الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[ما هي العمرى
؟] :)
(والعمرى) : بضم العين المهملة، وسكون الميم مع القصر - عند الأكثر -؛ وهي مأخوذة من العمر، وهو الحياة؛ سميت بذلك؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يعطي الرجل الرجل الدار، ويقول له: أعمرتك إياها؛ أي: أبحتها لك مدة عمرك وحياتك، فقيل لها: عمرى؛ لذلك.
(
[ما هي الرقبى
؟] :)
(والرقبى) : بوزن العمرى: مأخوذة من المراقبة؛ لأن كل واحد منهما يرقب الآخر؛ متى يموت لترجع إليه؟ وكذا ورثته يقومون مقامه، هذا أصلهما لغة.
(
[بيان أن العمرى والرقبى يوجبان الملك للمعمَر والمرقب ولعقبه أبدا] :)
(توجبان الملك للمعمر والمرقب ولعقبه من بعده؛ لا رجوع فيهما) ؛ لحديث أبي هريرة في " الصحيحين "، وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" العمرى ميراث لأهلها - أو قال: جائزة - ".
وفيهما من حديث جابر، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له.
وفي لفظ لمسلم: " فمن أُعمر عمرى فهي للذي أعمر حيا وميتا ولعقبه ".
وفي لفظ لأحمد (1) ، ومسلم (2)، وأبي داود: إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت؛ فإنها ترجع إلى صاحبها.
ولكن قد قيل: إن ذلك من كلام أبي سلمة مدرج (3) في حديث جابر؛ فلا تقوم بهذه الرواية الحجة، ولا تصلح لتقييد الأحاديث المطلقة؛ كالحديثين المتقدمين.
وحديث زيد بن ثابت - عند أحمد (4) ، وأبي داود، وابن ماجه، وابن
(1) • (3 / 136) . (ن)
(2)
• (5 / 68) . (ن)
(3)
• فيه نظر، ولا أعلم أحدا سبقه إلى هذا، وغالب الظن أنه اختلط عليه الأمر بحديث آخر فيه زيادة في آخره، مال الحافظ إلى أنها مدرجة!
ونص هذا الحديث عن جابر أيضا: " أيما رجل أعمر رجلا عمرى له ولعقبه، فقال: قد أعطيتكها وعقبك ما بقي منكم أحد؛ فإنها لمن أعطيها، وإنها لا ترجع إلى صاحبها؛ من أجل أنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث "؛ أخرجه مسلم (5 / 67 - 68)، وأحمد (3 / 399) ؛ من طريق ابن جريج: أخبرني ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر؛ مرفوعا.
وهكذا أخرجه مالك في " الموطإ "(2 / 225) - ومن طريقه مسلم -، عن ابن شهاب
…
به.
ثم أخرجه مسلم؛ من طريق الليث، عن ابن شهاب
…
به، دون قوله في آخره: " من أجل
…
"؛ وبين في رواية أخرى؛ من طريق ابن أبي ذئب، عن الزهري أن هذه الزيادة من قول أبي سلمة؛ قال الحافظ في " الفتح " (5 / 182) : " وقد أوضحته في كتاب " المدرج "
…
".
فتبين أن المدرج في حديث جابر؛ إنما هو التعليل، وأما أصل الحديث بجميع رواياته؛ فصحيح لا علة فيها.
وهي جميعها تتفق مع الرواية التي ذكرها الشارح؛ وإنما الفرق؛ أن تلك تدل - بطريق المفهوم - على ما دلت عليه في رواية الشارح - بطريق المنطوق -؛ فتأمل (ن)
(4)
• في " المسند "(5 / 189) ، والبيهقي (6 / 175) ؛ بسند صحيح. (ن)
حبان - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أعمر عمرى؛ فهي لمعمره حياته ومماته، لا ترقبوا؛ من أرقب شيئا فهو سبيل الميراث ".
وأخرج أحمد، والنسائي (1) من حديث ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تعمروا ولا ترقبوا؛ فمن أعمر شيئا أو أرقبه؛ فهو له حياته ومماته "؛ ورجال إسناده ثقات.
وورد في محل النزاع ما أخرجه النسائي (2) من حديث جابر بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالعمرى - أن يهب الرجل - الرجل ولعقبه - الهبة، ويستثني إن حدث بك حدث ولعقبك؛ فهي إلي وإلى عقبي -؛ أنها لمن أعطاها ولعقبه.
وهكذا ما أخرجه أحمد من حديث جابر: أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخيل حياتها، فماتت، فجاء إخوته فقالوا: نحن فيه شرع سواء، قال: فأبى، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقسمها بينهم ميراثا؛ ورجاله رجال الصحيح (3) .
وقد أخرجه - أيضا - أبو داود.
(1) • (3 / 294) . (ن)
قلت: وصححه شيخنا في " الإرواء "(1609) .
(2)
• في " السنن "(2 / 137) ، والبيهقي (6 / 172) ؛ بسند صحيح. (ن)
(3)
• قلت: وهو صحيح، وقد ساق إسناده في " نصب الراية "(4 / 128) .
وهو عند أبي داود (2 / 11) من طريق أخرى عن جابر؛ ورجاله ثقات؛ إلا أن حبيب بن أبي ثابت مدلس، وقد عنعنه؛ ومن طريقه أخرجه البيهقي (6 / 174) . (ن)
فهذا وما قبله؛ يفيد أنها تكون للوارث وإن لم يذكر؛ بل ذكر الموروث؛ بل وإن استثنى وقال: إن حدث بك حدث فهي إلي؛ فإن ذلك لا يفيد، بل يكون للمعمر والمرقب ولورثته من بعده.
