحكم في أحدهما؛ ثبت في الآخر، ومن ادعى الفرق فعليه إيضاحه.
وفي حديث محمود بن لبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاثا جميعا، فقام غضبان، فقال:" أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ {"؛ حتى قام رجل، فقال: يا رسول الله} ألا أقتله؟ !
وقد أخرجه النسائي بإسناد صحيح.
وروى البيهقي (1)، عن ابن عباس: أن ركانة طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كيف طلقتها؟ "، فقال: طلقتها ثلاثا، فقال:" في مجلس واحد؟ "، قال: نعم، قال:" إنما تلك واحدة؛ إن شئت فراجعها ".
وأخرج نحوه عبد الرزاق، وأبو داود، من حديثه.
وهذا خلاصة الحجج في هذه المسألة (2) ، وهي طويلة الذيول، كثيرة
(1) • في " سننه الكبرى "(7 / 339) ؛ من طريق ابن إسحاق: ثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس
…
قلت: وزاد في آخره: فكان ابن عباس إنما يرى أن الطلاق عند كل طهر؛ فتلك السنة التي كان عليها الناس، والتي أمر الله بها:{فطلقوهن لعدتهن} .
ومن هذا الوجه أخرجه أحمد (رقم 2387)، وقال شيخ الإسلام في " الفتاوى " (3 / 18) :" وهذا سند جيد، وله شاهد من وجه آخر؛ رواه أبو داود ".
قلت: هو عند أبي داود (1 / 342 - 343) ؛ من طريق عبد الرزاق: نا ابن جريج: أخبرني بعض بني رافع - مولى النبي صلى الله عليه وسلم، عن عكرمة
…
به نحوه؛ وأخرجه البيهقي من طريق أبي داود. (ن)
(2)
أحسن الشارح جدا في تلخيص الأدلة على أن الطلاق الثلاث دفعة واحدة؛ إنما يقع طلاقا =
النقول، متشعبة الأطراف، قديمة الخلاف، والإحاطة بجميع ما فيها من الأقوال
= واحدا، ولكن فات الباحثين في هذا المقام أمر نراه أساساً للمسألة؛ وهو:
أن المعلوم بالبديهة من لغة العرب؛ أن وصف اللفظ بالعدد إنما هو إخبار عن وقوع الموصوف في الخارج بهذا اللفظ، فإذا قال القائل: قلت كذا خمس مرات؛ دل على أنه تلفظ به مرارا مكررة عددها خمس، وكذلك الإنشاء، ومنه قوله - تعالى -:{فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين} ؛ فإنه ليس يجزئ عنه أن يقول بلفظ واحد: أشهد بالله أربع شهادات: إني لمن الصادقين؛ بل يجب أن يقول: أشهد بالله
…
الخ، ويكررها أربع مرات
…
وكذلك أمره صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والتحميد والتهليل ثلاثا وثلاثين؛ إنما معناه أن يكرر كل واحد منها ثلاثا وثلاثين مرة.
وكذلك ما ورد أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم سلم ثلاثا؛ معناه أن يقول ثلاث مرات: " السلام عليكم ".
ومثل هذا لا يماري فيه أحد، ولم يختلف فيه اثنان.
إذن؛ فما الذي دل على إخراج الطلاق من هذه القاعدة الظاهرة الصحيحة؟ {اللهم} لا دليل إلا الوهم وانتقال النظر.
والذي نراه أن قول القائل: أنت طالق ثلاثا؛ لا يخرج عن أنه نطق بالطلاق مرة واحدة، وأنه لا يصلح أن يكون موضع خلاف بين الصحابة أو غيرهم؛ وإنما الذي اختلفوا فيه وأمضاه عمر بن الخطاب؛ هو ما إذا قال لامرأته ثلاث مرات كررها: أنت طالق؛ سواء كانت في مجلس واحد أو في مجالس متعددة؛ ما دامت في العدة؛ فهذا جعله عمر ثلاث تطليقات باعتبار أن الطلاق يلحق المعتدة؛ وهي قد صارت معتدة باللفظ الأول من التطليقات التي كررها المطلق ثلاث مرات، وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر خلافة عمر؛ تعتبر المرة الأولى، ثم لا يلحقها بعد ذلك المرتان اللتان بعدها؛ لأنها معتدة، فلما تكرر في ألفاظ الصحابة والتابعين الكلام في وقوع الطلاق الثلاث أو عدمه؛ فهم منه الفقهاء أن المراد به هو لفظ: أنت طالق ثلاثا.
