الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذا؛ من العسر والحرج والمشقة ما ينافي الحنيفية السمحة، فشرع الشارع الحكيم القيم بمصالح العباد.
وللمرتهن أن يشرب لبن الرهن ويركب ظهره - وعليه نفقته -، وهذا محض القياس لو لم تأت به السنة الصحيحة ". انتهى.
ثم أطال في تخريج هذا القياس إلى ما لا يسعه هذا القرطاس.
(
[لا يستحق المرتهن الرهن إذا لم يفكه الراهن] :)
(ولا يغلق (1) الرهن بما فيه) ؛ لحديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
" لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه؛ له غنمه وعليه غرمه ".
أخرجه الشافعي (2) والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وابن حبان في
(1) قال ابن الأثير: " يقال: غلق - بكسر اللام - الرهن يغلق - بفتحها - غلوقا: إذا بقي في يد المرتهن، لا يقدر راهنه على تخليصه، والمعنى: أنه لا يستحقه المرتهن إذا لم يستفكه صاحبه، وكان هذا من فعل الجاهلية: أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المعين؛ ملك المرتهن الرهن؛ فأبطله الإسلام ". (ش)
(2)
• الشافعي (2 / 189 - 190) ، والدارقطني (ص 302 - 303) ، والحاكم (2 / 51 - 52) ، والبيهقي (6 / 39) ؛ من طرق عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
وقال الدارقطني: " إسناده حسن متصل ".
وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا.
ولا يعله أنه جاء مرسلا؛ لما ذكره الشارح، لا سيما والذين رووه موصولا جماعة ثقات، وتوهينهم ليس بالأمر اليسير.
وله شاهد من حديث عطاء، وسليمان بن موسى - معا - مرسلا؛ أخرجه الطحاوي (2 / 253) دون قوله: " من صاحبه
…
".
وقد نقل الزيلعي في " نصب الراية "(4 / 320) أن قوله: " له غنمه
…
. "؛ من كلام سعيد، وأيده الزيلعي؛ فيراجع! (ن)
" صحيحه "، وحسن الدارقطني إسناده.
وقال الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام ": أن رجاله ثقات؛ إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله.
وأخرجه ابن ماجه من طريق أخرى (1) ، والرفع زيادة، وقد خرجت من مخرج مقبول.
والمراد بالغلاق هنا: استحقاق المرتهن له؛ حيث لم يفكه الراهن في الوقت المشروط.
وروى عبد الرزاق عن معمر؛ أنه فسر غلاق الرهن؛ بما إذا قال الرجل: إن لم آتك بمالك فالرهن لك، قال: ثم بلغني عنه أنه قال: إن هلك لم يذهب حق هذا، إنما هلك من رب الرهن؛ له غنمه وعليه غرمه.
وقد روي أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن؛ إذا لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب، فأبطله الشارع.
والغنم والغرم - هنا - هو أعم مما تقدم؛ من أن الظهر يركب بنفقة المرهون، واللبن يشرب.
قال في " الحجة البالغة ":
" ومبنى الرهن على الاستيثاق، وهو بالقبض؛ فلذلك اشترط فيه.
ولا اختلاف عندي بين حديث: " لا يغلق الرهن "؛ وحديث: " الظهر
(1) • هذا خطأ؛ فإنما أخرجه ابن ماجة (2 / 84) من الطريق السابق عن أبي هريرة. (ن)
يركب "
…
الخ؛ لأن الأول هو الوظيفة.
لكن إذا امتنع الراهن من النفقة عليه، وخيف الهلاك، وأحياه المرتهن؛ فعند ذلك ينتفع به بقدر ما يراه الناس عدلا ". انتهى.
قلت: وعليه أهل العلم.
قال محمد: وبهذا نأخذ.
وتفسير قوله: " لا يغلق الرهن ": أن الرجل كان يرهن الرهن - أي: المرهون عند الرجل -؛ فيقول: إن جئتك بمالك إلى كذا وكذا؛ وإلا فالرهن لك بمالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يغلق الرهن، ولا يكون للمرتهن بماله "، وكذلك نقول، وهو قول أبي حنيفة، وكذلك فسره مالك بن أنس.
وفي " شرح السنة ":
" معناه لا يستغلق بحيث لا يعود إلى الراهن، بل متى أدى الحق المرهون به؛ افتك وعاد إلى الراهن.
وروى الشافعي هذا الحديث مع زيادة، ولفظه:" لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه؛ له غنمه وعليه غرمه ".
قال الشافعي: غنمه زيادته، وغرمه هلاكه.
وفيه دليل على أنه إذا هلك في يد المرتهن؛ يكون من ضمان الراهن، ولا يسقط بهلاكه شيء من حق المرتهن، وعليه الشافعي.
وقال أبو حنيفة: قيمته إن كانت قدر الحق؛ يسقط بهلاكه الحق، وإن كانت أقل من الحق؛ يسقط بقدره، وإن كان أكثر من الحق؛ يسقط الحق.
وعند الشافعي: دوام القبض ليس بشرط في الرهن، فيستعمل الدابة المرهونة بالنهار، وترد إلى المرتهن بالليل، ولا يسافر عليها.
ولم يجوزه أبو حنيفة ".
أقول: الحق أن الرهن إذا تلف في يد المرتهن - بدون جنايته ولا تفريطه -؛ فهو غير مضمون عليه.
وإن كان بجنايته أو تفريطه؛ ضمنه للجناية عليه، أو التفريط؛ لا لكونه مستحقا حبسه؛ فإن الحبس للرهن بمجرده ليس بسبب للضمان.
والمدارك الشرعية واضحة المنار.