الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد سئل (1) مالك في الذي يركب البحر ولا يجد موضعا يسجد فيه إلا على ظهر أخيه (2) : أيجوز له الحج؟ فقال رحمه الله: أيركب حيث لا يصلي؟ {ويل لمن ترك الصلاة} ويل له {
وأما النساء؛ فلا يمكن إحداهن الصلاة في وقتها المشروع إلا في النادر الذي لا حكم له، وسبب هذا المنكر العظيم أمراء الحاج وتهاونهم في الإنكار، وخوف المصلي من فوات الرفقة، ومشقة اللحوق بهم، فالواجب على الأمراء أن يقفوا بالحج في أوقات الصلاة إذا دخلت عليهم وهم مسافرون، ويتفقدوا من لم يصل من الجمّالين وغيرهم، ويشددوا عليهم في أمر الصلاة، ويمنعوا من يتقدم منهم قبل الصلاة، فإن لم يفعلوا؛ كان إثم من ترك الصلاة كذلك في أعناقهم، ومن تركها تهاونا وكسلا ولم يعلموا به؛ فإثمه في عنق نفسه، وحكمه مذكور في كتب الفقه ". انتهى حاصله (3) .
(الفصل الثاني: وجوب تعيين نوع الحج بالنية)
(
[تعيين نوع الحج بالنية واجب] :)
(1) • بحثت عنه في مظانه من " الموطإ " و " المدونة "؛ فلم أقف عليه. (ن)
(2)
• فيه إشارة إلى أن صلاة من سجد على ظهر أخيه - ولو لزحام - غير صحيحة عند مالك، وهو مذهبه؛ ففي " المدونة " (1 / 147) :" وقال مالك: إن زحمه الناس فلم يستطع السجود إلا على ظهر أخيه؛ أعاد الصلاة، قيل له: أفي الوقت وبعد الوقت؟ قال: يعيد ولو بعد الوقت ". (ن)
(3)
في هذا الكلام شيء من الخلط؛ فإن تارك الصلاة آثم بلا خلاف، ولكن. . هل هذا يسقط عنه الحج؟ وهل تمسكهم بكلمة مالك التي ذكرها الشارح له وجه؟
إن مالكا ينعى على [من] ركب حيث لا يصلي، وهو تعليم منه رحمه الله، وإرشاد إلى أن الواجب على المسلم أن يتحرى في ركوبه وحله وترحاله إمكان تأدية الصلاة، ولم يرد - قط - بهذا أن فريضة الحج تسقط حينئذ؛ أعاذه الله من سوء الفهم} (ش)
(ويجب تعيين نوع الحج بالنية) : لأن المناسك - على ما استفاض من الصحابة، والتابعين، وسائر المسلمين - أربعة: حج مفرد، وعمرة مفردة، وتمتع، وقران:
(من تمتع) : وهو أن يحرم الآفاقي بالعمرة في أشهر الحج، فيدخل مكة ويتم عمرته ويخرج من إحرامه، ثم يبقى حلالا حتى يحج، وعليه أن يذبح ما استيسر من الهدي.
(أو قران) : وهو أن يحرم الآفاقي بالحج والعمرة معا، ثم يدخل مكة ويبقى على إحرامه حتى يفرغ من أفعال الحج، وعليه أن يطوف طوافا واحدا، ويسعى سعيا واحدا - في قول -، وطوافين وسعيين، ثم يذبح ما استيسر من الهدي، فإذا أراد أن ينفر من مكة؛ طاف للوداع.
(أو إفراد) ؛ أي: حج مفرد أو عمرة مفردة، فالحج لحاضر مكة أن يحرم منها، ويجتنب في الإحرام الجماع ودواعيه، والحلق، وتقليم الأظفار، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، والتطيب، والصيد، ويجتنب النكاح على قول، ثم يخرج إلى عرفات، ويكون فيها عشية عرفة، ثم يرجع منها بعد غروب الشمس، ويبيت بمزدلفة، ويدفع منها قبل شروق الشمس، فيأتي منى، ويرمي العقبة الكبرى، ويهدي إن كان معه، ويحلق أو يقصر، ثم يطوف للإفاضة في أيام منى، ويسعى بين الصفا والمروة.
وللآفاقي أن يحرم من ميقات.
فإن دخل مكة قبل الوقوف؛ طاف للقدوم ورمل فيه، وسعى بين الصفا والمروة، ثم بقي على إحرامه حتى يقوم بعرفة، ويرمي ويحلق، ويطوف، ولا رمل ولا سعي حينئذ.
والعمرة: أن يحرم من الحل، فإن كان آفاقيا فمن الميقات، فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر.
وبالجملة: فتعيين نوع الحج بالنية؛ لما تقدم في الوضوء.
وقد ثبت في " الصحيحين "، وغيرهما من حديث عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل "، قالت: وأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، وأهلّ به ناس معه، وأهلّ معه ناس بالعمرة والحج، وأهلّ ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بعمرة.
وفي " البخاري " من حديث جابر: أن إهلال النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته.
وفي " الصحيحين " من حديث ابن عمر، قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد - يعني: مسجد ذي الحليفة -.
وقد وقع الخلاف في المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسب اختلاف الرواة؛ فمنهم من روى أنه أهل من المسجد، ومنهم من روى أنه أهلّ حين استقلت به راحلته، ومنهم من روى أنه أهلّ لما علا شرف البيداء، وقد جمع بين ذلك ابن عباس، فقال: إنه أهلّ في جميع هذه المواضع، فنقل كل راو ما سمع.
قال في " الحجة البالغة ": " وبين ابن عباس أن الناس كانوا أتوه أرسالا، فأخبر كل واحد بما رآه ".