الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها حديث أنس قال: «ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، أقرنين، فرأيته واضعاً قدميه على صِفَاحها، يُسمِّي ويكبِّر، فذبحهما بيده» (1).
وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية. ودلت الأحاديث على أنها أحب الأعمال إلى الله يوم النحر، وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها، ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض، وإنها سنة إبراهيم لقوله تعالى:{وفديناه بذبح عظيم} [الصافات:107/ 37].
والحكمة من تشريعها: هو شكر الله على نعمه المتعددة، وعلى بقاء الإنسان من عام لعام، ولتكفير السيئات عنه: إما بارتكاب المخالفة، أو نقص المأمورات، وللتوسعة على أسرة المضحي وغيرهم، فلا يجزئ فيها دفع القيمة، بخلاف صدقة الفطر التي يقصد منها سد حاجة الفقير. ونص الإمام أحمد على أن الأضحية أفضل من الصدقة بقيمتها.
المطلب الثاني ـ حكم الأضحية:
اختلف الفقهاء في حكم الأضحية، هل هي واجبة أو هي سنة؟
فقال أبو حنيفة وأصحابه: إنها واجبة مرة في كل عام على المقيمين من أهل الأمصار، وذكر الطحاوي وغيره: أن على قول أبي حنيفة: واجبة، وعلى قول الصاحبين (أبي يوسف ومحمد): سنة مؤكدة (2).
(1) رواه الجماعة، ورواه أحمد أيضاً عن عائشة (نيل الأوطار: 119/ 5، 121)، والأملح: الأبيض الخالص، أو بياضه أغلب من سواده، والأقرن: الذي له قرنان معتدلان. والصفحة: جانب العنق. وإنما فعل ذلك ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها، فتمنعه من إكمال الذبح، أو تؤذيه.
(2)
تكملة فتح القدير: 67/ 8، اللباب شرح الكتاب: 232/ 3، تبيين الحقائق: 2/ 6، البدائع: 62/ 5.
وقال غير الحنفية (1): إنها سنة مؤكدة غير واجبة، ويكره تركها للقادر عليها. وذلك عند المالكية على المشهور لغير الحاج بمنى. والأكمل عندهم للقادر أن يضحي عن كل شخص عنده أضحية، فإن أراد إنسان أن يضحي بنفسه عن كل من عنده ممن تجب عليه نفقته جاز في المذهب. وهي عند الشافعية سنة عين للمنفرد في العمر مرة، وسنة كفاية إن تعدد أهل البيت، فإذا فعلها واحد من أهل البيت، كفى عن الجميع.
ودليل الحنفية على الوجوب: هو قوله عليه السلام: «من وجد سعة، فلم يضح، فلا يقربن مصلانا» (2) قالوا: ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب، ولأن الأضحية قربة يضاف إليها وقتها، يقال: يوم الأضحى وذلك يؤذن بالوجوب؛ لأن الإضافة للاختصاص، والاختصاص بوجود الأضحية فيه، والوجوب هو المفضي إلى الوجود في الظاهر بالنسبة لمجموع الناس.
واستدل الجمهور على السنية للقادر عليها بأحاديث:
منها حديث أم سلمة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم هلال ذي الحجة: وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره» (3) ففيه تعليق الأضحية بالإرادة، والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب.
ومنها حديث ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاث هن علي
(1) بداية المجتهد: 415/ 1، القوانين الفقهية: ص 186، الشرح الكبير: 118/ 2، مغني المحتاج: 282/ 4 ومابعدها، المهذب: 237/ 1، المغني: 617/ 8، شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني: 366/ 1.
(2)
رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 108/ 5).
(3)
رواه الجماعة إلا البخاري (نيل الأوطار: 112/ 5).
فرائض، وهن لكم تطوع: الوتر، والنحر وصلاة الضحى» (1) وروى الترمذي:«أمرت بالنحر وهو سنة لكم» .
ويؤيد ذلك أن الأضحية ذبيحة لم يجب تفريق لحمها، فلم تكن واجبة كالعقيقة. وضعف أصحاب الحديث حديث الحنفية، أو هو محمول على تأكيد الاستحباب كغسل الجمعة في حديث:«غُسل الجمعة واجب على كل محتلم» (2).
ويرشد إليه الأثر: «أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان، مخافة أن ترى الناس ذلك واجباً (3) والأصل عدم الوجوب» .
ودليل الشافعية على أن الأضحية سنة كفاية لكل بيت: حديث مِخْنَف بن سُلَيم قال: «كنا وقوفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: يا أيها الناس، على كل أهل بيت في كل عام أضحية .. » (4)، ولأن الصحابة كانوا يضحون في عهده صلى الله عليه وسلم، والظاهر اطلاعه، فلا يُنكر عليهم (5). وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين سمينين أقرنين أملحين، أحدهما عن أمته، والثاني عن نفسه وآله (6).
ودليل الشافعية على أن الأضحية سنة عين للمنفرد في العمر مرة هو أن الأمر عندهم لا يقتضي التكرار (7).
(1) رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك، والدارقطني. وسكت عنه الحاكم، وفيه راو ضعيف ضعفه النسائي والدارقطني (نصب الراية: 206/ 4).
(2)
رواه السبعة: (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن أبي سعيد الخدري (سبل السلام:87/ 1).
(3)
رواه البيهقي وغيره بإسناد حسن.
(4)
رواه أحمد وابن ماجه والترمذي. وقال: هذا حديث حسن غريب (نيل الأوطار: 138/ 5).
(5)
ثبت هذا برواية ابن ماجه والترمذي وصححه عن عطاء بن يسار، وبرواية ابن ماجه عن الشعبي (نيل الأوطار: 120/ 5).
(6)
رواه ابن ماجه عن عائشة وأبي هريرة (نصب الراية: 215/ 4).
(7)
قرر الشافعية في أصولهم: أن الأمر لا يقتضي التكرار ولا يفيد المرة، وإنما يفيد طلب الماهية من غير إشعار بتكرار أو مرة، إلا أنه لا يمكن إدخال تلك الماهية في الوجود بأقل من المرة الواحدة، فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به (شرح الإسنوي: 43/ 2).