الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اختلف أهل العلم في ثبوت الخيار إذا كان الزوج حرا:
فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت، وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة، وقد وقع في بعض الروايات:: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: " ملكت نفسك؛ فاختاري "(1) ؛ فإن هذا يفيد أنه لا فرق بين الحر والعبد.
والحاصل: أن الاختلاف في كون زوجها حرا أو عبدا لا يقدح في ذلك؛ لأن ملكها لأمر نفسها يقتضي عدم الفرق.
ولكن دعوى أن تمكينها لزوجها بعد علمها بالعتق، وثبوت الخيار، مبطل لخيارها؛ لا دليل عليها (2)، وتركه صلى الله عليه وسلم لاستفصال بريرة أو زوجها عن ذلك: يفيد أنه غير مبطل، ولو كان مبطلا لم يتركه.
(
[حكم فسخ النكاح بالعيب] :)
(ويجوز فسخ النكاح بالعيب) ؛ لحديث كعب بن زيد - أو زيد بن كعب - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار، فلما دخل عليها، ووضع ثوبه، وقعد على الفراش؛ أبصر بكشحها بياضا، فانحاز عن الفراش، ثم قال:" خذي عليك ثيابك "؛ ولم يأخذ مما آتاها شيئا.
أخرجه أحمد، وسعيد بن منصور، وابن عدي، والبيهقي.
(1) • لم أقف على هذه الرواية الآن، وقد نقلها ابن التركماني في " الجوهر النقي " (7 / 224) عن " التمهيد " بلفظ: " روي في بعض الآثار
…
"؛ فكأنه أشار لضعفه. (ن)
(2)
• قد جاء في ذلك حديث مرفوع - عن عائشة -؛ بإسنادين ضعيفين؛ انظر " البيهقي "(7 / 225) . (ن)
وأخرجه - من حديث كعب بن عجرة - الحاكم في " المستدرك ".
وأخرجه أبو نعيم في " الطب "، والبيهقي، من حديث ابن عمر، وفي الحديث اضطراب (1) .
وروى مالك في " الموطإ "، والدارقطني، وسعيد بن منصور، والشافعي، وابن أبي شيبة، عن عمر، أنه قال: أيما امرأة غُر بها رجل - بها جنون أو جذام أو برص -؛ فلها مهرها بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غره؛ ورجال إسناده ثقات.
وفي الباب عن علي عند سعيد بن منصور.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن النكاح يفسخ بالعيوب، وإن اختلفوا في تفاصيل ذلك.
وروي عن علي، وعمر، وابن عباس، أنها لا ترد النساء إلا بالعيوب الثلاثة المذكورة، والرابع: الداء في الفرج.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرأة ترد بكل عيب ترد به الجارية في البيع، ورجحه ابن القيم، واحتج له في " الهدي " بالقياس على البيع.
وذهب البعض إلى أن المرأة ترد الزوج بتلك الثلاثة، وبالجب، والعنة (2) .
(1) وفي إسناده جميل بن زيد؛ وهو ضعيف.
ولا دلالة فيه على الفسخ؛ لاحتمال أن يكون طلقها وكنى عن الطلاق بقوله: " خذي عليك ثيابك ". (ش)
• لأنه من طريق جميل بن زيد، قال - مرة -: عن زيد بن كعب: قال كعب.
ومرة قال: عن ابن عمر؛ أخرجه البيهقي (7 / 257)، وقال:" قال البخاري: لم يصح حديثه ".
وهو في " المستدرك "(4 / 34) من الوجه الأول، وضعفه الذهبي. (ن)
(2)
الجب: قطع الذكر.
والعنة: ارتخاؤه دائما؛ فلا يصل إلى النساء. (ش)
والخلاف في هذا البحث طويل.
أقول: اعلم أن الذي ثبت بالضرورة الدينية؛ أن عقد النكاح لازم، تثبت به أحكام الزوجية؛ من جواز الوطء، ووجوب النفقة ونحوها، وثبوت الميراث، وسائر الأحكام، وثبت بالضرورة الدينية أن يكون الخروج منه بالطلاق والموت.
فمن زعم أنه يجوز الخروج من النكاح بسبب من الأسباب؛ فعليه الدليل الصحيح المقتضي للانتقال عن ثبوته بالضرورة الدينية.
وما ذكروه من العيوب؛ لم يأت في الفسخ بها حجة نيرة، ولم يثبت شيء منها.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " الحقي بأهلك "(1) ؛ فالصيغة صيغة طلاق (2) ؛ وعلى فرض الاحتمال؛ فالواجب الحمل على المتيقن دون ما سواه، وكذلك الفسخ بالعنة لم يرد به دليل صحيح، والأصل البقاء على النكاح حتى يأتي ما يوجب الانتقال عنه.
ومن أعجب ما يتعجب منه: تخصيص بعض العيوب بذلك دون بعض؛
(1) هذا اللفظ؛ رواية في حديث كعب بن زيد في قصة الغفارية. (ش)
(2)
• قلت: هو كذلك، ولكن ما الذي حمل الشارح على حشر هذا اللفظ في هذا البحث؛ مع أنه لم يسبق لحديثه ذكر؟ ! نعم؛ يوهم صنيعه أن هذا اللفظ له علاقة بحديث كعب بن زيد المتقدم، وقد اغتر به المعلق على الكتاب، فجزم بأنه رواية في حديث كعب بن زيد في قصة الغفارية، وهذا خطأ واضح منهما؛ فإن هذا اللفظ إنما ورد في حديث آخر بقصة أخرى صحيحة:
قالت عائشة: إن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها؛ قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها:" لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك "؛ رواه البخاري (9 / 292) ، والحاكم (4 / 35) . (ن)