الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الانتفاع به شرعاً يجوز بيعه عندهم. وأما النجس والمتنجس فيبطل بيعه، والنجس: مثل الكلب ولو كان معلماً للنهي عن بيعه، والخنزير والميتة والدم والزبل والحشرات والبهائم الكاسرة التي لا يؤكل لحمها كالأسد والذئب، والطيور الجارحة كالنسر والغراب والحدأة، والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره كالخل والدبس واللبن. لكن أجاز هؤلاء الفقهاء بيع المختلف في نجاسته كالبغل والحمار، وبيع الهر وطيور الصيد كالصقر والعقاب المعلم، والطير المقصود صوته كالهزار والبلبل والببغاء.
ولم يشترط الحنفية (1) هذا الشرط، فأجازوا بيع النجاسات كشعر الخنزير وجلد الميتة للانتفاع بها إلا ما ورد النهي عن بيعه منها كالخمر والخنزير والميتة والدم (2)، كما أجازوا بيع الحيوانات المتوحشة، والمتنجس الذي يمكن الانتفاع به في غير الأكل. والضابط عندهم: أن كل ما فيه منفعة تحل شرعاً، فإن بيعه يجوز، لأن الأعيان خلقت لمنفعة الإنسان بدليل قوله تعالى:{خلق لكم ما في الأرض جميعاً} [البقرة:29/ 2]
العنصر الرابع ـ موضوع العقد:
إن موضوع العقد: هو أحد مقوماته الأربعة التي لا بد من وجودها في كل عقد.
(1) البدائع: 142/ 5 ومابعدها، فتح القدير: 188/ 5، 122/ 8.
(2)
روى أحمد والشيخان عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح ـ فتح مكة في رمضان سنة ثمان من الهجرة ـ وهو بمكة: «إن الله ورسوله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام .. » (سبل السلام: 5/ 3) وروى أحمد وأبو داود عن ابن عباس: «
…
وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه» (نيل الأوطار: 141/ 5 - 142).
وموضوع العقد: هو المقصد الأصلي الذي شرع العقد من أجله. وإذا كان القانون عند القانونيين هو الذي يحدد مقصد العقد أو آثاره، لا إرادة العاقد، فإن المشرع في الشريعة الإسلامية هو الذي يحدد الآثار الخاصة لكل عقد، وبهذا التحديد وفي نطاقه المقرر تتحقق الأغراض الصحيحة التي يقصدها العاقدان من إنشاء العقد.
وموضوع العقد واحد ثابت في كل فئة أو نوع من أنواع العقود، ويختلف باختلاف فئات العقود أو أنواعها، فهو في عقود البيع واحد: وهو نقل ملكية المبيع للمشتري بعوض. وفي الإجارات: هو تمليك المنفعة بعوض، وفي الهبات: هو تمليك العين الموهوبة، بلا عوض، وفي الإعارات: هو تمليك المنفعة بلا عوض، وفي الزواج: هو حل الاستمتاع المشترك بين الزوجين.
وموضوع العقد يتحد في الحقيقة مع عبارتي: المقصد الأصلي للعقد (أو الغاية النوعية من العقد)، وحكم العقد، فهذه المصطلحات الثلاثة مترادفة يمثل كل واحد منها وجهاً لحقيقة واحدة. فإذا نظر إلى هذه الحقيقة من وجهة نظر الشارع قبل إيجاد العقد سميت مقصداً أصلياً للعقد أي مآل العقد. وإذا نظر إلى هذه الحقيقة من وجهة نظر الشارع بعد وجود العقد سميت حكم العقد أي الأثر المترتب عليه. وإذا لاحظنا المرحلة المتوسطة التي تقع إبان التعاقد أي بين مرحلة إيجاده وتمامه فتسمى هذه الحقيقة موضوع العقد (1). فهذه العبارات الثلاث تطلق على حقيقة واحدة مثلثة الوجوه (2).
(1) المدخل الفقهي للأستاذ الزرقاء: ف 149، التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي للدكتور وحيد سوار: ف 531، ص 501 ومابعدها.
(2)
يلاحظ أن هناك فرقاً بين موضوع العقد ومحل العقد، أما موضوع العقد فهو المقصد الأصلي للعقد منظوراً إليه إبان تكوين العقد، وأما محل العقد فهو المعقود عليه الذي يثبت فيه حكم العقد كالمبيع والثمن.
والمقصد الأصلي للعقد في الشريعة ربما يلتقي في بعض الخصائص مع المفهوم التقليدي للسبب عند القانونيين، وهو الذي لم تأخذ به قوانيننا العربية في سورية ومصر وليبيا وغيرها. وهو المسمى: السبب الفني للالتزام: وهو السبب القريب المجرد الذي يكون واحداً في كل الالتزامات التي من نوع واحد، وهو لازم لنشوء الالتزام ولاستمراره.
فكل من المقصد الأصلي والسبب الفني موضوعي وواحد في العقد. ففي عقد البيع مثلاً السبب الفني لالتزام البائع بنقل ملكية المبيع: هو التزام المشتري بدفع الثمن. والمقصد الأصلي لعقد البيع: هو نقل الملكية بعوض، أي أن السبب الفني هو واحد في كل التزام بنقل الملكية، لا يختلف من التزام إلى آخر بحسب اختلاف الأشخاص. فسبب التزام البائع بنقل الملكية هو رغبته في الحصول على ثمن ما باع. وكذلك المقصد الأصلي هو واحد كما عرفنا في النوع الواحد من العقود، لا يختلف إلا باختلاف نوع العقد.
لكن الفرق بين السبب الفني والمقصد الأصلي: هو أن السبب الفني ملازم لإرادة العاقد الخاصة، وإن كان متميزاً عنها. أما المقصد الأصلي فهو في الأصل منفك عن الإرادة الخاصة للعاقد، غير متلازم معها، وإنما هو متلازم مع إرادة الشارع (1).
فالسبب في الفقه الإسلامي هو المقصد الأصلي للعقد (2)، أي أن السبب هو مجموع الآثار المتولدة، فإن كانت هذه الآثار سليمة، ذات محل مشروع، كان العقد صحيحاً، وإلا كان العقد باطلاً. وهذه الآثار: هي التي دفعت العاقد إلى التعاقد.
(1) التعبير عن الإرادة، للدكتور سوار: ف 534.
(2)
المرجع السابق: ف 517.