الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8 -
باب الرضاع)
(
[بكم رضعة يثبت حكم الرضاع] :)
(إنما يثبت حكمه بخمس رضعات) ؛ لحديث عائشة عند مسلم، وغيره: أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نُسخ بخمس رضعات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهن فيما يُقرأ من القرآن.
وللحديث طرق ثابتة في " الصحيح ".
ولا يخالفه حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحرم المصة ولا المصتان "؛ أخرجه أحمد، ومسلم، وأهل " السنن "، وكذلك حديث أم الفضل عند مسلم وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان، والمصة والمصتان "، وفي لفظ:" لا تحرم الإملاجة (1) ولا الإملاجتان "، وأخرج نحوه أحمد، والنسائي، والترمذي من حديث عبد الله بن الزبير:
لأن غاية ما في هذه الأحاديث: أن المصة والمصتين، والرضعة والرضعتين، والإملاجة والإملاجتين؛ لا يحرمن.
وهذا هو معنى الأحاديث منطوقا، وهو لا يخالف حديث الخمس
(1) هي الإرضاعة الواحدة؛ مثل المصة.
وفي " القاموس ": " ملج الصبي أمه - كنصر وسمع -: تناول ثديها بأدنى فمه ". (ش)
الرضعات؛ لأنها تدل على أن ما دون الخمس لا يحرم.
وأما معنى هذه الأحاديث مفهوما - وهو أنه يحرم ما زاد على الرضعة والرضعتين -؛ فمدفوع بحديث الخمس، وهي مشتملة على زيادة، فوجب قبولها والعمل بها، ولا سيما عند قول من يقول: إن بناء الفعل على المنكر يفيد التخصيص.
والرضعة: هي أن يأخذ الصبي الثدي فيمتص منه، ثم يستمر على ذلك؛ حتى يتركه باختياره لغير عارض.
وقد ذهب إلى اعتبار الخمس: ابن مسعود، وعائشة، وعبد الله بن الزبير، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن حزم، وجماعة من أهل العلم.
وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب.
وذهب الجمهور إلى أن الرضاع الواصل إلى الجوف يقتضي التحريم، وإن قل.
قال في " المسوى ":
" ذهب الشافعي إلى أنه لا يثبت حكم الرضاع بأقل من خمس رضعات متفرقات، وذهب أكثر الفقهاء - منهم مالك، وأبو حنيفة - إلى أن قليل الرضاع وكثيره محرم، وقال بعضهم: لا يحرم أقل من ثلاث رضعات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تحرم المصة ولا المصتان " (1) .
(1) • " المسند "(6 / 31، 96، 216، 247، 339، 340) . (ن)
ويحكى عن بعضهم أن التحريم لا يقع بأقل من عشر رضعات، وهو قول شاذ.
والظاهر أن عائشة وحفصة إنما كانتا تذهبان إلى عشر رضعات؛ تورعا وتشفيا للخاطر؛ لا من جهة حكم الشرع؛ كما ذكرنا في لبن الفحل.
قال البغوي: " قول عائشة: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن: أرادت به قرب عهد النسخ من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى كان بعض من لم يبلغه النسخ يقرأ على الرسم الأول؛ لأن النسخ لا يتصور بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويجوز بقاء الحكم مع نسخ التلاوة؛ كالرجم في الزنا حكمه باق مع ارتفاع التلاوة في القرآن، أو أن الحكم يثبت بأخبار الآحاد؛ ويجب العمل به، والقرآن لا يثبت بأخبار الآحاد؛ فلم يجز كتبه بين الدفتين ". انتهى.
وتمامه في كتابنا " إفادة الشيوخ بمقدار الناسخ والمنسوخ "، فليرجع إليه.
أقول: اعلم أن الأحاديث قد اختلفت في هذه المسألة اختلافا كثيرا، وكذلك اختلفت المذاهب، ونحن نعرفك بما هو الحق الذي يجتمع فيه جميع الأدلة فنقول:
أما ما ورد من الرضاع مطلقا من دون تقييد بعدد؛ فالأحاديث الواردة بذكر العدد تفيد تقييده؛ كما هو شأن المطلق والمقيد.
وقد أفاد حديث: " لا تحرم المصة والمصتان، والإملاجة والإملاجتان "،
وحديث: " لا تحرم الرضعة الواحدة ": أن الرضعة والرضعتين لا تحرمان، فلو لم يرد إلا هذا؛ لكانت الثلاث مقتضية للتحريم، ولكنه ثبت في " الصحيح " عن عائشة، أنها قالت: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم قالت: خمس رضعات معلومات يحرمن، وصرحت بأن العشر منسوخة بالخمس، وصرحت أيضا بأنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن، وليس من شرط القرآن تواتر النقل على ما هو الحق.
ولو سلم ذلك؛ فالقراءة الآحادية منزّلة منزلة أخبار الآحاد.
ولكن ههنا إشكال، وهو أن حديث:" لا تحرم المصة والمصتان "؛ دل بمفهوم العدد على أن الثلاث والأربع يثبت بهما التحريم، وحديث الخمس دل بمفهومه على أنهما لا يحرمان.
وأقول: قد تقرر في علم المعاني والبيان: أن الإخبار بالفعل المضارع يفيد الحصر، وصرح بذلك الزمخشري في " الكشاف "، ولا سيما إذا بني الفعل على المنكر؛ كما هو مقرر في مواطنه، فيكون قد انضم إلى مفهوم العدد في الخمس مفهوم الحصر، فلا يثبت التحريم بدونها.
ويؤيد ذلك ما ورد في بعض ألفاظ حديث سهلة بنت سهيل: أنه صلى الله عليه وسلم قال: " أرضعي سالما خمس رضعات تحرمي عليه "(1)، وهذا التركيب في قوة:" إن ترضعيه خمسا تحرمي عليه "، فانضم إلى مفهومي العدد والحصر مفهوم الشرط، وكما تصلح هذه الأدلة لتقييد مطلق القرآن؛ تصلح أيضا لتقييد
(1) • " المسند "(6 / 201، 271) . (ن)
قلت: وذكر الخمس رضعات خارج عن زاوية " الصحيحين "! والله أعلم.