الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذهب إلى ذلك: عثمان، وابن عباس، والزهري، والحسن، وإسحاق، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وأبو عبيد، وروي عن مالك.
وأما دفع الحجة بأنها شهدت على تقرير فعلها؛ فهذه قاعدة فقهية لم يرد بها كتاب الله، ولا سنة رسوله.
وهذا الحديث أول حجة يبطلها؛ فكيف يكون الأمر بالعكس؟ !
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(
[حكم إرضاع الكبير لتجويز النظر] :)
(ويجوز إرضاع الكبير ولو كان ذا لحية لتجويز النظر) ؛ لحديث زينب بنت أم سلمة، قالت: قالت أم سلمة لعائشة: إنه يدخل عليك هذا الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي} فقالت عائشة: ما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟ {وقالت: إن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله} إن سالما يدخل علي وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرضعيه حتى يدخل عليك "؛ أخرجه مسلم، وغيره.
وقد أخرج نحوه البخاري من حديث عائشة (1) أيضا.
وقد روى هذا الحديث من الصحابة: أمهات المؤمنين، وسهلة بنت سهيل (2) ، وزينب بنت أم سلمة.
(1) • " المسند "(6 / 39، 255، 269، 271) . (ن)
(2)
• " المسند "(6 / 356) . (ن)
ورواه من التابعين جماعة كثيرة، ثم رواه عنهم الجمع الجم.
وقد ذهب إلى ذلك: علي، وعائشة، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، والليث بن سعد، وابن علية، وداود الظاهري، وابن حزم؛ وهو الحق.
وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك.
قال ابن القيم:
" أخذ طائفة من السلف بهذه الفتوى؛ منهم عائشة، ولم يأخذ به أكثر أهل العلم، وقدموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرم بما قبل الفطام وبالصغر وبالحولين لوجوه:
أحدها: كثرتها؛ وانفراد حديث سالم.
الثاني: أن جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة - في شق المنع.
الثالث: أنه أحوط.
الرابع: أن رضاع الكبير لا ينبت لحما، ولا ينشز عظما، فلا يحصل به البعضية التي هي سبب التحريم.
الخامس: أنه يحتمل أن هذا كان مختصا بسالم وحده، ولهذا لم يجئ ذلك إلا في قصته.
السادس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وعندها رجل قاعد،
فاشتد ذلك عليه وغضب، فقالت: إنه أخي من الرضاعة، فقال:" انظرن من إخوانكن من الرضاعة؛ فإنما الرضاعة من المجاعة "؛ متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي قصة سالم مسلك؛ وهو أن هذا كان موضع حاجة؛ فإن سالما كان قد تبناه أبو حذيفة ورباه، ولم يكن له منه ومن الدخول على أهله بد، فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك؛ فالقول به مما يسوغ فيه الاجتهاد.
ولعل هذا المسلك أقوى المسالك، وإليه كان شيخنا يجنح، والله تعالى أعلم ". انتهى.
أقول: الحاصل: أن الحديث المتقدم صحيح، وقد رواه الجم الغفير عن الجم الغفير؛ خلفا عن سلف، ولم يقدح فيه من رجال هذا الشأن أحد، وغاية ما قاله من يخالفه؛ أنه ربما كان منسوخا، ويجاب بأنه لو كان منسوخا لوقع الاحتجاج على عائشة بذلك، ولم ينقل أنه قال قائل به؛ مع اشتهار الخلاف بين الصحابة.
وأما الأحاديث الواردة بأنه لا رضاع إلا في الحولين وقبل الفطام؛ فمع كونها فيها مقال؛ لا معارضة بينها وبين رضاع سالم؛ لأنها عامة وهذا خاص، والخاص مقدم على العام، ولكنه يختص بمن عرض له من الحاجة إلى إرضاع الكبير ما عرض لأبي حذيفة وزوجته سهلة؛ فإن سالما لما كان لهما كالابن، وكان في البيت الذي هما فيه، وفي الاحتجاب مشقة عليهما؛ رخص صلى الله عليه وسلم في الرضاع على تلك الصفة.
فيكون رخصة لمن كان كذلك، وهذا لا محيص عنه.
قال في " المسوى ":
" يجب إحياء المولود بالإرضاع حولين كاملين؛ إلا إذا اجتمع رأي الوالدين عن تشاور منهما؛ على أن الفطام لا يضره؛ فحينئذ يجوز الفطام قبل الحولين، والمرضع يجوز أن تكون الوالدة أو الظئر المسترضعة، فإن لم تتيسر المسترضعة، أو لم يقدر الوالد على استئجارها؛ تعينت الوالدة؛ فإن أرضعت الوالدة؛ فليس لها إلا النفقة والكسوة بالمعروف مما كان بسبب الزوجية، وإن أرضعت الظئر فلها أجرها؛ قال - تعالى -:{والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله} .
قلت: الظاهر: أن الوالدات تعم المطلقات وغيرها، وقيل: تختص بالمطلقات؛ لأن سياق الآية في قصة المطلقات.
أقول: وحينئذ يؤخذ حكم غير المطلقات بالأولى؛ وقوله: {على المولود له} : يدل على أن الوالدة ما دامت زوجة أو معتدة لا تستحق الأجر، وعليه أبو حنيفة.
وقوله: {على الوارث مثل ذلك} : المراد منه وارث الأب، وهو
الصبي؛ أي: مؤن المرضعة من ماله إذا مات الأب.
قوله: {فإن أرادا فصالا} ؛ يعني: قبل الحولين؛ قوله: {أن تسترضعوا} ؛ أي: المراضع؛ {أولادكم} ؛ أي: تأخذوا مراضع لأولادكم.
قوله: {ما آتيتم} ؛ أي: ما أردتم إيتاءه؛ كقوله - تعالى -: {إذا قمتم إلى الصلاة} ". انتهى.