الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيأتي ما يدفع ذلك كله.
(
[بيان ما يلحق بأصول الربويات] :)
(وفي إلحاق غيرها بها خلاف) ؛ هل يلحق بهذه الأجناس المذكورة غيرها، فيكون حكمه حكمها في تحريم التفاضل والنساء؛ مع الاتفاق في الجنس، أو تحريم النساء فقط؛ مع الاختلاف في الجنس والاتفاق في العلة؟
فقالت الظاهرية: إنه لا يلحق بها غيرها.
ورجحه في " سبل السلام "(1) ؛ وقال:
" قد أفردنا الكلام على ذلك في رسالة مستقلة سميناها: (القول المجتبى) ". انتهى.
وتفصيل ذلك في " مسك الختام ".
وذهب من عداهم إلى أنه يلحق بها ما يشاركها في العلة، واختلفوا في العلة ما هي؟ فقيل: الاتفاق في الجنس والطعم، وقيل: الجنس والتقدير بالكيل والوزن والاقتيات، وقيل: الجنس ووجوب الزكاة، وقيل: الجنس والتقدير بالكيل والوزن.
وقد يستدل لمن قال بالإلحاق بما أخرجه الدارقطني (2) ، والبزار، عن
(1) • وكذا المقبلي في " العلم الشامخ "(ص 715) . (ن)
(2)
• في " سننه "(ص 296) ؛ من طريق أبي بكر بن عياش، عن الربيع بن صبيح، عن الحسن، عن عبادة، وأنس
…
به، ثم قال: " لم يروه غير أبي بكر، عن الربيع هكذا، وخالفه جماعة؛ فرووه
الحسن؛ من حديث عبادة وأنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعا واحدا، وما كيل فمثل ذلك؛ فإذا اختلف النوعان فلا بأس به ".
قد أشار إلى هذا الحديث صاحب " التلخيص " ولم يتكلم عليه، وفي إسناده الربيع بن صبيح؛ وثقه أبو زرعة وغيره، وضعفه جماعة، قال أحمد: لا بأس به، وقال يحيى بن معين - في رواية عنه -: ضعيف، وفي أخرى: ليس به بأس، وربما دلس، وقال ابن سعد والنسائي: ضعيف، وقال أبو زرعة: شيخ صالح، وقال أبو حاتم: رجل صالح. انتهى.
ولا يلزم من وصفه بالصلاح أن يكون ثقة في الحديث (1)، وقال في " التقريب ":" صدوق سيئ الحفظ ".
عن الربيع، عن ابن سيرين، عن عبادة، وأنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ بلفظ غير هذا اللفظ ".
قلت: وأبو بكر بن عياش ثقة؛ إلا أنه لما كبر ساء حفظه؛ كما في " التقريب "؛ فلا يحتج به عند المخالفة، ومثله الربيع بن صبيح؛ فإنه صدوق سيئ الحفظ، وللحديث علة أخرى، وهي عنعنة الحسن - وهو البصري -؛ فقد كان مدلسا على جلالته، ولفظ البزار كما في " المجمع " (4 / 115) :" الذهب بالذهب مثلا بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل "؛ وهذا كما ترى يخالف لفظ الدارقطني، ويوافق لفظ الحديث الصحيح المتقدم الذي لا دليل فيه على الإلحاق المذكور، فعزوه لفظ الدارقطني تبعا للشوكاني (5 / 164) للبزار لا يخفى ما فيه!
لكن يشهد للحديث حديث أبي سعيد في رواية البيهقي، وسندها حسن على أقل الدرجات، كما تقدم بيانه قريبا؛ مع ما يشهد له من حديث أبي سعيد وأبي هريرة معا، الذي ذكرته آنفا. (ن)
(1)
• قلت: الظاهر أن المحدثين لا يريدون بهذه اللفظة: " صالح " المعنى المتبادر منها فقط؛ بل يريدون أنه صالح في الرواية أيضا، ألا ترى أن الذهبي ذكر في مقدمة " الميزان " أن من العبارات التي تقال في الرواة المقبولين:" صويلح " - هكذا مصغرا - فمن قيل فيه: " صالح " - مكبرا - فهو بالقبول أحرى، أقول هذا تحريرا للمراد من هذه اللفظة؛ وإلا فالربيع - هذا - قد عرفت ضعفه من قبل حفظه، لكن الحديث حسن أو صحيح لغيره. (ن)
ولا يخفاك أن الحجة لا تقوم بمثل هذا الحديث؛ لا سيما في مثل هذا الأمر العظيم؛ فإنه حكم بالربا الذي هو من أعظم معاصي الله سبحانه وتعالى على غير الأجناس التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يستلزم الحكم على فاعله بأنه مرتكب لهذه المعصية التي هي من الكبائر ومن القطعيات الشرعية.
ومع هذا؛ فإن هذا الإلحاق قد ذهب إليه الجمع الجم والسواد الأعظم، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية فقط.
وهذا الحديث - كما يدل على إلحاق غير الستة بها -؛ كذلك يدل على أن العلة الاتفاق في الكيل والوزن؛ مع اتحاد الجنس.
ومما يدل على أن الربا يثبت في غير هذه الأجناس: حديث ابن عمر في " الصحيحين "، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: أن يبيع الرجل ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا، وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا، وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام؛ نهى عن ذلك كله.
وفي لفظ لمسلم: وعن كل ثمر بخرصه.
