الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث ـ اللبس والاستعمال والحلي:
الأصل في اللباس والزينة الحل والإباحة، سواء في الثوب والبدن والمكان، لقوله تعالى:{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} [البقرة:29/ 2] وقوله سبحانه: {قل: من حرم زينة الله التي أخرج لعباده، والطيبات من الرزق .. } [الأعراف:32/ 7] وقوله عز وجل: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً .. } [الأعراف:26/ 7]. والريش كما قال ابن عباس: كل ما ظهر من الثياب والمتاع مما يلبس ويفرش.
ويحرم استعمال الذهب والفضة للرجال والنساء في الآنية ووسائل الكتابة والزينة وغيرها في غير البيع والشراء باتفاق أئمة المذاهب (1)، فلا يجوز الأكل والشرب والادهان والاكتحال والتطيبُ والتوضؤ في آنية الذهب والفضة، كما لا يجوز استعمال الساعات والأقلام وأدوات المكتب والمرايا وأدوات الزينة الذهبية أو الفضية، ولا يجوز تزيين البيوت والمجالس بالذهب وبالفضة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما (2)، فإنها لهم ـ أي للمشركين ـ في الدنيا، ولكم في الآخرة» (3) وقوله: «الذي يشرب في إناء الفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» (4).
(1) انظر تكملة الفتح: 81/ 8 - 82، اللباب: 159/ 4 ومابعدها، شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني: 371/ 2 - 373، حاشية الباجوري على ابن قاسم: 42//1، المغني: 75/ 1 - 78، المهذب: 11/ 1 ومابعدها، بجيرمي الخطيب: 294/ 3 وما بعدها.
(2)
الصحاف جمع صحفة، والصحفة: هي ما تشبع الخمسة.
(3)
متفق عليه بين الشيخين عن حذيفة بن اليمان (سبل السلام: 29/ 1).
(4)
متفق عليه عن أم سلمة (نصب الراية: 220/ 4، سبل السلام: 30/ 1).
والجرجرة: صوت وقوع الماء في الجوف. وحرم الشافعية والحنابلة خلافاً للحنفية اتخاذ آنية الذهب والفضة أي اقتناءها؛ لأن اتخاذها يجر إلى استعمالها، وماحرم استعماله مطلقاً حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال. وقال الشافعية: وظاهره حرمة الاتخاذ ولو للتجارة؛ لأن آنية الذهب والفضة ممنوع من استعمالها لكل أحد، بعكس الحرير، يجوز اتخاذه للتجارة فيه، لأنه ليس ممنوعاً من استعماله لكل أحد.
ويستثنى من حرمة استعمال الذهب والفضة أمور للضرورة أو للحاجة:
1 -
صناعة الأنف إذا قطع، والأسنان إذا سقطت، يجوز عملها من الذهب أو الفضة. وهذا رأي الجمهور ومنهم محمد، وفي رواية عن أبي يوسف من الحنفية. وقال أبو حنيفة: لا تشد الأسنان بالذهب، وتشد بالفضة، وأضاف الحنفية: لا بأس بمسمار الذهب لتثبيت حجر فص الخاتم، لأنه تابع له. وقال الشافعية: يحرم سن خاتم الذهب على الرجل وهي الشعبة التي يستمسك بها الفص.
2 -
طلاء الأدوات بالذهب أو الفضة إذا كان قليلاً: بأن لم يحصل منه شيء بالعرض على النار، أو الذي لا يخلص، أي لا يمكن فصل شيء مادي منه.
3 -
أجاز أبو حنيفة الشرب والوضوء في الإناء المفضض (المزين بالفضة)، والركوب على السَرْج المفضض، والجلوس على السرير المفضض.
وأجاز أيضاً الإناء المضبب (الذي لحم كسره) بالذهب والفضة، والكرسي المضبب بهما، وكذا إذا جعل ذلك في السيف وحلقة المرآة، أو جعل المصحف مذهباً أو مفضضاً، ومثل ذلك اللجام والركاب، والثوب الذي كتب فيه بذهب أو فضة. ولا بأس بتحلية المصحف ونقش المسجد وزخرفته بماء الذهب إذا كان المقصود بذلك تعظيمه، ويكره إذا كان بقصد الرياء.
وقال المالكية: لا بأس بالفضة (لا الذهب) في حلية الخاتم أو السيف والمصحف، ولا يجعل ذلك في لجام ولا سرج ولا سكين ولا في غير ذلك. وفي الجملة عندهم قولان بالمنع أو الكراهة في المموه بالذهب والفضة، وفي الإناء المضبب.
وقال الشافعية: يحرم الإناء المطلي بذهب أو فضة إن حصل من الطلاء شيء بعرضه على النار، ويحل إن لم يحصل منه شيء بالعرض على النار. ويحرم الإناء
المضبب (1) بضَبة فضة كبيرة عرفاً لزينة، فإن كانت كبيرة للحاجة، جاز مع الكراهة، وإن كانت صغيرة عرفاً لزينة كرهت، أما لحاجة فلا تكره بدليل ما رواه البخاري عن عاصم الأحول قال:«رأيت قدح النبي عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع، فسلسله بفضة .. » . أما ضبة الذهب فتحرم مطلقاً، كبيرة أو صغيرة لحاجة أو لزينة، كلها أو بعضها، ولو كمكحلة.
ويجوز تحلية المصحف بالفضة للرجل والمرأة، وتحلية آلة الحرب كالسيف والرمح والمنطقة بالفضة للرجل لأنها تغيظ الكفار، ولا يحل ذلك للمرأة ولا يجوز تحلية ما لا يلبسه الرجل من آلات الحرب كالسرج واللجام.
وللمرأة تحلية المصحف بالذهب أيضاً. والتحلية: وضع قطع رقيقة.
ويحرم تمويه السقوف والجدران بالذهب والفضة، سواء أمكن استخراج شيء منها بالعرض على النار أم لا.
ويحرم تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب أو بالفضة، كما يحرم كسوتها بالحرير المزركش بالذهب أو بالفضة.
(1) يقال: ضبب الإناء والباب ونحوهما: عمل له ضبَّة، وأدخل بعضه في بعض، وشَعَبه وأصلحه.