الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرجه الدارقطني، والبيهقي.
(
[جواز المضاربة ما لم تشتمل على حرام] :)
(وتجوز المضاربة)، وهو في لغة أهل المدينة: القراض، والضرب بمعنى السفر، والمضاربة المعاملة على السفر، وأيضا الضرب بمعنى الشركة، والمضاربة المعاملة على الشركة.
اتفق أهل العلم على جواز المضاربة، ولا تجوز إلا على الدراهم والدنانير، وهو أن يعطي شيئا منها لرجل ليعمل ويتجر، فما يحصل من الربح يكون بينهما مناصفة، أو أثلاثا؛ على ما يتشارطان.
(ما لم تشتمل على ما لا يحل) ؛ لما روي عن حكيم بن حزام: أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالا مقارضة يضرب له به: أن لا تجعل مالي في كبد رطبة، ولا تحمله في بحر، ولا تنزل به بطن مسيل، فإن فعلت شيئا من ذلك؛ فقد ضمنت مالي.
وقد قيل: إنه لم يصح في المضاربة شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فعلها الصحابة: منهم حكيم المذكور، ومنهم علي كما رواه عبد الرزاق، ومنهم ابن مسعود كما رواه الشافعي، ومنهم العباس كما رواه البيهقي، ومنهم جابر كما رواه البيهقي أيضا، ومنهم أبو موسى وابن عمر كما رواه في " الموطإ "، والشافعي، والدارقطني، ومنهم عمر كما رواه الشافعي، ومنهم عثمان كما رواه البيهقي.
وقد روي في ذلك من المرفوع ما أخرجه ابن ماجه من حديث صهيب،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمقارضة، وإخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع "؛ ولكن في إسناده مجهولان.
أقول: قد صرح جماعة من الحفاظ بأنه لم يثبت في هذا الباب - أعني: المضاربة - شيء مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل جميع ما فيه آثار عن الصحابة، وقد وقع إجماع من بعدهم على جواز هذه المعاملة؛ كما حكى ذلك غير واحد.
وصرح الحافظ ابن حجر بأنها كانت ثابتة في عصر النبوة، فقال:
" والذي نقطع به؛ أنها كانت ثابتة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم؛ يعلم بها وأقرها، ولولا ذلك لما جازت البتة ". انتهى.
ولا يخفاك أن عدم الجواز الذي ذكره - على فرض عدم ثبوتها في أيام النبوة - مبني على أن الأصل عدم جواز كل معاملة لم يثبت فيها دليل، وهو غير مسلم؛ بل الأصل الجواز؛ ما لم تكن على وجه يستلزم ما لا يحل شرعا.
وعندي أن المضاربة داخلة تحت قول الله: {وأحل الله البيع} ، وتحت قوله - تعالى -:{تجارة عن تراض} ؛ بل كل ما دل على جواز البيع، وعلى جواز الإجارة، وعلى جواز الوكالة؛ دل عليها.
وبيان ذلك: ان المالك للنقد إذا دفعه إلى آخر، ووكله بالشراء له بنقده
ما رآه، ووكله أيضا ببيعه، وجعل له أجرة على تولي البيع وتولي الشراء، وهي ما سماه له من الربح؛ فجواز البيع والشراء داخل تحت أدلة البيع والشراء، وجواز التوكيل بهما داخل تحت أدلة الوكالة، وجواز جعل جزء من الربح للوكيل داخل تحت أدلة الإجارة؛ فعرفت بهذا أن القراض غير خال من دليل يدل عليه العموم؛ بل الذي لم يثبت هو الدليل الذي يدل عليه بخصوصه، فلا وجه لما قاله الحافظ ابن حجر: أنها لو لم تثبت هذه المعاملة بخصوصها في عصر النبوة لما جازت البتة (1) .
واعلم أن هذه الأسامي التي وقعت في كتب الفروع - لأنواع من الشركة كالمفاوضة (2) والعنان والوجوه والأبدان - لم تكن أسماء شرعية ولا لغوية؛ بل اصطلاحات حادثة متجددة، ولا مانع للرجلين أن يخلطا ماليهما ويتجرا؛ كما هو معنى المفاوضة المصطلح عليها؛ لأن للمالك أن يتصرف في ملكه كيف يشاء؛ ما لم يستلزم ذلك التصرف محرما مما ورد الشرع بتحريمه.
(1) كيف هذا؛ والأجرة إذا كانت مجهولة كانت غير جائزة؟ {
والمضاربة إذا ربح الشريك فيها معينا كانت غير جائزة أيضا؛ فإنها تكون ربا؟}
فلا يأتي ما قاسه الشارح وأراد به الرد على الحافظ ابن حجر. (ش)
(2)
• شركة المفاوضة: هي أن يفوض كل واحد من الشريكين إلى صاحبه التصرف في ماله؛ مع غيبته وحضوره؛ كذا في " بداية المجتهد "(2 / 210) .
