الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال في " المسوى ": " الاعتكاف جائز في كل مسجد، فإن لم يكن المسجد جامعا: فالخروج للجمعة واجب عليه، فإذا خرج يبطل اعتكافه عند الشافعي، فيحتاج إلى نية جديدة لما يستقبله إن كان تطوعا، ولا يبطل عند أبي حنيفة كما لو خرج لقضاء الحاجة ".
أقول: لا ريب أن مسمى الاعتكاف الشرعي لا يحصل إلا إذا كان في المسجد، ولهذا لم تختلف الأمة في اعتبار ذلك؛ إلا ما يروى عن محمد بن عمر بن لبابة المالكي؛ فإنه أجازه في كل مكان.
وإنما اختلفوا هل يجزىء الاعتكاف في كل مسجد؟ أم في الثلاثة المساجد فقط؟ أم في المسجد الحرام فقط؟
والظاهر أنه يجزىء في كل مسجد؛ قال - تعالى -: {وأنتم عاكفون في المساجد} ؛ ولا حجة في قول عائشة، ولا في قول حذيفة (1) في هذا الباب.
(
[أفضل الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان] :)
(وهو في رمضان آكد سيما في العشر الأواخر منه) : أفضل وآكد؛ لكونه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فيها؛ ولم يرد ما يدل على توقيته بيوم أو أكثر، ولا على اشتراط الصيام؛ إلا من قول عائشة.
وحديث نذر عمر - المتقدم - يرده.
(1) قول عائشة سيأتي في الكلام على خروج المعتكف؛ وهو حديث صحيح مرفوع حكما.
وقول حذيفة سبق قريبا، وهو حديث مرفوع أيضا. (ش)
وكذلك حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ليس على المعتكف صيام؛ إلا أن يجعله على نفسه "(1) ، أخرجه الدارقطني، والحاكم، وقال:" صحيح الإسناد "، ورجح الدارقطني، والبيهقي وقفه.
وبالجملة: فلا حجة إلا في الثابت من قوله صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عنه ما يدل على أنه لا اعتكاف إلا بصوم، بل ثبت عنه ما يخالفه في نذر عمر.
وقد روى أبو داود عن عائشة مرفوعا من حديث: " ولا اعتكاف إلا بصوم ".
ورواه غيره من قولها، ورجح ذلك الحفاظ.
أقول: اعلم أن كون الشيء شرطا لشيء آخر، أو ركنا له أو فرضا من فروضه: لا يثبت إلا بدليل؛ لأنه حكم شرعي أو وضعي، ولم يأت ما يدل على أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم، بل ثبت الترغيب منه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف؛ ولم ينقل إلينا أنه اعتبر ذلك، ولو كان معتبرا؛ لبينه للأمة.
وأما اعتكافه صلى الله عليه وسلم في صومه: فلا يستلزم أن يكون الاعتكاف كذلك؛ لأنه أمر اتفاقي، ولو كان ذلك معتبرا؛ لكان اعتكافه في مسجده معتبرا؛ فلا يصح من أحد الاعتكاف في غيره، وأنه باطل.
وأما قول عائشة المتقدم: فظاهر هذا السياق أن لفظ: " ولا اعتكاف إلا بصوم "؛ ليس من بيان السنة المذكورة في أول كلامها، بل ابتداء كلام منها، فقد أخرجه النسائي؛ ولم يذكر فيه قولها: من السنة.
(1) هو حديث ضعيف؛ انظر " ضعيف الجامع "(4896) .
وكذلك أخرجه أيضا من حديث مالك؛ وليس فيه ذلك.
وقال أبو داود: غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: من السنة.
وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها: لا يخرج، وما عداه ممن دونها.
وكذلك رجح ذلك البيهقي (1) ؛ كما ذكره ابن كثير في " إرشاده ".
ومما يؤيد هذا: حديث: " من اعتكف فواق ناقة "، وكذلك حديث:" ليس على المعتكف صيام "؛ وفيهما مقال أوضحه الماتن رحمه الله في " شرح المنتقى ".
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، أنه اعتكف عشرا من شوال، ولم ينقل عنه أنه صامها، بل روي (2) عنه أنه اعتكف العشر الأول من شوال، ولا يخفى أن يوم الفطر من جملتها، وليس بيوم صوم.
فالحق عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف لما تقدم، ولما ثبت: أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ فقال: " أوف بنذرك "؛ وهو متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: " يوما " مكان: " ليلة ".
وما في " الصحيحين " أرجح مما في أحدهما؛ إذا لم يمكن الجمع.
(1) • وتبعه الحافظ في " بلوغ المرام "، كما ذكرته في " التعليقات "(4 / 43) . (ن)
(2)
• قوله: " روي " تساهل من المؤلف رحمه الله؛ لأن هذه الرواية في " صحيح مسلم "(3 / 175) ، وفي " البيهقي "(4 / 315) و " أبي داود "(1 / 386) . (ن)