الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن المنذر: لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم.
وقد حكى الإجماع أيضا الشافعي، والقرطبي، وابن عبد البر.
قلت: اتفقت الأمة على أنه يحرم عليه أن يجمع بين الأختين، وبين العمة وبنت أخيها، وبين الخالة وبنت أختها؛ من النسب والرضاع جميعا.
وجملته: أن كل امرأتين من أهل النسب - لو قدرت إحداهما ذكرا حرمت الأخرى عليه -؛ فالجمع بينهما حرام.
ولا بأس بالجمع بين المرأة وزوجة أبيها أو زوجة ابنها؛ لأنه لا نسب بينهما؛ كذا في " المسوى ".
(2 -
[الزيادة على الأربع للحر] :)
(و) يحرم (ما زاد على العدد المباح للحر والعبد) ؛ لحديث قيس بن الحارث، قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة؛ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال:" اختر منهن أربعا "؛ أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد ضعفه غير واحد من الأئمة.
وقال ابن عبد البر: ليس له إلا حديث واحد (1) ، ولم يأت من وجه صحيح (2) ، ويؤيده ما سيأتي فيمن أسلم وعنده أكثر من أربع.
(1) ظاهر صنيع الشارح يوهم أن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ ليس له إلا حديث واحد، وهو خطأ شنيع؛ فإن محمدا هذا من أكثر الرواة حديثا، واختلفوا فيه، والغالب على حديثه الضعف.
وأما كلمة ابن عبد البر؛ فإنها في الصحابي؛ وهو الحارث بن قيس - أو قيس بن الحارث -.
وقال البغوي: لا أعلم للحارث بن قيس حديثا غير هذا. (ش)
(2)
انظر - لزاما - " الإرواء "(1883 - 1885) ؛ فهو فيه مصحح بعض رواياته لا كلها.
وأما الاستدلال بقوله - تعالى -: {مثنى وثلاث ورباع} ؛ ففيه ما أوضحه الماتن في " شرح المنتقى "، وفي " حاشية الشفاء "، وقد قيل: إنه لا خلاف في تحريم الزيادة على الأربع، وفيه نظر كما أوضحه هنالك.
أقول: قال الماتن - رحمه الله تعالى - في كتابه " السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ":
" أما الاستدلال على تحريم الخامسة، وعدم جواز زيادة على الأربع بقوله عز وجل: {مثنى وثلاث ورباع} ؛ فغير صحيح؛ كما أوضحته في شرحي ل " المنتقى "، ولكن الاستدلال على ذلك بحديث قيس بن الحارث، وحديث غيلان الثقفي، وحديث نوفل بن معاوية هو الذي ينبغي الاعتماد عليه؛ وإن كان في كل أحد منها مقال؛ لكن الإجماع على ما دلت عليه قد صارت به من المجمع على العمل عليه.
وقد حكى الإجماع صاحب " فتح الباري "، والمهدي في " البحر "، والنقل عن الظاهرية لم يصح؛ فإنه قد أنكر ذلك منهم من هو أعرف بمذهبهم.
وأيضا قد ذكرت في تفسيري الذي سميته " فتح القدير " تصحيح بعض هذه الأحاديث، وأطلت المقال في ذلك، فليرجع إليه ". انتهى.
وقال في " نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ":
" حديث قيس بن الحارث - وفي رواية: الحارث بن قيس -؛ في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد ضعفه غير واحد من الأئمة؛ قال أبو القاسم البغوي: ولا أعلم للحارث بن قيس حديثا غير هذا، وقال أبو عمر
النمري (1) : ليس له إلا حديث واحد، ولم يأت به من وجه صحيح.
وفي معنى هذا الحديث: حديث غيلان الثقفي؛ وهو عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر؛ قال: أسلم غيلان الثقفي، وتحته عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا؛ رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وحكم أبو حاتم وأبو زرعة بأن المرسل أصح.
وحكى الحاكم عن مسلم: أن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة.
قال: فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة.
وقد أخذ ابن حبان، والحاكم، والبيهقي بظاهر الحكم، وأخرجوه من طرق عن معمر؛ من حديث أهل الكوفة، وأهل خراسان، وأهل اليمامة، عنه.
