الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
وفي بيع الحيوان بالحيوان نسيئة خلاف.
(
[لا يجوز بيع العينة] :)
(ولا يجوز بيع العينة) لحديث ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله؛ أنزل الله بهم بلاء؛ فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم ".
أخرجه أحمد (1) وأبو داود، والطبراني، وابن القطان - وصححه -، وقال الحافظ:" رجاله ثقات ".
والمراد بالعينة - بكسر العين المهملة -: بيع التاجر سلعته بثمن إلى أجل؛ ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن.
ويدل على المنع من ذلك: ما رواه أبو إسحاق السبيعي عن امرأته: أنها دخلت على عائشة، فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت: يا أم المؤمنين {إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمان مئة درهم نسيئة، وإني ابتعته منه بست مئة نقدا؟ فقالت لها عائشة: بئسما اشتريت وبئسما شريت} إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل؛ إلا أن يتوب.
(1) • في " المسند "(رقم 4825، 5007، 2562) - بإسنادين؛ أحدهما صحيح عند ابن القطان -، وأبو داود (2 / 100) بإسناد ثالث - حسنه شيخ الإسلام في " الفتاوى "(3 / 32 - 278) -.
ورواه الدولابي في " الكنى "(2 / 65) ، والبيهقي (5 / 316) . (ن)
أخرجه الدارقطني (1) ، وفي إسناده الغالية بنت أيفع.
وقد روي عن الشافعي أنه لا يصح، وقرر كلامه ابن كثير في " إرشاده ".
وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة: مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وجوز ذلك الشافعي، وأصحابه.
وقد ورد النهي عن العينة من طرق؛ عقد لها البيهقي في " سننه " بابا.
أقول: أما بيع أئمة الجور وشراؤهم - على وجه التجارة مع رعاياهم -؛ فهذه المسألة قد عمت وطمت وكادت تطبق الأرض، وقد رأينا في كتب التواريخ حكايات عن ملوك مصر من الجراكسة، وذلك من أشدها وأعظمها جرما: أنهم إذا أرادوا بيع شيء لهم؛ أكرهوا التجار على شرائه بأضعاف ثمنه، وإذا أراد أحد منهم الامتناع ضربوه ضربا مبرحا، وأخذوا ماله كرها.
ومن ذلك: أنهم يمنعون الناس من الشراء من أحد من التجار؛ حتى ينفق ما يريدون بيعه من أموالهم، فيرتفع ثمنه لأجل ذلك، وينفق سريعا.
قال الماتن في " حاشية الشفاء ":
" وفي الديار اليمنية من هذا القبيل أنواع: منها: أنهم يرسمون صرف القرش بمقدار محدود من الضربة التي يضربونها من الفضة المغشوشة بالنحاس المغلوبة بالغش؛ على وجه لا تكون الفضة الخالصة إلا مقدار نصف الفضة التي في القرش، ثم إن الرعايا لا تمتثل هذا الرسم، بل يتعاملون في المصارفة
(1) • في " السنن "(ص 310 - 311) ، وكذا البيهقي (5 / 330 - 331) . (ن)
بزيادة على ذلك إلى مقدار الثلث أو الربع من ذلك الرسم، فإذا كان النقد خارجا من مال الدولة إلى غيرهم من الأجناد ونحوهم؛ كان على ذلك الرسم الناقص، وإذا كان النقد داخلا إلى أموال الدولة من الرعايا؛ لم يقبلوا منهم إلا القروش الفرانسة، أو الصرف الزائد الذي يتعامل به الرعية فيما بينهم، فيأخذون ثلث أموال الرعية أو ربعها ظلما، وإذا تزايد صرف القروش بين الرعايا؛ أمر الأمراء بكسر السكة، ويضربون ضربة أخرى مثل المكسورة في الخالص والغش، أو أكثر منها غشا، ثم يمنعون التعامل بتلك الضربة الأولى، فيبيعونها الرعايا وزنا من الدولة، فيأتي ثمن القفلة (1) منها بنصف قفلة من الضربة الأخرى، وقد يزيد قليلا، أو ينقص قليلا، ثم يأخذون تلك السكة الأولى ويضربونها على تلك الضربة الأخرى، ويدفعونها إلى الرعايا بصرف قد رسموه، فيأكلون بهذه الذريعة نصف أموال العباد، أو قريبا من ذلك، والرعايا لا يقدرون على الاستمرار على الرسم الذي يرسمونه لهم في صرف القروش من تلك الضربة؛ لأنهم يحتاجون إلى القروش الفرانسة في كثير من الحالات؛ لكونه لا ينفق لهم في المعاملة لتجار سائر الأرض إلا هي.
ومن الأنواع التي يأكلون بها أموال الرعايا أكلا ظاهرا، ويتجرون فيها اتجارا بينا: أنهم يجعلون ضرائب على الباعة في الأسواق؛ يجبرونهم على تسليمها؛ شاءوا أم أبوا، ثم يأذنون لهم بالزيادة في الأسعار، فيبيعون بما شاءوا ويصنعون بالناس ما أرادوا، وليس عليهم إلا الوفاء بالضرائب، فإذا استغاث مستغيث بالناس من زيادة الأسعار، أو أراد منكر أن ينكر على الباعة ما يفعلونه؛ قالوا: هذه الزيادات للدولة؛ فيلقمون المنكر والمستغيث حجرا.