وقد ذهب إلى هذا جماعة من الشافعية.
وذهب الجمهور إلى أنه إذا قال: هي لك ما عشت؛ فإذا مت رجعت إلي؛ فهي عاريّة مؤقتة، ترجع إلى المعمر عند موت المعمر، وتمسكوا برواية جابر المتقدمة.
وقد قدمنا ما قيل فيها من الإدراج (1) .
ثم اعلم أن الهبة تصح بمجرد الإيجاب، ولا تفتقر إلى قبول، ولكنها تبطل بالرد، ومن زعم أنها لا تتم إلا بالقبول احتاج إلى الدليل.
ولا حجة لمن اشترط القبض في الهبة (2) ، ومن كان له صبر على الفاقة وقلة ذات اليد، فلا بأس بالتصدق بأكثر ماله أو بكله، ومن كان يتكفف الناس إذا احتاج؛ لم يحل له أن يتصدق بجميع ماله ولا بأكثره، وهذا هو وجه الجمع بين الأحاديث الدالة على أن مجاوزة الثلث غير مشروعة، وبين
(1) • قلت: قد بينت آنفا أن لا إدراج؛ فلم يتم الجواب.
والصواب أن يقال: إن رواية جابر ليست مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من قوله، وقد عارضه حديثه الآخر عند أحمد وغيره، وهو المرفوع إليه صلى الله عليه وسلم؛ فهو مقدم على الموقوف؛ كما لا يخفى! (ن)
(2)
• وأما حديث: " لا تجوز الهبة إلا مقبوضة "؛ فلا أصل له؛ كما أشار لذلك في " نصب الراية "(4 / 121) . (ن)
الأدلة التي دلت على مشروعية التصدق بزيادة على الثلث.
وأما رجوع الوالد في هبة الولد؛ فيستدل على ذلك بما أخرجه أهل السنن، وصححه الترمذي من حديث ابن عمر، وابن عباس قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها؛ إلا الوالد فيما يعطي ولده ".
وظاهر الحديث تحريم الرجوع في الهبة مطلقا؛ إلا ما تقدم تخصيصه؛ إلا أن يصح ما أخرجه الحاكم (1) من حديث الحسن، عن سمرة - مرفوعا - بلفظ:" إذا كانت الهبة لذي رحم محرم، لم يرجع "؛ ورواه الدارقطني (2) من حديث ابن عباس؛ قال ابن الجوزي: وهما ضعيفان، وقال الحافظ: في إسناد الثاني ضعف.
فإذا انتهضا للاحتجاج؛ كانا مخصصين لذي الرحم من العموم، وكذلك إذا صح حديث أبي هريرة الذي رواه ابن حزم (3) مرفوعا بلفظ: " الواهب أحق
(1) • ضعفه البيهقي (6 / 181) ، وراجع " إعلام الموقعين "(2 / 399) . (ن)
(2)
• قلت: إنما روى الدارقطني (ص 307) عن ابن عباس حديثا آخر؛ لفظه: " من وهب هبة فارتجع بها؛ فهو أحق بها ما لم يثب عليها، ولكنه كالكلب يعود في قيئه ".
وفي سنده كذاب ومتروك. (ن)
(3)
• في " المحلى "(10 / 130) ؛ من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عمرو بن دينار، عن أبي هريرة؛ مرفوعا.
ثم ضعفه ابن حزم بالانقطاع بين عمرو وأبي هريرة، وضعف إبراهيم هذا.
وبالجملة؛ فالحديث ضعيف من جميع طرقه، فلا يصلح للتخصيص. (ن)
بهبته ما لم يثب فيها (4) ".
وأخرج الطبراني في " الكبير " عن ابن عباس مرفوعا: " من وهب هبة؛ فهو أحق بها حتى يثاب عليها "(5)، وقد ضعف حديث أبي هريرة: ابن الجوزي، وصححه الحاكم (6) من قول عمر.
فإن صح الحديثان أو أحدهما؛ كانا مخصصين للهبة التي لم يثب عليها، فيجوز الرجوع فيها.
وأما حديث " الصحيحين " بلفظ: " العائد في هبته كالعائد يعود في قيئه ".
وزاد البخاري: " ليس لنا مثل السوء "، وثبت بلفظ:" لا يحل " كما في حديث ابن عمر، وابن عباس، والرواية التي فيها:" كالكلب يعود في قيئه "؛ ليست إلا المبالغة في الزجر.
وليس المراد بالحديث إلا تمثيل فعل الراجع في الهبة بالكلب العائد في قيئه، وهذه صورة في غاية الشناعة والفظاعة.
وليس المراد بيان ما يجوز للكلب من الرجوع في قيئه، وليس في الشرع
(4) • أعله الدارقطني والبيهقي بالوقف. (ن)
(5)
• فيه ابن أبي ليلى؛ وهو ضعيف لسوء حفظه. (ن)
(6)
• الذي صححه من قول عمر؛ إنما هو البيهقي والدارقطني.
والحاكم صححه مرفوعا عن ابن عمر.
وتعقب بأن الصواب وقفه على عمر. (ن)
ما يدل على ألفاظ مخصوصة، ولا على مجلس، ولا على قبض.
ومن زعم أن في الشريعة ما يدل على شيء من ذلك؛ فهو مطالب بالدليل، والفرق بين الحقوق والأملاك - وجعل كل واحد منهما مختصا بشيء مما تحت يد الثابت عليه -؛ إنما هو مجرد اصطلاح من بعض أهل الفروع.
وإذا عرفت ذلك هان عليك الخطب، ولم تحتج إلى الاشتغال بما في ذلك من التفاريع والتفاصيل.