قال الحافظ: " ولا يفيد ذلك شيئا؛ فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا منه بالبصرة، وعلى تقدير أنهم سمعوا بغيرها؛ فحديثه الذي حدث به في غير بلده مضطرب؛ لأنه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة، وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء؛ وهم فيها، اتفق على ذلك أهل العلم به؛ كابن المديني، والبخاري، وابن أبي حاتم، ويعقوب بن شيبة، وغيرهم.
وحكى الأثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح، والعمل عليه، وأعله بتفرد معمر في وصله، وتحديثه به في غير بلده.
(1) هو ابن عبد البر، وقد ظهر من هذا خطأ الشارح في تعبيره فيما مضى. (ش)
وقال ابن عبد البر: طرقه كلها معلولة.
وقد أطال الدارقطني في " العلل " تخريج طرقه.
ورواه ابن عيينة، ومالك، عن الزهري مرسلا؛ ورواه عبد الرزاق عن معمر كذلك.
وقد وافق معمرا على وصله: بحر بن كنيز (1) السقاء، عن الزهري، ولكنه ضعيف.
وكذا وصله يحيى بن سلام، عن مالك، ويحيى ضعيف (2) ".
وفي الباب: عن نوفل بن معاوية عند الشافعي: أنه أسلم وتحته خمس نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" أمسك أربعا وفارق الأخرى "، وفي إسناده رجل مجهول؛ لأن الشافعي قال: حدثنا بعض أصحابنا، عن أبي الزناد، عن عبد المجيد بن سهل، عن عوف بن الحارث، عن نوفل بن معاوية، قال: أسلمت
…
. فذكره (3) .
(1) في الأصل: (بحر كنيز) ، وهو خطأ.
و (كنيز) بنون وزاي مصغرا، وضبطه عبد الغني بفتح الكاف، وبحر هذا ضعيف جدا، مات سنة 160. (ش)
(2)
• قلت: لقد أطال العلماء رحمهم الله الكلام على حديث معمر هذا، ونسبوه كما رأيت إلى الوهم، حيث رواه موصولا، وأنا أرى أن لا طائل تحت ذلك؛ لأن الحديث قد ورد من غير طريقه موصولا بسند صحيح عن ابن عمر؛ أخرجه الدارقطني (404)، والبيهقي (7 / 183) ؛ من طريق سيف بن عبيد الله الجرمي: ثنا سرار بن مجشر، عن أيوب، عن نافع، وسالم، عن ابن عمر
…
به.
وهذا سند صحيح لا مطعن فيه، وبه قامت الحجة على تحريم الزيادة على الأربع. (ن)
(3)
ضعفه الشيخ في " الإرواء "(1884) .
وفي الباب أيضا عن عروة بن مسعود، وصفوان بن أمية عند البيهقي.
وقوله: " اختر منهن أربعا "؛ استدل به الجمهور على تحريم الزيادة على أربع.
وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا، ولعل وجهه قوله تعالى:{مثنى وثلاث ورباع} ، ومجموع ذلك - لا باعتبار ما فيه من العدل - تسع، وحكي ذلك عن ابن الصباغ، والعمراني، وبعض الشيعة، وحكي أيضا عن القاسم بن إبراهيم، وأنكر الإمام يحيى الحكاية عنه، وحكاه صاحب " البحر " عن الظاهرية، وقوم مجاهيل.
وأجابوا عن حديث قيس بن الحارث المذكور بما فيه من المقال المتقدم، وأجابوا عن حديث غيلان الثقفي بما تقدم فيه من المقال، وكذلك أجابوا عن حديث نوفل بن معاوية بما قدمنا من كونه في إسناده مجهول.
قالوا: ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفى فيه بمثل ذلك، ولا سيما وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين تسع، أو إحدى عشرة، وقد قال - تعالى -:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} .
وأما دعوى اختصاصه بالزيادة على الأربع؛ فهو محل النزاع؛ ولم يقم عليه دليل.
