الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في رمضان لعذر، فأما المفطر من غير عذر أصلا (1) ؛ فلا ينفعه أداء غيره عنه لفرائض الله - تعالى - التي فرّط فيها، وكان هو المأمور بها ابتلاء وامتحانا دون الولي، فلا ينفع توبة أحد عن أحد، ولا إسلامه عنه، ولا أداء الصلاة عنه، ولا غيرها من فرائض الله - تعالى - التي فرط فيها حتى مات، والله - تعالى - أعلم.
أقول: الظاهر - والله أعلم - أنه يجب على الولي أن يصوم عن قريبه الميت إذا كان عليه صوم، سواء أوصى أو لم يوص، كما هو مدلول الحديث، ومن زعم خلاف ذلك؛ فليأت بحجة تدفعه (2) .
(
[يكفّر الكبير العاجز عن الأداء والقضاء] :)
(والكبير العاجز عن الأداء والقضاء يكفر عن كل يوم بإطعام مسكين) : لحديث سلمة بن الأكوع الثابت في " الصحيحين " وغيرهما، قال: لما نزلت هذه الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} ؛ كان من أراد أن يفطر يفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها.
وأخرج هذا الحديث أحمد، وأبو داود عن معاذ بنحو ما تقدم؛ وزاد:
(1) • فإذا كان المفطر لعذر شرعي - كمرض -؛ أفلا يصوم عنه وليه؟ الظاهر من كلام ابن القيم أنه يصوم؛ وهو الأقرب إلى عموم الحديث، والله أعلم. (ن)
قلت: وانظر في تفصيل المسألة - هذه وغيرها - كلام شيخنا في " تمام المنة "(ص 427 - 428) ، و " أحكام الجنائز "(ص 213 - 216 - المعارف) .
(2)
سياق الأحاديث الواردة في الصيام عن الميت؛ يدل على إباحة ذلك للولي برا بالميت، لا وجوبا على الولي.
ويقوي هذا الظاهر رواية البزار التي ذكرها الشارح، وفيها زيادة:" إن شاء "، ولم يرد في شيء من السنة ما يدل على الوجوب، فمن ادعاه طولب بالدليل؛ لأن الأصل براءة الذمة، وأن المكلف غير ملزم بأداء ما ثبت في ذمة غيره إلا بدليل صريح، والله أعلم. (ش)
ثم أنزل الله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} ، فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وأثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام.
وأخرج البخاري عن ابن عباس، أنه قال: ليست هذه الآية منسوخة: هي للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما؛ فيطعمان مكان كل يوم مسكينا.
وأخرج أبو داود، عن ابن عباس، أنه قال: أثبتت للحبلى والمرضع أن يفطرا؛ ويطعما كل يوم مسكينا.
وأخرج الدارقطني، والحاكم - وصححاه - عن ابن عباس، أنه قال: رخص للشيخ الكبير أن يفطر، ويطعم عن كل يوم مسكينا، ولا قضاء عليه.
وهذا من ابن عباس تفسير لما في القرآن، مع ما فيه من الإشعار بالرفع؛ فكان ذلك دليلا على أن الكفارة هي إطعام مسكين عن كل يوم.
أقول: لم يثبت في الكفارة على من لم يطق الصوم شيء من المرفوع في شيء من كتب الحديث، وليس في الكتاب العزيز ما يدل على ذلك؛ لأن قوله - تعالى -:{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} ؛ إن كانت منسوخة - كما ثبت عن سلمة بن الأكوع عند أهل الأمهات كلهم: أنها كانت في أول الإسلام، فكان من أراد أن يفطر يفتدي؛ حتى نسختها الآية التي بعدها وهي قوله - تعالى - {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} ، ومثل ذلك روي عن معاذ ابن جبل؛ أخرجه أحمد، وأبو داود، ومثله عن ابن عمر؛ أخرجه البخاري -:
فالمنسوخ ليس بحجة بلا خلاف.
وإن كانت محكمة - كما رواه أبو داود عن ابن عباس -: فظاهرها جواز ترك الصوم لمن كان مطيقا غير معذور، ووجوب الفدية عليه، وهو خلاف ما أجمع عليه المسلمون.
وأما قول ابن عباس المتقدم: فكلام غير مناسب لمعنى الآية؛ لأنها في المطيقين، لا فيمن لا يستطيع أن يصوم كما قال، وكذلك ما رواه عنه أبو داود أنها أُثبتت للحبلى والمرضع، فإنه يدل على أنها منسوخة فيما عداهما.
فعلى كل حال؛ ليس في الآية دليل على وجوب الإطعام على من ترك الصوم وهو لا يطيقه، وهو محل النزاع، وإذا لم يوجد دليل في كتاب الله، ولا في سنة رسوله: فليس في غيرهما أيضا ما يدل على ذلك، فالحق عدم وجوب الإطعام، وقد ذهب إليه جماعة من السلف؛ منهم: مالك، وأبو ثور، وداود.
وكذا لا فدية على من حال عليه رمضان - وعليه رمضان أو بعضه، ولم يقضه -؛ لأنه لم يثبت في ذلك شيء صح رفعه، وغاية ما فيه آثار عن جماعة من الصحابة من أقوالهم، وليس بحجة على أحد، ولا تعبد الله بها أحدا من عباده، والبراءة الأصلية مستصحبة، فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح، وقد ذهب إلى هذا النخعي؛ وأبو حنيفة، وأصحابه.
وأما التفريق في قضاء رمضان: فقد أخرج الدارقطني من حديث ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن قضاء رمضان؟ فقال:
" إن شاء فرقه، وإن شاء تابعه "؛ وفي إسناده سفيان بن بشر؛ وقد ضعفه بعضهم.
وقال ابن الجوزي: ما علمنا أحدا طعن فيه، ثم صحح الحديث.
ويؤيد ما دل عليه هذا الحديث من التخيير: قوله - تعالى -: {فعدة من أيام أخر} ؛ وهذه العدة تصدق على ما كان مجتمعا ومتفرقا؛ لأنه يحصل من كل واحد منهما عدة، والبراءة الأصلية قاضية بعدم التعبد بما هو أشق ما يصدق عليه معنى الآية دون ما هو أخف.
وأما ما يروى من أنه صلى الله عليه وسلم قال: " من كان عليه صوم من رمضان فليسرده، ولا يقطعه " - كما أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة -: ففي إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم القاص، وقد ضعفه جماعة من الأئمة؛ وقال البيهقي: لا يصح، وأنكره أبو حاتم على عبد الرحمن.
وأما ابن القطان فقال: لم يأت من ضعفه بحجة (1) . انتهى.
ولكنه - مع ذلك - لا ينتهض للنقل عن مجرد البراءة الأصلية، فضلا عما عضدها.
(1) قال ابن القطان: " والحديث حسن ".
وقال ابن حجر: " قد صرح ابن أبي حاتم عن أبيه؛ أنه أنكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن "؛ نقله الشوكاني (جزء 4 ص 317 في " نيل الأوطار ") .
وعبد الرحمن هذا؛ قال أحمد: " ليس به بأس ".
قال الذهبي: " ومن مناكيره: عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا: " من كان عليه صوم رمضان؛ فليسرده ولا يقطعه "؛ أخرجه الدارقطني " اه. (ش)