الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت عليه الجماعة ببلدنا، وذلك لو أن رجلا ابتاع عبدا، فبنى له دارا قيمة بنيانها ثمن العبد أضعافا، ثم يوجد به عيب يرد منه؛ رده، ولا يحسب للعبد عليه إجارة فيما عمل له ذلك؛ فكذلك تكون له إجارته إذا آجره من غيره لأنه ضامن له ".
قلت: وعليه أهل العلم.
(
[من حق المشتري الرد إذا تبين له الغرر] :)
(وللمشتري الرد بالغرر) ؛ لأن المشتري إنما رضي بالمبيع عند العقد قبل علمه بالغرر، فإذا تبين له الغرر؛ كشف عن عدم الرضا الذي هو المناط الشرعي.
(
[التصرية حرام تثبت الخيار للمشتري] :)
(ومنه) ؛ أي: من ذلك الغرر (المصرّاة، فيردها وصاعا من تمر) ؛ فإنه ثبت الخيار فيها بوجود الغرر الكائن بالتصرية، وهو حبس اللبن في الضروع؛ ليخيل للمشتري غزارته فيغتر.
وقد ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك؛ فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها؛ إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر ".
وفي رواية مسلم، وغيره: " من اشترى مصراة؛ فهو منها بالخيار ثلاثة أيام (1) ؛
(1) • الظاهر أنها تبتدئ منذ الحلبة الثانية؛ فإنه - حينئذ - يظهر كونها مصراة. (ن)
إن شاء أمسكها؛ وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر لا سمراء (1) ".
قلت: وعليه الشافعي.
وفي " المنهاج ": " التصرية حرام؛ تثبت الخيار على الفور.
وقيل: يمتد ثلاثة أيام؛ فإن رد بعد تلف اللبن (2) ؛ رد معها صاع تمر.
وقيل: يكفي صاع قوت.
والأصح: أن الصاع لا يختلف بكثرة اللبن ".
وفي " شرح السنة ".
" قال أبو حنيفة: لا خيار له بسبب التصرية، وليس له ردها بالعيب بعد ما حلبها.
وقال ابن أبي ليلى، وأبو يوسف: يردها ويرد معها قيمة اللبن ".
قال في " الحجة البالغة ":
" واعتذر بعض من لم يوفق للعمل بهذا الحديث بضرب قاعدة من عند نفسه؛ فقال: كل حديث لا يرويه إلا غير فقيه، [إذا](3) انسد باب الرأي فيه؛ يترك العمل به.
(1) • الحنطة؛ سميت بها؛ لكون لونها السمرة. (ن)
(2)
قوله: " تلف اللبن "؛ أي: حلبه، وعبر به عنه؛ لأنه بمجرد حلبه يسري إليه التلف. اه من " ابن حجر على المنهاج ". (ش)
(3)
• زيادة لا بد منها. (ن)
وهذه القاعدة - على ما فيها -: لا تنطبق على صورتنا هذه؛ لأنه أخرجه البخاري (1) عن ابن مسعود أيضا، وناهيك به {ولأنه بمنزلة سائر المقادير الشرعية يدرك العقل حسن تقدير ما فيه، ولا يستقل بمعرفة حكمه هذا القدر خاصة؛ اللهم إلا عقول الراسخين في العلم ". انتهى.
قال ابن القيم:
" ومنها رد المحكم الصحيح الصريح في مسألة المصراة بالمتشابه من القياس، وزعمهم أن هذا حديث يخالف الأصول فلا يقبل، فيقال: الأصول كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة والقياس الصحيح والموافق للكتاب والسنة.
فالحديث الصحيح أصل بنفسه، فكيف يقال: الأصل يخالف نفسه؟} هذا من أبطل الباطل، والأصول في الحقيقة اثنان لا ثالث لهما: كلام الله - تعالى -، وكلام رسوله، وما عداهما فمردود إليهما.
فالسنة أصل قائم بنفسه، والقياس فرع؛ فكيف يرد الأصل بالفرع؟ !
قال الإمام أحمد: إنما القياس أن يقيس على أصل، فأما أن يجيء إلى
(1) • في " صحيحه "(4 / 293) موقوفا عليه، وكذلك أخرجه أحمد في " مسنده " رقم (4096) ؛ وقد روي مرفوعا؛ لكنه خطأ كما بينه الحافظ في " الفتح ".
وقد أخرجه أحمد أيضا (4 / 314) من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ وسنده إليه صحيح على شرط الشيخين موقوفا ومرفوعا؛ وروي من حديث ابن عمر من وجهين عنه، ومن حديث أنس، وعمرو بن عوف المزني.
وقال ابن عبد البر: " إنه حديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل "؛ كما في " الفتح ". (ن)
أصل فيهدمه ثم يقيس؛ فعلى أي يقيس؟ {
وقد تقدم بيان موافقة حديث المصراة للقياس، وإبطال قول من زعم أنه خلاف القياس، وأنه ليس في الشريعة حكم يخالف القياس الصحيح.
وأما القياس الباطل؛ فالشريعة كلها مخالفة له.
ويا لله العجب} كيف وافق الوضوء - بالنبيذ المشتد - الأصول حتى قبل؛ وخالف خبر المصراة الأصول حتى رد؟ ! ". انتهى.
والحاصل: أنه لم يرد ما يعارض حديث المصراة، ولم تصح الرواية بلفظ:" طعام أو بر "؛ بل الذي صح: الصاع من التمر.
وللحنفية أجوبة عن الحديث كثيرة، ليس على شيء منها أثارة من علم، وقد استوفاها الماتن في " شرح المنتقى "، ودفعها جميعها، ولا نؤثر على نصر الشارع شيئا، بل نقول: إذا تنازع بائع المصراة ومشتريها في قيمة اللبن المستهلك، وردّ المشتري صاعا من تمر؛ وجب على البائع قبوله، ولا يجاب إلى غيره ولو كان المثل موجودا.
نعم؛ إذا عدم التمر كان الواجب الرجوع إلى قيمته.
وكذلك إذا تراضى البائع والمشتري على قيمة أخرى؛ كان الرضا له حكمه.
وتمام هذا البحث في شرحنا ل " بلوغ المرام "؛ فليرجع إليه.
(أو ما يتراضيان عليه) ؛ لأن حق الآدمي مفوض إليه، فإذا رضي بأخذ