الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جملة واحدة، فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم، فرأى عمر أن هذا مصلحة لهم في زمانه.
والذي ندين الله - تعالى - به، ولا يسعنا غيره، وهو القصد في هذا الباب: أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه؛ أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه، وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان ". انتهى حاصله.
وتمام هذا البحث في " إعلام الموقعين "(1) ، و " إغاثة اللهفان " للحافظ ابن القيم، وفي رسالة مستقلة للماتن، وفي كتابنا " مسك الختام "، فليرجع الطالب إليها إن أراد التفصيل والتحقيق، وبالله التوفيق.
(
[الحالات التي يطلق فيها القاضي] :)
(
[الأولى: التطليق لعدم النفقة] :)
وأما التفريق بين المعسر وبين امرأته؛ فأقول: إذا كانت المرأة مثلا جائعة، أو عارية في الحالة الراهنة؛ فهي في ضرار، والله - تعالى - يقول:{ولا تضاروهن} ، وهي أيضا غير معاشرة بالمعروف، والله يقول:{وعاشروهن بالمعروف} ، وهي أيضا غير ممسكة بمعروف، والله يقول:{فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} ؛ بل هي ممسكة ضرارا، والله يقول:{ولا تمسكوهن ضرارا} ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لا ضرر ولا ضرار "(2) .
(1) • (3 / 45) . (ن)
(2)
• هو حديث حسن أو صحيح لكثرة طرقه، وقد أخرجها الزيلعي في " نصب الراية "(4 / 384 - 386) . (ن)
وقد ثبت في الفسخ بعدم النفقة ما أخرجه الدارقطني، والبيهقي (1) ، من حديث أبي هريرة مرفوعا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته: " يفرق بينهما ".
وأخرجه الشافعي (2) ، وعبد الرزاق، عن سعيد بن المسيب، وقد سأله سائل عن ذلك؟ فقال: يفرق بينهما؛ فقيل له: سنة؟ فقال: نعم، سنة.
وما زعمه ابن القطان من توهيم الدارقطني؛ فليس بظاهر (3) .
ثم من أعظم ما يدل على جواز الفسخ بعدم النفقة؛ أن الله سبحانه قد شرع الحكمين بين الزوجين عند الشقاق، وجعل إليهما الحكم بينهما، ومن أعظم الشقاق؛ أن يكون الخصام بينهما في النفقة، وإذا لم يمكنهما دفع الضرر عنها إلا بالتفريق؛ كان ذلك إليهما، وإذا جاز ذلك منهما؛ فجوازه من القاضي أولى.
(1) • في " سننه الكبرى "(7 / 470) ؛ من طريق إسحاق بن منصور: نا حماد بن سلمة، عن عاصم ابن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
بمثله اه.
قلت: يعني مثل حديث ساقه قبله عن سعيد بن المسيب؛ في الرجل
…
الخ - المتن المذكور في الكتاب -، لكن تعقبه التركماني في " الجوهر النقي " بما حاصله أن المراد ب " مثله "؛ حديث آخر غير الحديث الموقوف على ابن المسيب، قال:" ولا يعرف هذا مرفوعا في شيء من كتب الحديث ".
قلت: وهذا تعقب جيد، ولكن البيهقي في منجاة منه؛ لأن الخطأ ليس منه؛ كما ظن ابن التركماني؛ بل من إسحاق بن منصور؛ كما جزم بذلك أبو حاتم: فقد ذكر ابنه في " العلل "(1 / 430) أنه سأل أباه عن هذا الحديث؟ فقال أبوه: " وهم إسحاق في اختصار هذا الحديث؛ وذلك أن الحديث إنما هو عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ابدأ بمن تعول "؛ تقول امرأتك: أنفق علي أو طلقني "؛ فتناول هذا الحديث ". (ن)
(2)
• ومن طريقه أخرجه البيهقي (7 / 469) ؛ وسنده صحيح؛ إلا أنه مرسل إن ثبت رفعه. (ن)
(3)
• قد علمت أن الوهم ليس من البيهقي، ولا من الدارقطني؛ وإنما هو أحد رواته. (ن)
فإن قلت: تجويزك الفسخ للنفقة بتلك الأدلة العامة (1) يستلزم جوازه للعيوب؛ إذا كان يحصل التضرر بها على أحد الزوجين.
قلت: النفقة وتوابعها واجبة للزوجة على زوجها (2) ، وليس ما يفوت
(1) • قلت: ولكنها لا تشمل موضع الخلاف؛ لأنها أوامر من الله - تعالى -، وقد علمنا من لطفه - تعالى - بعباده؛ أنه لا يأمر ولا يكلف من لا يستطيع، فهي موجهة إلى المستطيع القادر، فكيف يستدل بها على العاجز المعسر؟ {ولذلك لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم معاوية بن حيدة: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال صلى الله عليه وسلم: " أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت
…
" الحديث؛ أخرجه أبو داود (1 / 334) ، وابن ماجه (1 / 568) ، وأحمد (5 / 3) بسند صحيح، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه "؛ كما في " الترغيب " (3 / 73) .
فمفهوم قوله عليه السلام " إذا طعمت
…
، إذا اكتسيت
…
": أنه إن لم يجد ما يطعم ويكتسي؛ فلا حق لها عليه، فبم يفسخ إذن بينهما؟}
ولذلك؛ فإني أرى خلاف ما ذهب إليه الشارح تبعا للشوكاني (6 / 257 - 277)، وهو ما رواه غير واحد عن الحسن؛ في الرجل يعجز عن نفقة امرأته؟ قال: تواسيه، وتتقي الله عز وجل، وتصبر، وينفق عليها ما استطاع.
وهو مذهب ابن حزم في " المحلى "(10 / 109) ؛ ويؤيده ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما هن عوان عندكم
…
"؛ قال الشوكاني: " أي: حكمهن حكم الأسرى؛ لأن العاني: الأسير، والأسير لا يملك لنفسه خلاصا من دون رضا الذي هو في أسره؛ فهكذا النساء.
ويؤيد هذا حديث: " الطلاق لمن أمسك بالساق "؛ فليس للزوجة تخليص نفسها من تحت زوجها؛ إلا إذا دل الدليل على ذلك ".
قلت: وقد علمت مما تقدم أن دليل الفسخ بالإعسار غير قوي؛ فلا يصلح لاستثناء هذه المسألة من الحديث؛ فتأمل {
وخلاصة القول؛ أنني لا أرى التفريق {بين المرء وزوجه} لإعساره؛ بل على الحاكم أن يأمر - بالإنفاق عليها - ولي أمرها بعد زوجها، فإن لم يكن لها؛ فالسلطان أو من يقوم مقام وليها، فهو ينفق عليها من بيت مال المسلمين، حتى يوسر زوجها، والله عز وجل يقول:{سيجعل الله بعد عسر يسرا} . (ن)
(2)
• قلت: هذا إنما يقال عند الاستطاعة، وليس البحث فيه؛ فتأمل} (ن)