الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونوابهم في هذا الأمر، وصنعوا صنيع من لا يخشى تبعة في الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة!
مع أن من كان منهم يأخذ مقررا من بيت المال؛ لا يستحق على القسمة شيئا من الأجرة؛ لأنه قد صار مستغرق المنافع، فكما أنه لا يأخذ أجرة على قضائه؛ كذلك لا يأخذ أجرة على القسمة؛ لأن الكل من مصالح المسلمين؛ التي أخذ نصيبا من بيت المال في مقابلة القيام بها بحسب طاقته.
(
[كسب الحجام مكروه وأجرة الكاهن والزانية حرام] :)
(وقد ورد النهي عن كسب الحجام ومهر البغي وحلوان الكاهن) ؛ لحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الحجام، ومهر البغي، وثمن الكلب.
أخرجه أحمد (1) برجال الصحيح.
وأخرجه أيضا الطبراني في " الأوسط ".
ومثله من حديث رافع بن خديج عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، والترمذي - وصححه -، وهو أيضا في " صحيح مسلم "(2) .
وفي " الصحيحين "، وغيرهما، عن أبي مسعود البدري، قال: نهى النبي
(1) • في " المسند "(2 / 299، 332، 347، 415، 500) من طرق عن أبي هريرة.
وروى بعضها الطحاوي بلفظ: " إن من السحت كسب الحجام "؛ وسنده صحيح. (ن)
(2)
• (5 / 35) ؛ ولفظه: " ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث "، وفي رواية له: " شر الكسب
…
" فذكرها.
واللفظان في " المسند "(4 / 140، 141، 3 / 465)(ن) .
صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن.
(وعسب الفحل) ، وقد تقدم الكلام على ثمن الكلب، وعلى عسب الفحل في البيع.
والمراد بمهر البغي: ما تأخذه الزانية على الزنا، والمراد بحلوان الكاهن: عطية الكاهن لأجل كهانته، والحلوان بضم الحاء المهملة: مصدر حلوته إذا أعطيته.
وقد استدل بما تقدم بعض أهل الحديث، فقال: إنه يحرم كسب الحجام، وقد ورد في معنى ما تقدم أحاديث، وفي بعضها التصريح (1) بأنه خبيث وأنه سحت.
وذهب الجمهور إلى أنه حلال لحديث أنس في " الصحيحين "، وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم؛ حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام، وكلم مواليه فخففوا عنه (2) .
وفيهما أيضا من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم؛ وأعطى الحجام أجره، ولو كان سحتا لم يعطه (3) .
والأولى الجمع بين الأحاديث؛ بأن كسب الحجام مكروه غير حرام؛ إرشادا منه صلى الله عليه وسلم إلى معالي الأمور، ويؤيد ذلك حديث محيصة بن مسعود - عند أحمد،
(1) • انظر التعليق المتقدم (رقم 2) في الصفحة السابقة. (ن)
(2)
• يعني: من خراجه؛ كما صرح في رواية البخاري (4 / 258) . (ن)
(3)
• " مصنف ابن أبي شيبة "(6 / 268) . (ن)
وأبي داود، والترمذي، وابن ماجه بإسناد رجاله ثقات (4) -: أنه كان له غلام حجام، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم عن كسبه، فقال له: ألا أطعمه أيتاما لي؟ قال: " لا "، قال: أفلا أتصدق به؟ قال: " لا "، فرخص له أن يعلفه ناضحه.
فلو كان حراما بحتا؛ لم يرخص له أن يعلفه ناضحه، ويستفاد منه أن إعطاءه صلى الله عليه وسلم الحجام لا يستلزم أن يأكله أهله، حتى لا تتعارض الأحاديث، فقد يكون مكروها لهم، ويكون وصفه بالسحت والخبث مبالغة في التنفير.
وقد يمكن الجمع؛ بأن المنع عن مثل ما منع منه محيصة، والإذن بمثل ما أذن له ورخص له فيه (1) .
(4) كذا قال الحافظ في " الفتح "(4 / 363) ، وهو كما قال؛ فإنه عند أحمد (5 / 435) ، وأبي داود (2 / 96) ، والترمذي (2 / 257) - وحسنه -؛ ثلاثتهم، عن مالك، عن الزهري، عن ابن محيصة، عن أبيه: أنه استأذن رسول الله في إجارة الحجام؟ فنهاه عنها، فلم يزل يسأل ويستأذن، حتى أمره أن " اعلفه ناضحك ورقيقك "؛ وسنده صحيح.
وهو في " الموطإ "(3 / 141) ، لكن وقع في سنده ومتنه خطأ.
ورواه ابن ماجه (2 / 11) ، وأحمد أيضا من طرق أخرى عن الزهري
…
به؛ دون قوله: " ورقيقك "؛ وهي زيادة ثابتة؛ لأن مالكا حجة، سيما وقد تابعه عليها عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عند الطحاوي (2 / 272) ، وهو ثقة من رجال البخاري.
وللحديث في " المسند " طريقان آخران؛ في كل منهما رجل مجهول، واللفظ الذي في الكتاب لهما؛ فما أحسن المصنف؛ إذ اختاره وأعرض عن اللفظ الصحيح { (ن)
(1)
• قلت: وهذا هو الصواب الذي يقتضيه حديث محيصة، ولا ينهض معارضته بأحاديث إعطائه صلى الله عليه وسلم الأجرة للحجام؛ لأن الإعطاء غير الأخذ في بعض الأحوال؛ ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم كان يعطي السائل وهو غير مستحق للسؤال، ثم يقول:" إنما تكون تحت إبطه نارا "؟}
قال الحافظ في " الفتح ": " وذهب أحمد وجماعة إلى التفريق بين الحر والعبد؛ فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة، ويحرم عليه الإنفاق على نفسه منها، ويجوز الإنفاق على الرقيق والدواب منها، وأباحوها للعبد مطلقا، وعمدتهم حديث محيصة ".
وهذا هو الحق، وكيف يصح حمل النهي على التنزيه؛ مع التصريح بأن كسب الحجام سحت كما تقدم؟ ! (ن)