وأما قوله - تعالى - {مثنى وثلاث ورباع} ؛ ف (الواو) فيه للجمع لا للتخيير، وأيضا لفظ:{مثنى} معدول به عن اثنين اثنين، وهو يدل على
تناول ما كان متصفا من الأعداد بصفة الاثنينية؛ وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلا ما فوق الألوف؛ فإنك تقول: جاءني القوم مثنى؛ أي: اثنين اثنين، وهكذا ثلاث ورباع، وهذا معلوم في لغة العرب لا يشك فيه أحد.
فالآية المذكورة تدل بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوج من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا.
وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى في العدد؛ إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها؛ فإنه لا شك أنه يصح لغة وعرفا أن يقول الرجل لألف رجل عنده: جاءني هؤلاء اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة؛ فحينئذ الآية تدل على إباحة الزواج بعدد من النساء كثير؛ سواء كانت الواو للجمع أو للتخيير؛ لأن خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكل واحد منهم، فكأن الله سبحانه قال لكل فرد من الناس: انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع؛ ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبة، وهي بمجردها كافية في الحل، حتى يوجد ناقل صحيح ينقل عنها.
وقد يجاب بأن مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، فتنتهض بمجموعها للاحتجاج، وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال، ويؤيد ذلك كون الأصل في الفروج الحرمة - كما صرح به الخطابي -؛ فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل، وأيضا هذا الخلاف مسبوق بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع؛ كما صرح بذلك في " البحر "(1)
(1) • وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " إبطال التحليل "(ج 3 ص 216 من " الفتاوى ") : " أجمع الصحابة على تحريم الجمع بين أكثر من أربع نسوة، كما رواه عبيدة السلماني وغيره ". (ن)
وقال في " الفتح ":
" اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن ".
وقد ذكر الحافظ في " الفتح "، و " التلخيص " الحكمة في تكثير نسائه صلى الله عليه وسلم؛ فليراجع ذلك ". انتهى.
وقال في تفسيره " فتح القدير ":
" وقد استدل بالآية على تحريم ما زاد على الأربع، وبينوا ذلك بأنه خطاب لجميع الأمة، وأن كل ناكح له أن يختار ما أراد من هذا العدد، كما يقال للجماعة: اقتسموا هذا المال، وهو ألف درهم - أو هذا المال الذي في البدرة - درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة.
وهذا مسلم إذا كان المقسوم قد ذكرت جملته أو عين مكانه، أما لو كان مطلقا - كما يقال: اقتسموا الدراهم، ويراد بها ما كسبوه -؛ فليس المعنى هكذا، والآية من الباب الآخر لا من الباب الأول.
على أن من قال لقوم يقتسمون مالا معينا كبيرا: اقتسموه مثنى وثلاث ورباع، فقسموا بعضه بينهم درهمين درهمين، وبعضه ثلاثة ثلاثة، وبعضه أربعة أربعة؛ كان هذا هو المعنى العربي.
ومعلوم أنه إذا قال القائل: جاءني القوم مثنى - وهم مئة ألف -؛ كان المعنى أنهم جاءوه اثنين اثنين، وهكذا: جاءني القوم ثلاث ورباع، والخطاب
للجميع بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد؛ كما في قوله - تعالى -: {اقتلوا المشركين} ، {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} ، ونحوها.
ومعنى قوله: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} : لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا، هذا ما تقتضي لغة العرب، فالآية تدل على خلاف ما استدلوا به عليه.
ويؤيد هذا قوله - تعالى - في آخر الآية: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} ؛ فإنه وإن كان خطابا للجميع؛ فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد؛ فالأولى أن يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن.
وأما استدلال من استدل بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة، وكأنه قال: انكحوا مجموع هذا العدد المذكور؛ فهذا جهل بالمعنى العربي، ولو قال: انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا؛ كان هذا القول له وجه، وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا، وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون (أو) ؛ لأن التخيير يشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره، وذلك ليس بمراد من النظم القرآني.
وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي، عن ابن عمر: أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
" اختر منهن ".
وفي لفظ: " أمسك منهن أربعا، وفارق سائرهن ".