الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الصحابة، فيها الصحيح والحسن وما دونهما، فاعتباره متحتم.
وعقد غيره مع عدم عضله باطل بنص الحديث، لا فاسد؛ على تسليم أن الفساد واسطة بين الصحة والبطلان.
ولا يعارض هذه الأحاديث حديث: " الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن "، ونحوه كحديث:" ليس للولي مع الثيب أمره، واليتيمة تستأمر "(1) ؛ لأن المراد أنها أحق بنفسها في تعيين من تريد نكاحه إن كانت ثيبا، والبكر يمنعها الحياء من التعيين، فلا بد من استئذانها، وليس المراد أن الثيب تزوج نفسها، أو توكل من يزوجها مع وجود الولي؛ فعقد النكاح أمر آخر.
وبهذا تعلم أن لا وجه لما ذهبت إليه الظاهرية؛ من اعتبار الولي في البكر دون الثيب.
والولي عند الجمهور هو الأقرب من العصبة (2)، وروي عن أبي حنيفة: أن ذوي الأرحام من الأولياء.
(
[من هو الولي
؟] :)
أقول: الذي ينبغي التعويل عليه عندي هو أن يقال: " إن الأولياء هم
(1) قلت: هو حديث ضعيف؛ انظر تضعيفه في " الصحيحة "(تحت الحديث 1216) وفي " ضعيف الجامع ".
(2)
• في " النهاية ": " العصبة: الأقارب من جهة الأب؛ لأنهم يعصبونه، ويعتصب بهم؛ أي: يحيطون به، ويشتد بهم ". (ن)
قرابة المرأة الأدنى فالأدنى، الذين يلحقهم الغضاضة إذا تزوجت بغير كفء، وكان المزوج لها غيرهم.
وهذا المعنى لا يختص بالعصبات؛ بل قد يوجد في ذوي السهام؛ كالأخ لأم، وذوي الأرحام؛ كابن البنت، وربما كانت الغضاضة معهما أشد منها مع بني الأعمام ونحوهم.
فلا وجه لتخصيص ولاية النكاح بالعصبات، كما أنه لا وجه لتخصيصها بمن يرث، ومن زعم ذلك فعليه الدليل، أو النقل بأن معنى الولي في النكاح - شرعا أو لغة - هو هذا.
وأما ولاية السلطان فثابتة بحديث: " إذا تشاجر الأولياء فالسلطان ولي من لا ولي لها "؛ فهذا الحديث، وإن كان فيه مقال (1) ؛ فهو لا يسقط به عن رتبة الاستدلال؛ وهو يدل على حكمين:
الأول: أن تشاجر الأولياء يوجب بطلان ولايتهم، ويصيرهم كالمعدومين.
الثاني: أنهم إذا عدموا كانت الولاية للسلطان (2) .
(1) • وهو أنه من رواية سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة؛ مرفوعا باللفظ المتقدم قبل صفحتين، فقيل: إن الزهري أنكره، فروى أحمد (6 / 47) : ثنا إسماعيل: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني سليمان بن موسى
…
به، قال ابن جريج: فلقيت الزهري، فسألته عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه، قال: وكان سليمان بن موسى وكان، فأثنى عليه، وقد رد المحققون المقال المذكور؛ بأن سليمان هذا ثقة بشهادة الزهري نفسه، فجائز أنه حدث سليمان بهذا الحديث، ثم نسيه، كما وقع ذلك لغيره، فلا يجوز رد الحديث بنسيانه مع حفظ سليمان له عنه، لا سيما ولم يتفرد به عنه، فراجع " نصب الراية "(2 / 184 - 187، 188 - 189) . (ن)
(2)
• والمراد به هنا القاضي؛ لأن إليه أمر الفروج والأحكام، كما قال أحمد في " المسند " عقب الحديث. (ن)
وإذا تحرر لك ما ذكرناه في الأولياء؛ فاعلم أن من غاب منهم عند حضور الكفء ورضا المكلفة به - ولو في محل قريب، إذا كان خارجا عن بلد المرأة ومن يريد نكاحها -؛ فهو كالمعدوم، والسلطان ولي من لا ولي له، اللهم إلا أن ترضى المرأة ومن يريد الزواج بالانتظار لقدوم الغائب، فذلك حق لهما، وإن طالت المدة.
وأما مع عدم الرضا فلا وجه لإيجاب الانتظار، ولا سيما مع حديث:" ثلاث لا يؤخرن إذا حانت - منها -: الأيم إذا حضر كفؤها "، كما أخرجه الترمذي والحاكم؛ وجميع ما ذكر من تلك التقديرات بالشهر وما دونه؛ ليس على شيء منها أثارة من علم.