وهذا مما تنبو عنه قواعد اللغة، وبديهة العقل، وشاع ذلك فيهم، حتى أنكروا على من خالفه أشد الإنكار، ورموه بالكفر والتضليل، ولو رجعوا إلى عقولهم، وطبقوا ما سمعوا على مثل ما ورد في اللغة والكتاب والسنة؛ لوجدوا أنهم بعدوا جدا عن محل النزاع.
نعم؛ إن كثيرا من القائلين بوقوع الثلاث واحدة تنبهوا إلى وصف اللفظ بالعدد، ولكنهم جعلوه دليلا لهم في نصر أحد القولين، وأما نحن؛ فإنما نراه دليلا على أن وصف لفظ الطلاق بالعدد لا يصلح محلا للخلاف، وإنما هو طلاق واحد، وصف خطأ بعدد لم يتكرر في اللفظ.
ومحل الخلاف هو تكرار لفظ الطلاق كما قلناه، ولعلنا نوفق إلى زيادة إيضاح البحث وبسطه بحوله وقوته؛ والله الموفق. (ش)
وأدلتها وتصحيحها يحتمل مصنفا مستقلا، وقد جمع في ذلك شيخنا العلامة الشوكاني رسالة بسط فيها بعض البسط، وقد امتُحن بهذه المسألة جماعة من العلماء؛ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة من بعده، والحق بأيديهم، ولكن لما كان مذهب الأربعة الأئمة أن الطلاق يتبع الطلاق؛ كان المخالف لذلك عند عامة أتباعهم، وكثير من خاصتهم كالمخالف للإجماع.
وقد ظهر مما سقناه ههنا من الأدلة والنقول؛ أن الطلاق ثلاثا بلفظ واحد - أو ألفاظ في مجلس واحد من دون تخلل رجعة - يقع واحدة، وإن كان بدعيا؛ فتكون هذه الصورة من صور الطلاق البدعي واقعة من إثم الفاعل دون سائر صور البدعي؛ فلا يقع الطلاق فيها لما قدمنا تحقيقه.
وأطال ابن القيم في تخريج أحاديث الباب والكلام عليها، وأثبته بالكتاب، والسنة، واللغة، والعرف، وعمل أكثر الصحابة، ثم قال بعد ذلك:
" فهذا كتاب الله - تعالى -، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه لغة العرب، وهذا عرف التخاطب، وهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة كلهم معه في عصره، وثلاث سنين من عصر عمر على هذا المذهب.
فلو عدهم العاد بأسمائهم واحدا واحدا أنهم (1) كانوا يرون الثلاث واحدة؛ إما بفتوى، وإما بإقرار عليها، ولو فرض منهم من لم يكن يرى ذلك؛ فإنه لم يكن منكرا للفتوى به؛ بل كانوا ما بين مفت، ومقر بفتيا، وساكت غير منكر.
(1) هكذا الأصل، ولعل صحة العبارة هي: " لوجد أنهم
…
" الخ. (ش)
• قلت: هي كذلك في " إعلام الموقعين "(3 / 48) . (ن)
وهذا حال كل صحابي من عهد الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر، وهم يزيدون على الألف قطعا؛ كما ذكر يونس بن بكير عن أبي إسحاق.
فكل صحابي كان على أن الثلاث واحدة بفتوى، أو إقرار، أو سكوت.
ولقد ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم، ولم تجمع الأمة ولله الحمد على خلافه؛ بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنا بعد قرن وإلى يومنا هذا.
فأفتى به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس؛ كما رواه حماد ابن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: إذا قال: أنت طالق ثلاثا بفم واحد؛ فهي واحدة.
وأفتى بأنها واحدة: الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف؛ حكاه عنهما ابن وضاح.
وأما التابعون؛ فأفتى به عكرمة، وطاوس.
وأما تابعو التابعين؛ فأفتى به محمد بن إسحاق، وخلاس بن عمرو، والحارث العكلي.
وأما أتباع تابعي التابعين؛ فأفتى به داود بن علي، وأكثر أصحابه، وأفتى به بعض أصحاب مالك، وأفتى به بعض الحنفية، وأفتى به بعض أصحاب أحمد.
والمقصود: أن هذا القول قد دل عليه الكتاب، والسنة، والقياس، والإجماع القديم، ولم يأت بعده إجماع يبطله، ولكن رأى أمير المؤمنين عمر - رضي الله تعالى عنه - أن الناس استهانوا بأمر الطلاق، وكثر منهم إيقاعه