فإن هذا الحديث يدل على ثبوت الربا في الكرم والزبيب (1) ؛ ورواية مسلم تدل على أعم من ذلك.
ومما يدل على الإلحاق ما أخرجه مالك في " الموطإ "، عن سعيد بن
(1) • هذه الدلالة غير ظاهرة؛ بل المراد من النهي ما فيه من الغرر، كما سبق في الكتاب عن مالك.
نعم؛ بيع ثمر النخل بالتمر كيلا فيه الأمران؛ الغرر والربا؛ فتأمل!
وبالجملة؛ فلا دليل في الحديث على الإلحاق المذكور. (ن)
المسيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان.
وأخرجه أيضا الشافعي، وأبو داود في " المراسيل "، ووصله الدارقطني في " الغريب عن مالك "، عن الزهري، عن سهل بن سعد، وحكم بضعفه، وصوب الرواية المرسلة، وتبعه ابن عبد البر.
وله شاهد من حديث ابن عمر عند البزار، وفي إسناده ثابت بن زهير، وهو ضعيف.
وأخرجه أيضا من رواية أبي أمية بن يعلى عن نافع أيضا، وأبو أمية ضعيف.
وله شاهد أقوى منه؛ من رواية الحسن عن سمرة عند الحاكم (1) ، والبيهقي، وابن خزيمة.
ومما يؤيد ذلك حديث رافع بن خديج، وسهل بن أبي حثمة، عند الترمذي في رخصة العرايا؛ وفيه: وعن بيع العنب بالزبيب، وعن كل ثمر بخرصه (2) .
ومما يدل على أن المعتبر الاتفاق في الوزن: حديث أبي سعيد عند أحمد، ومسلم، بلفظ: " لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق؛ إلا
(1) • في " المستدرك "(2 / 35) ، و " البيهقي "(5 / 288) ؛ وأعله بالخلاف في سماع الحسن من سمرة.
وسيأتي لفظ الحديث في الكتاب، ويأتي تحقيق القول فيه هناك؛ إن شاء الله تعالى. (ن)
(2)
• هذا في الدلالة؛ مثل حديث ابن عمر في " الصحيحين "، وقد ذكرنا آنفا ما فيها. (ن)
وزنا بوزن، مثلا بمثل، سواء بسواء ".
وأخرج أحمد، ومسلم، والنسائي من حديث أبي هريرة:" الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل، والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل ".
وعند مسلم، والنسائي، وأبي داود، من حديث فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تبيعوا الذهب بالذهب؛ إلا وزنا بوزن ".
ومما ورد في اعتبار الكيل: حديث ابن عمر المتقدم وفيه: " وإن كان كرما أن تبيعه بزبيب كيلا "، وما سيأتي قريبا من النهي عن بيع الصبرة لا يعلم كيلها.
أقول: أما اختلاف مثبتي القياس في علة الربا؛ فليس على شيء من هذه الأقوال حجة نيرة، إنما هي مجرد تظننات وتخمينات؛ انضمت إليها دعاوى طويلة بلا طائل.
هذا يقول: العلة التي ذهب إليها ساقه إلى القول بها مسلك من مسالك العلة كتخريج المناط.
والآخر يقول: ساقه إلى ما ذهب إليه مسلك آخر كالسبر والتقسيم.
ونحن لا نمنع كون هذه المسالك تثبت بمثلها الأحكام الشرعية؛ بل نمنع اندراج ما زعموه علة في هذا المقام تحت شيء منها، فما أحسن الاقتصار على نصوص الشريعة؛ وعدم التكليف بمجاوزتها، والتوسع في تكليفات العباد بما هو تكليف محض.
ولسنا ممن يقول بنفي القياس؛ لكنا نقول بمنع التعبد به فيما عدا العلة المنصوصة، وما كان طريق ثبوته فحوى الخطاب.
وليس ما ذكروه ههنا من هذا القبيل؛ فليكن هذا المبحث على ذكر منك؛ تنتفع به في مسائل كثيرة.
قال الماتن رحمه الله في كتابه " السيل الجرار ":
" ولا يخفاك أن ذكره صلى الله عليه وسلم للكيل والوزن في الأحاديث؛ لبيان ما يتحصل به التساوي في الأجناس المنصوص عليها، فكيف كان هذا الذكر سببا لإلحاق سائر الأجناس المتفقة في الكيل والوزن بهذه الأجناس الثابتة في الأحاديث؟ {وأي تعدية حصلت بمثل ذكر ذلك؟} وأي مناط استفيد منها؛ مع العلم أن الغرض بذكرها هو تحقيق التساوي؛ كما قال: " مثلا بمثل سواء بسواء "؟ {
وأما الاتفاق في الجنس والطعم كما قال الشافعي، واستدلوا على ذلك بما ثبت في " صحيح مسلم "، وغيره من حديث معمر بن عبد الله، قال: كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الطعام بالطعام مثلا بمثل "، وكان طعامنا يومئذ الشعير؛ فأقول: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الطعام؛ فكان ماذا؟} وأي دليل على أنه أراد بهذا الذكر الإلحاق؟ {وأي فهم يسبق إلى كون ذلك هو العلة المعدية حتى تركب عليها القناطر وتبنى عليها القصور؟} ويقال: هذا دليل على أن كل ما له طعم كان بيعه بما له طعم متفاضلا ربا! مع أن أول ما يدفع هذا الاستدلال الذهب والفضة؛ اللذان هما أول منصوص عليه في الأحاديث المصرحة بذكر الأجناس التي تحرم فيها الربا.