ومع ذلك؛ فالقول بأن غيبة الولي الموجبة لبطلان حقه هي الغيبة التي يجوز الحكم معها على الغائب؛ هو قول مناسب إذا صح الدليل على أنه لا يجوز الحكم على الغائب؛ إلا إذا كان في مسافة القصر؛ فإن لم يصح دليل على ذلك؛ فالواجب الرجوع إلى ما ذكرناه.
فإن قلت: إذا كان ولي النكاح هو أعم من العصبات كما ذكرته؛ فما وجهه؟ قلت: وجهه أنا وجدنا الولاية قد أطلقت في كتاب الله - تعالى - على ما هو أعم من القرابة: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} ، ووجدناها قد أطلقت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو أخص من ذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم:" السلطان ولي من لا ولي له ".
ولا ريب أنه لم يكن المراد في الحديث ما في الآية؛ وإلا لزم أنه لا
ولاية للسلطان إلا عند عدم المؤمنين، وهو باطل؛ لأنه أحدهم؛ بل له مزية عليهم لا توجد في أفرادهم.
وإذا ثبت أنه لم يكن المراد بالولي في الحديث الأولياء المذكورين في الآية؛ فليس بعض من يصدق عليه اسم الإيمان أولى من بعض إلا بالقرابة؛ [فتبين أن المراد القرابة](1) ؛ ولا ريب أن بعض القرابة أولى من بعض.
وهذه الأولوية ليست باعتبار استحقاق نصيب من المال، أو استحقاق التصرف فيه حتى يكون كالميراث أو كولاية الصغير؛ بل باعتبار أمر آخر؛ وهو ما يجده القريب من الغضاضة التي هي العار اللاصق به، وهذا لا يختص بالعصبات كما بينا؛ بل يوجد في غيرهم، ولا شك أن بعض القرابة أدخل في هذا الأمر من بعض.
فالآباء والأبناء أولى من غيرهم، ثم الإخوة لأبوين، ثم الإخوة لأب أو لأم، ثم أولاد البنين وأولاد البنات، ثم أولاد الإخوة وأولاد الأخوات، ثم الأعمام والأخوال، ثم هكذا من بعد هؤلاء.
ومن زعم الاختصاص بالبعض دون البعض؛ فليأتنا بحجة، وإن لم يكن بيده إلا مجرد أقوال من تقدمه؛ فلسنا ممن يعول على ذلك؛ وبالله التوفيق.
قال في " الحجة ":
" وفي اشتراط الولي في النكاح تنويه أمرهم.
واستبداد النساء بالنكاح وقاحة منهن؛ منشؤها قلة الحياء، واقتضاب على
(1) • صح. (ن)
الأولياء، وعدم اكتراث بهم.
وأيضا؛ يجب أن يميز النكاح من السفاح بالتشهير؛ وأحق التشهير أن يحضر أولياؤها، ولا يجوز أن يحكم في النكاح النساء خاصة؛ لنقصان عقلهن، وسوء فكرهن؛ فكثيرا ما لا يهتدين للمصلحة.
ولعدم حماية الحسب منهن غالبا؛ فربما رغبن في غير الكفء، وفي ذلك عار على قومها، فوجب أن يجعل للأولياء شيء من هذا الباب؛ لتسد المفسدة.
وأيضا فإن (1) السنة الفاشية في الناس من قبل - ضرورة -؛ أنهن عوان (2) بأيديهم، وهو قوله - تعالى -:{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} ". انتهى.
قال الشافعي:
" لا ينعقد نكاح امرأة إلا بعبارة الولي القريب، فإن لم يكن؛ فبعبارة الولي البعيد، فإن لم يكن؛ فبعبارة السلطان، فإن زوجت نفسها أو غيرها بإذن الولي أو بغير إذنه؛ بطل ولم يتوقف ".
(1) • في العبارة شيء! ثم رجعت إلى الأصل المنقول عنه، وهو كتاب " حجة الله البالغة "(2 / 127) ، فتبين أن فيها سقطا نحو سطر، والصواب هكذا: " فإن السنة الفاشية في الناس من قبل - ضرورة جبلية -؛ أن يكون الرجال قوامين على النساء، ويكون بيدهم الحل والعقد، وعليهم النفقات، وإنما النساء عوان بأيديهم
…
". (ن)
(2)
العوان من النساء هي التي قد كان لها زوج؛ وقيل: الثيب. (ش)
• قلت: هذا التفسير هنا خطأ بيّن؛ فإنه مبني على أن " عوان "؛ مفرد " عون "؛ وليس كذلك؛ بل هو جمع " عانية " - وهي الأسيرة -؛ والجمع: عوان وعانيات، وهو المراد هنا. (ن)