وشركة العنان: هي أن تكون في شيء خاص دون سائر مالهما.
أو هو أن يكونا سواء في الشركة؛ لأن عنان الدابة طاقتان متساويتان: " قاموس ".
وشركة الوجوه: هي الشركة على الذمم؛ من غير صنعة ولا مال، وهي جائزة عند أبي حنيفة، باطلة عند مالك والشافعي؛ كما في " البداية "(2 / 211) .
وشركة الأبدان: هي الاشتراك في صنعة، وهي جائزة عند أبي حنيفة ومالك، وإن اختلفت الصنعة عند الأول. (ن)
وإنما الشأن في اشتراط استواء المالين وكونهما نقدا واشتراط العقد، فهذا لم يرد ما يدل على اعتباره؛ بل مجرد التراضي بجمع المالين والاتجار بهما كاف، وكذلك لا مانع من أن يشترك الرجلان في شراء شيء؛ بحيث يكون لكل واحد منهما نصيب منه بقدر نصيبه من الثمن؛ كما هو معنى شركة العنان اصطلاحا، وقد كانت هذه الشركة ثابتة في أيام النبوة، ودخل فيها جماعة من الصحابة، فكانوا يشتركون في شراء شيء من الأشياء، ويدفع كل واحد منهم نصيبا من قيمته، ويتولى الشراء أحدهما أو كلاهما.
وأما اشتراط العقد والخلط؛ فلم يرد ما يدل على اعتباره.
وكذلك لا بأس أن يوكل أحد الرجلين الآخر أن يستدين له مالا، ويتجر فيه؛ ويشتركا في الربح؛ كما هو معنى شركة الوجوه اصطلاحا، ولكن لا وجه لما ذكروه من الشروط.
وكذلك لا بأس بأن يوكل أحد الرجلين الآخر في أن يعمل عنه عملا استؤجر عليه؛ كما هو معنى شركة الأبدان اصطلاحا، ولا معنى لاشتراط شروط في ذلك.
والحاصل: أن جميع هذه الأنواع يكفي في الدخول فيها مجرد التراضي؛ لأن ما كان منها من التصرف في الملك؛ فمناطه التراضي، ولا يتحتم اعتبار غيره، وما كان منها من باب الوكالة أو الإجارة؛ فيكفي فيه ما يكفي فيهما.
فما هذه الأنواع التي نوعوها والشروط التي اشترطوها؟ {وأي دليل عقل أو نقل ألجأهم إلى ذلك؟} فإن الأمر أيسر من هذا التهويل والتطويل؛ لأن
حاصل ما يستفاد من شركة المفاوضة والعنان والوجوه: أنه يجوز للرجل أن يشترك هو وآخر في شراء شيء وبيعه، ويكون الربح بينهما على مقدار نصيب كل واحد منهما من الثمن، وهذا شيء واحد واضح المعنى، يفهمه العامي فضلا عن العالم، ويفتي بجوازه المقصر فضلا عن الكامل، وهو أعم من أن يستوي ما يدفعه كل واحد منهما من الثمن أو يختلف، وأعم من أن يكون المدفوع نقدا أو عرضا، وأعم من أن يكون ما اتجرا به جميع مال كل واحد منهما أو بعضه، وأعم من أن يكون المتولي للبيع والشراء أحدهما أو كل واحد منهما.
وهب أنهم جعلوا لكل قسم من هذه الأقسام - التي هي في الأصل شيء واحد - اسما يخصه؛ فلا مشاحة في الاصطلاحات؛ لكن ما معنى اعتبارهم لتلك العبارات، وتكلفهم لتلك الشروط، وتطويل المسافة على طالب العلم، وإتعابه بتدوين ما لا طائل تحته؟ {
وأنت لو سألت حراثا أو بقالا عن جواز الاشتراك في شراء الشيء وفي ربحه؛ لم يصعب عليه أن يقول: نعم.
ولو قلت له: هل يجوز العنان أو الوجوه أو الأبدان؛ لحار في فهم معاني هذه الألفاظ}
بل قد شاهدنا كثيرا من المتبحرين في علم الفروع؛ يلتبس عليه كثير من تفاصيل هذه الأنواع، ويتلعثم إن أراد تمييز بعضها من بعض، اللهم! إلا أن يكون قريب عهد بحفظ مختصر من مختصرات الفقه؛ فربما يسهل عليه ما يهتدي به إلى ذلك.