الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأساس المسؤولية المدنية في الشريعة الإسلامية عن الهلاك الكلي أو الجزئي هو نظرية تحمل التبعة، أي أن كل شخص يتحمل مسؤولية الضرر الذي يحدثه بفعله مباشرة أو تسبباً، فأساس المسؤولية هو الضرر، وليس عنصر الخطأ (1).
(47)
- وأساس تحمل تبعة الهلاك في الفقه الإسلامي ليس كما يرى بعضهم هو طبيعة العقد الملزم للجانبين (2)، وإنما هو المعاوضة أو المبادلة التي تقتضي إنشاء التزامات متقابلة، وتحقق فكر المساواة التي تقوم عليها العقود، وتحقيق المساواة بين المتعاقدين يقتضي ألا يجبر أحدهما على تنفيذ التزامه، بينما الآخر لم يقم بتنفيذ الالتزام المقابل، وإلا كان في ذلك إخلال بالمساواة المقصودة (3). قال الكاساني:«ولأن المعاوضات مبناها على المساواة عادة وحقيقة» (4) وقال أيضاً: «ولأن المساواة في العقود المطلقة مطلوب العاقدين (5)» .
وتظهر سلامة هذا التأصيل في حالة الهلاك الجزئي بنحو أوضح، فالالتزام الذي انقضى جانب من محله بالهلاك، لم ينقض بسببه الالتزام تماماً، ومع ذلك فإنه يسقط من الالتزام المقابل ما يساوي قيمة الجزء الهالك من التزام العاقد الآخر، أي الجزء الذي أصبح فيه الالتزام مستحيلاً.
6 - الفسخ للإفلاس والإعسار والمماطلة:
(48)
- إذا كان المدين معسراً أمهل إلى وقت اليسار، عملاً بنظرة الميسرة
(1) مسؤولية الإنسان عن حوادث الحيوان والجماد للدكتور فاضل يوسف دبو: ص 156.
(2)
نظرية تحمل التبعة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد زكي عبد البر: 141/ 1.
(3)
مصادر الحق للسنهوري: 243/ 6، سبب الالتزام وشرعيته في الفقه الإسلامي للدكتور جمال الدين محمود: ص 449 ومابعدها.
(4)
البدائع: 249/ 5.
(5)
المرجع السابق: 201/ 4. القرآنية:
{وإن كان ذو عسرة، فنظِرة إلى ميسرة} [البقرة:280/ 2] وإذا كان موسراً مماطلاً في الوفاء، وله مال يفي
بدينه للحال، جاز للقاضي حبسه باتفاق المذاهب (1).
وأضاف الحنابلة أنه إذا ظهر المشتري مفلساً أو معسراً، ولو ببعض الثمن، فللبائع خيار الفسخ، والرجوع بعين ماله، ولا يلزمه أن ينظره.
وإذا كان المشتري موسراً مماطلاً، فللبائع الفسخ.
وإذا هرب المشتري قبل نقد الثمن، وهو معسر، فللبائع الفسخ، وإذا كان موسراً، قضاه الحاكم من ماله، وإلا باع المبيع، وقضى ثمنه منه.
وأما إذا كان الثمن حالاً غائباً عن المجلس دون مسافة القصر، فلا فسخ، ويحجر الحاكم المبيع وبقية ماله حتى يحضر الثمن (2).
والفسخ في هذه الأحوال يدخل تحت ما يسمى بخيار تعذر تحصيل الثمن أو المبيع، ذلك الخيار الذي يثبت على التراضي.
(49)
- ووافق المالكية والشافعية مذهب الحنابلة في جواز الفسخ حال الإفلاس، فيكون رأي جمهور الفقهاء إعطاء خيار الفسخ في عقود المعاوضة للعاقد الذي سلّم شيئاً معيناً إلى آخر، بأن يسترده منه بحالة إفلاسه، إذا كان هذا الشيء لا يزال موجوداً عنده بعينه، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم:«من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس، فهو أحق به من غيره» (3) وقوله عليه السلام أيضاً:
«من
(1) سيأتي بحث ذلك في باب الإفلاس.
(2)
كشاف القناع: 240/ 3، طبع مكة، شرح منتهى الإرادات: 178/ 2، الطبعة الجديدة، مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحد للقاضي أحمد القاري (م467 - 471).
(3)
روي في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة.
وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيِّع - أي البائع - من باعه» (1).
فلو أفلس المشتري بعد تسليم المبيع وقبل دفع الثمن، فللبائع خيار الفسخ واسترداد المبيع إذا كان هذا المبيع لا يزال بعينه في يد المشتري، عملاً بالحديث المتقدم، ولأن العجز عن إيفاء الثمن يوجب حق الفسخ قياساً على العجز عن إيفاء المبيع؛ لأن المبيع عقد معاوضة يتطلب المساواة.
وليس خيار الفسخ مختصاً بعقد البيع عند الجمهور، بل هو ثابت أيضاً في كل عقود المعاوضات كالإجارة والقرض، فللمؤجر فسخ الإجارة إذا أفلس المستأجر قبل دفع الأجرة، وللمقرض الرجوع على المقترض إذا أفلس وكان عين ماله قائماً.
وأضاف الإمام الشافعي لجواز الرجوع والاسترداد في حال إفلاس المدين الحي حال وفاة المدين إذا تبين أنه مفلس (2).
(50)
- أما الحنفية فلم يجيزوا الفسخ حال الإفلاس وغيره، جاء في المجلة (م 592):«إذا قبض المشتري المبيع، ثم مات مفلساً قبل أداء الثمن، ليس للبائع استرداد المبيع، بل يكون مثل الغرماء» (وذلك لأن الثمن دين في الذمة)، وهذا مانع من الفسخ، ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الخصاف:«أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه، فهو أسوة غرمائه فيه» وأوّلوا حديث أبي هريرة الذي استند إليه الجمهور بأنه خاص بحالة شرط خيار الفسخ للبائع، وقبضه المشتري بشرط الخيار
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن سمرة بن جندب.
(2)
شرح الخرشي: 191/ 4 - 193، بداية المجتهد: 237/ 2 - 240، المهذب: 323/ 1 - 327، فتح العزيز133/ 10 - 243، المغني: 456/ 4 - 460، 505، النظرية العامة للموجبات والعقود، محمصاني: 494/ 1 - 496.