الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا يدل على التحريم بالقرآن فيكون ما هو قطعي المتن ناسخا لما هو قطعي المتن، وإن كان التحليل قطعيا - لكونه قد وقع الإجماع من الجميع عليه في أول الأمر -؛ فيقال: وقد وقع الإجماع أيضا على التحريم في الجملة عند الجميع، وإنما الخلاف في التأبيد هل وقع أم لا؟ وكون هذا التأبيد ظنيا؛ لا يستلزم ظنية التحريم الذي وقع النسخ به.
فالحاصل؛ أن الناسخ للتحليل المجمع عليه هو التحريم المجمع عليه المقيد بقيد ظني، وهو التأبيد، فالناسخ والمنسوخ قطعيان.
هذا على التسليم أن ناسخ القطعي لا يكون إلا قطعيا؛ كما قرره جمهور أهل الأصول، وإن كنت لا أوافقهم على ذلك.
(2 -
[نكاح التحليل حرام] :)
(والتحليل حرام) ؛ لحديث ابن مسعود عند أحمد، والنسائي، والترمذي، - وصححه -، قال:
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلِّل والمحلَّل له.
وصححه أيضا ابن القطان، وابن دقيق العيد.
وله طريق أخرى؛ أخرجها عبد الرزاق، وطريق ثالثة؛ أخرجها إسحاق في " مسنده ".
وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وصححه ابن السكن، من حديث علي مثله.
وأخرج ابن ماجه، والحاكم، من حديث عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ "، قالوا بلى يا رسول الله! قال: هو " المحلل؛ لعن الله المحلل والمحلل له ".
وفي إسناده يحيى بن عثمان، وهو ضعيف، وقد أعل بالإرسال (1) .
وأخرج أحمد، والبيهقي، والبزار، وابن أبي حاتم، والترمذي في " العلل "، من حديث أبي هريرة نحوه، وحسنه البخاري (2) .
(1) • يعني الانقطاع بين الليث بن سعد ومشرح بن هاعان؛ والحق أن الحديث حسن الإسناد؛ كما صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في " إبطال التحليل "(3 / 155 - 156 - من " الفتاوى ") ، وأجاب عما أعل به الحديث جوابا شافيا، ونقله عنه تلميذه في " إعلام الموقعين "(3 / 56 - 58) .
والحديث عند ابن ماجه (1 / 597) ، و " المستدرك "(2 / 198 - 199)، عن يحيى بن عثمان ابن صالح: ثنا أبي، قال: سمعت الليث بن سعد يقول: قال [لي] أبو مصعب مشرح بن هاعان، عن عقبة
…
به.
وزيادة (لي) عند ابن ماجه؛ فهي ترد الانقطاع المزعوم فيه، ويؤيد ذلك أن الحاكم رواه من طريق أبي صالح - وهو كاتب الليث - ثنا الليث بن سعد، قال: سمعت مشرح بن هاعان
…
به.
ففيه التصريح بسماع الليث من مشرح.
وفيه أن يحيى بن عثمان لم يتفرد به؛ ولذلك فقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وهذا يدلنا على أن المصنف عندما يتكلم على الأحاديث لا يراجع أصولها ومصادرها الأساسية؛ وإنما ينقل ذلك عن بعض المتأخرين؛ وإلا فلو راجع تلك الأصول؛ لما أعله بضعف يحيى؛ مع أنه ورد من غير طريقه، ولا بالانقطاع؛ مع التصريح بالسماع في بعض طرقه.
ثم الحديث عند الدارقطني (ص 395) ؛ من طريق أبي صالح، وعند البيهقي (7 / 280) ؛ طريق الحاكم؛ ورواه من طريق محمد بن إسحاق: أبنا عثمان بن صالح
…
به.
فهذه متابعة تامة ليحيى بن عثمان.
(2)
• وقال شيخ الإسلام: " إسناده جيد "؛ وتبعه ابن القيم، وهو كما قالا. (ن)
وأخرج الحاكم، والطبراني في " الأوسط "، من حديث عمر (1) : أنهم كانوا يعدون التحليل سفاحا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال في " تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين ": " رواه ابن ماجه بإسناد رجاله موثقون ".
وصح عن عمر أنه قال: لا أوتى بمحلل ومحلل له إلا رجمتهما.
رواه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، في " مصنفيهما "، وابن المنذر في " الأوسط ".
وروى ابن أبي شيبة، عن ابن عمر، أنه سئل عن ذلك؟ فقال: كلاهما زان.
والكلام في ذلك عن الصحابة والتابعين طويل، قد أطال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية الكلام عليه، وأفرده مصنفا سماه:" بيان الدليل على إبطال التحليل ". انتهى.
أقول: حديث لعن المحلل مروي من طريق جماعة من الصحابة بأسانيد بعضها صحيح، وبعضها حسن.
واللعن لا يكون إلا على أمر غير جائز في الشريعة المطهرة،؛ بل على
(1) • كذا! وتبع فيه الشوكاني في " النيل "(6 / 119) ؛ وهو وهم منهما؛ وإنما الأثر عن ابن عمر، لا عن أبيه، كذلك هو في " المستدرك "(2 / 198) ، والطبراني كما في " المجمع "(4 / 267)، وقال:" ورجاله رجال الصحيح "، وقال الحاكم:" صحيح عن شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا.
وعزوه لابن ماجه أظنه خطأ؛ فليراجع. (ن)
ذنب هو من أشد الذنوب.
فالتحليل غير جائز في الشرع، ولو كان جائزا لم يلعن فاعله والراضي به، وإذا كان لعن الفاعل لا يدل على تحريم فعله؛ لم تبق صيغة تدل على التحريم قط، وإذا كان هذا الفعل حراما غير جائز في الشريعة؛ فليس هو النكاح الذي ذكره الله في قوله:{حتى تنكح زوجا غيره} ، كما أنه لو قال: لعن الله بائع الخمر؛ لم يلزم من لفظ (بائع) أنه قد جاز بيعه وصار من البيع الذي أذن فيه بقوله: {وأحل الله البيع} ؛ والأمر ظاهر.
قال ابن القيم:
" ونكاح المحلل لم يبح في ملة من الملل قط، ولم يفعله أحد من الصحابة، ولا أفتى به واحد منهم
…
، ثم سل من له أدنى اطلاع على أحوال الناس: كم من حرة مصونة، أنشب فيها المحلل مخالب إرادته؟ ! فصارت له بعد الطلاق من الأخدان، وكان بعلها منفردا بوطئها؛ فإذا هو والمحلل ببركة التحليل شريكان، فلعمر الله كم أخرج التحليل مخدرة من سترها إلى البغاء، [وألقاها بين براثن العشراء والحرفاء](1) ، ولولا التحليل؛ لكان منال الثريا دون منالها، والتدرع بالأكفان دون التدرع بجمالها، وعناق القنا دون عناقها، والأخذ بذراع الأسد دون الأخذ بساقها ".
وأما هذه الأزمان التي شكت الفروج فيها إلى ربها من مفسدة التحليل،
(1) • التصحيح من " الإعلام "(3 / 55) .
وقوله: " وأما في هذه الأزمان " إلى قوله: " الفعل الدون "؛ هو في الصفحة (53) منه، وله عنده تتمة، أشار إليها المصنف بقوله: إلى غير ذلك، لكن قوله بعده: انتهى؛ أوهم أن ذلك القول من تمام كلام ابن القيم؛ وليس منه، والله أعلم. (ن)