الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله البيع وحرم الربا} ، وبالمتشابه من قياس في غاية الفساد، وهو قولهم: الرطب والتمر إما أن يكونا جنسين؛ وإما أن يكون جنسا واحدا، وعلى التقديرين؛ فلا يمنع بيع أحدهما بالآخر.
قال ابن القيم:
" وإذا نظرت إلى هذا القياس؛ رأيته مصادما للسنة أعظم مصادمة، ومع أنه فاسد في نفسه - بل هما جنس واحد أحدهما أزيد من الآخر قطعا بنية -؛ فهو أزيد أجزاء من الآخر بزيادة لا يمكن فصلها وتميزها، ولا يمكن أن يجعل في مقابلة تلك الأجزاء من الرطب ما يتساويان به عند الكمال؛ إذ هو ظن وحسبان، فكان المنع من بيع أحدهما بالآخر محض القياس، لو لم تأت به سنة، وحتى لو لم يكن ربا، ولا القياس يقتضيه؛ لكان أصلا قائما بنفسه يجب التسليم والانقياد له، كما يجب التسليم لسائر نصوصه المحكمة ". انتهى.
(
[رخص صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا] :)
(إلا لأهل العرايا) ؛ لحديث زيد بن ثابت عند البخاري، وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا؛ أن تباع بخرصها كيلا.
وفي لفظ (1) في " الصحيح ": رخص في العرية يأخذها أهل البيت (2)
(1) • هذا يوهم أنه من حديث زيد بن ثابت؛ وليس كذلك؛ وإنما هو من حديث سهل بن أبي حثمة؛ كما في " البخاري "(4 / 309) . (ن)
(2)
• الظاهر أنه الذي أعراها، ويحتمل أن يراد بالأهل من قصد إليه الشراء، كما في " الفتح "(4 / 312) وغيره.
وعلى الأول؛ فهو دليل لقول مالك الآتي تفسير العرية، ولكنه لا ينفي أن يكون غير هذه الصورة عرية؛ انظر " الفتح ". (ن)
بخرصها تمرا يأكلونها رطبا.
وأخرج أحمد (1) ، والشافعي، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم من حديث جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول - حين أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بخرصها -: " الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة
…
".
وفي الباب أحاديث.
والمراد: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للفقراء الذين لا نخل لهم أن يشتروا من أهل النخل رطبا يأكلونه في شجرة بخرصه تمرا.
والعرايا: جمع عرية، وهي في الأصل: عطية ثمر النخل دون الرقبة.
وقد ذهب إلى ذلك الجمهور، ومن خالف فالأحاديث ترد عليه.
قلت: العرية: فعيلة بمعنى مفعولة؛ من عراه يعروه إذا قصده، وهي عقد مقصود.
أو: بمعنى فاعلة من عري يعرى إذا خلع ثوبه كأنها عريت (2)، وهي:
(1) • في " المسند "(3 / 360) ؛ وسنده حسن؛ فقد صرح عنده ابن إسحاق بالتحديث.
وأخرجه البيهقي (5 / 311) من طريق الحاكم وغيره؛ ولم أره في " البيوع " من " المستدرك "؛ والله أعلم.
وأخرجه الطحاوي (2 / 213) ؛ وزاد في رواية: وقال: " في كل عشرة أقناء قنو؛ يوضع في المسجد للمساكين "، وكذلك رواه أبو يعلى؛ كما في " المجمع "(4 / 103) . (ن)
(2)
• قلت: كذا في " النهاية " لابن الأثير، وزاد:" كأنها عريت من جملة التحريم فعريت - أي: خرجت - ".
وقد ذكر أن في تفسير العرية اختلافا، ثم ذكر قولا في معنى ما في الكتاب من المراد، ثم لم يذكر غيره، فكأنه اعتمده.
واعلم أن للعرية صورا كثيرة، ذكرها الحافظ في " الفتح "(4 / 311) ، ويدور غالبها على أن البائع هو صاحب النخل، أو الذي وهبت له ثمرها، وهذا قد يبيعها المالك رقبتها أو لغيره.
بيع الرطب على النخل بتمر في الأرض، والعنب في الشجر بزبيب فيما دون خمسة أوسق.
وقال محمد (1) : وبهذا نأخذ.
ولفظ البخاري في: (باب تفسير العرايا)(2) : " قال مالك: العرية: أن يعري الرجل الرجل النخلة، ثم يتأذى بدخوله عليه، فرخص له أن يشتريها منه بتمر.
وقال ابن إدريس (3) : العرية: لا تكون إلا بالكيل من التمر يدا بيد، ولا تكون بالجزاف.
ومما يقويه قول ابن أبي حثمة بالأوسق الموسقة.
وقال ابن إسحاق: في حديثه عن نافع عن ابن عمر: كانت العرايا؛ أن يعري الرجل الرجل في ماله النخلة والنخلتين.
وقال يزيد (4) : عن سفيان بن حسين: العرايا: نخل كانت توهب
ويشهد للأول تفسير بعض الصحابة؛ ففي " المسند "(5 / 365) عن بشر بن يسار، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رخص صلى الله عليه وسلم في العرية، قال: والعرية: النخلة أو النخلتان يشتريهما الرجل، بخرصهما من الثمر فيضمنهما؛ فرخص في ذلك.
وسنده صحيح على شرطهما.
ويشهد للآخر حديث زيد بن ثابت، قال: رخص في العرايا من النخلة والنخلتين توهبان للرجل.
رواه الطحاوي (2 / 215) بسند صحيح، ومسلم، والبيهقي (5 / 310) بنحوه. (ن)
(1)
• في " موطإه "(ص 327) . (ن)
(2)
• (3 / 310 - " فتح الباري ") . (ن)
(3)
• هو الإمام الشافعي؛ فيما رجحه الحافظ. (ن)
(4)
• تابعه محمد بن يزيد؛ وهو الواسطي؛ عند أحمد (5 / 192) . (ن)
للمساكين؛ فلا يستطيعون أن ينتظروا بها، رخص لهم أن يبيعوها بما شاؤوا من التمر ". انتهى.
أقول: العرايا؛ أصلها أن العرب كانت تطوع على من لا ثمر له؛ كما يتطوع صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة، وهي عطية اللبن دون الرقبة.
قال الجوهري في " الصحاح ":
" العرية: هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا؛ بأن يجعل له ثمرها عاما؛ من عراه إذا قصده ". انتهى.
فرخص صلى الله عليه وسلم لمن لا نخل لهم أن يشتري الرطب على النخل بخرصها تمرا؛ كما وقع في " الصحيحين " وغيرهما من حديث زيد بن ثابت.
وفي لفظ في " الصحيحين " من حديثه: رخص في العرايا يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا؛ يأكلونها رطبا.
وفي لفظ لهما من حديثه: ولم يرخص في غير ذلك.
فهذا جائز، والذي أخبرنا بتحريم الربا، ومنعنا من المزابنة هو الذي رخص لنا في العرايا، والكل حق وشريعة واضحة وسنة قائمة، ومن منع ذلك؛ فقد تعرض لرد الخاص بالعام، ولرد الرخصة بالعزيمة، ولرد السنة بمجرد الرأي، وهكذا من منع من البيع وجوز الهبة؛ كما روي عن أبي حنيفة رحمه الله، ولكن هذه الرخصة مقيدة بأن يكون الشراء بالوسق والوسقين والثلاثة والأربعة؛ كما وقع في حديث جابر عند الشافعي، وأحمد، وصححه