(1) • " القفلة: الوازن من الدراهم ": " قاموس ". (ن)
وكم أعدد لك من هذه الأحبولات الشيطانية، التي هي السحت بلا شك ولا شبهة، نسأل الله أن يصلح الجميع ". انتهى.
ومن هذا القبيل: أنواع المكوس على أهل الدور والتجارات والضرائب المتنوعة التي لا تكاد تنحصر على الرعايا في الأشياء المختلفة، وكل ذلك من جهة الدول، ولا شكوى في ذلك من الكفرة الفجرة الذين استولوا على أكثر البلاد الإسلامية؛ بل من ملوك الإسلام وولاة المسلمين المدعين للتدين بالدين المحمدي، والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وانظر في كتابنا " إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة "؛ يتضح عليك الحق في هذا الباب من الباطل، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال الماتن في " حاشية الشفاء ":
" اعلم أن باب المصارفة قد صار في هذه الأزمنة؛ بحيث لا يتمكن من الخلوص عن الدخول به في الربا البحت أحد؛ كما عرفناك فيما سبق ".
ثم إن الناس يحتاجون إلى التعامل بهذه الضربة في تصرفاتهم، ويضطرون إلى المصارفة بها إلى القرش الفرنجي بذلك المقدار المرسوم لهم، فيبيعون الفضة بالفضة مع العلم بالتفاضل، وهذا ربا بحت.
والعارف منهم يستروح إلى حيل قد رآها في كتب الفروع التي لا يرجع غالبها إلى دليل، وهي لا تغني من الحق شيئا.
وها نحن نعرفك بغالب ما يظنونه من الحيل مخلصا لهم من ورطة الربا.
فمن ذلك: أن بعض المتفقهة - الذين لا يعرفون لعلوم الاجتهاد رسما - قد أفتاهم بأنه لا ربا في المعاطاة، وأن الصرف الذي يفعله الناس الآن هو معاطاة لعدم وقوع العقد، وهذا المقصر لا يدري بأن أدلة الكتاب والسنة مصرحة بتحريم الربا من غير نظر إلى عقد؛ بل لم يعتبر الله في البيع إلا مجرد الرضا.
ومن ذلك: ما قاله أيضا بعض المصنفين في الفروع؛ أن الغش في كل واحد من البدلين يكون مقابلا للفضة في الآخر، وهذا لا يرضى به عاقل قط، وكيف يرضى العاقل أن يبيع تسع أواقي فضة بأوقية نحاس؟ ! فإن كان مراد هذا القائل أن ذلك مخلص عن الربا - سواء رضي كل واحد من المتبايعين بالبدل أم لم يرض -؛ فهذا جهل لا علم.
ومن ذلك: أن الغش في كل واحد من البدلين يكون جريرة مسوغة للصرف، وهذا يرده حديث القلادة؛ فإنه قد انضم إلى الفضة غيرها، ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مسوغا للبيع، بل أمر بالفصل والتمييز بين الفضتين.
وقد ذكروا غير هذه الأمور؛ مما هو من السقوط بمكان لا يخفى على من له أدنى فطنة.
فإن قلت: فهل من مخلص من هذه الورطة التي وقع الناس فيها؟
قلت: نعم؛ ثم مخلص أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو ما قاله لمن اشترى تمرا جيدا بتمر رديء؛ أحد التمرين جمع والآخر جنيب، وأخبره أنه
اشترى الصاع الجيد بصاعين من الرديء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن ذلك ربا "، فسأل رسول الله: كيف يصنع؟ فقال: إنه يبيع التمر الرديء بالدراهم ثم يشتري بها التمر الجيد:
فهذه وسيلة شرعية ومعاملة نبوية، فمن أراد أن يصرف الدراهم المغشوشة بالقروش الفرنجية؛ فليشتر صاحب الدراهم - مثلا - بمقدار صرف القرش سلعة من صاحب القرش، ثم يبيعها منه بالقرش، ولا مخلص من ذلك إلا هذه الصورة.
ومن ظن أن ثم مخلصا في غيرها؛ فهو مخادع بنفسه بما هو صريح الربا المتوعد عليه بحرب من الله ورسوله.
وعلى الضارب لتلك الدراهم المغشوشة نصيبه من الإثم؛ لأنه حمل الناس على الربا، وألجأهم إلى الدخول فيه، وسن لهم هذه السنة الملعونة لقصد الحطام، وأكل أموال الناس بالباطل.
ولو كان ممتثلا لما أمر الله به من الرفق بالرعية، والعدل في القضية؛ لكان له بضرب الفضة الخالصة عن الغش مندوحة، وأقل أحوال المسلم أن يكون في رعاية مصالح الرعية؛ كالفرنج، فيجعل ضربته كضربتهم، حتى يرتفع الربا في المصارفة ". انتهى.