الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقدم طعام الغير ندباً، لا وجوباً على أكل الميتة، إن لم يخف الأذى من قطع عضو، أو ضرب ونحوه؛ لأن الطعام طاهر، ولأن الغالب أن الإنسان يبذل طعامه للمضطر ولا يتلكأ في ذلك. وهذا المذهب هو المعقول، بل إني أرى وجوب تقديم طعام الغير على أكل الميتة، دفعاً للضرر.
قال ابن كثير (1): إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير بحيث لا ضرر فيه ولا أذى، فإنه لا يحل له أكل الميتة، بل يأكل طعام الغير بغير خلاف (2).
سادساً ـ مقدار الجائز تناوله للضرورة:
هل يقتصر المضطر من تناول الحرام كالميتة على مقدار دفع الضرر، أو يباح له الشبع؟ رأيان للفقهاء:
1 -
قال الجمهور (الحنفية، والأظهر عند الشافعية، وأصح الروايتين عند الحنابلة، وبعض المالكية كابن الماجشون وابن حبيب)(3): يأكل المضطر للغذاء، ويشرب للعطش، ولو من حرام أو ميتة ومال غيره، مقدار ما يدفع الهلاك عن نفسه أو يؤمن معه الموت: وهو مقدار ما يتمكن به من الصلاة قائماً، ومن الصوم، وهو لقيمات معدودة، ويمتد ذلك من حالة عدم القوت إلى حالة وجوده. لقوله تعالى:{فمن اضطر غير باغ ولاعاد، فلا إثم عليه} [البقرة:173/ 2](4) ولأن (ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها) ويكون المضطر بعد سد الرمق غير مضطر، فلم
(1) تفسير ابن كثير: 205/ 1.
(2)
كذا قال، وقد عرفنا أن هناك خلافاً في المسألة.
(3)
رد المحتار: 238/ 5، المهذب: 250/ 1، كشاف القناع: 194/ 6، المغني: 595/ 8، 597، مغني المحتاج: 307/ 4.
(4)
أي غير متجاوز حد الضرورة، ولا باغ في الأكل بما يزيد عن حاجته.
يحل له الأكل، فيصير بعد سد رمقه كما كان قبل أن يضطر، وحينئذ لم يبيح له الأكل، فكذا بعد زوال حالة الضرورة.
2 -
وقال المالكية على المعتمد (1): يجوز للمضطر التناول من الحرام حتى يشبع، وله التزود (ادخار الزاد) من الميتة ونحوها، إذا خشي الضرورة في سفره، فإذا استغنى عنها طرحها، لأنه لا ضرر في استصحابها، ولا في إعدادها لدفع ضرورته وقضاء حاجته، ولكن لا يأكل منها إلا عند ضرورته.
ودليلهم أن الضرورة ترفع التحريم، فتعود الميتة جميعها ونحوها مباحة لظاهر قوله تعالى:{فمن اضطر غير باغ ولا عاد} [البقرة:173/ 2]. ومقدار الضرورة إنما هو في حالة عدم القوت إلى حالة وجوده، ولأن كل طعام يباح، جاز أن يأكل منه الإنسان قدر سد الرمق، جاز له أن يشبع منه كالطعام الحلال.
هذا إذا كانت المخمصة نادرة في وقت ما، فإن كانت المجاعة عامة مستمرة، فلا خلاف بين العلماء في جواز الشبع من الميتة ونحوها من سائر المحظورات.
ويتفق الشافعية، والحنابلة في أصح الروايتين (2) مع المالكية في جواز التزود من المحرَّمات، ولو رجا الوصول إلى الحلال. ويبدأ وجوباً بلقمة حلال ظفر بها، فلا يجوز له أن يأكل من الحرام حتى يأكلها لتتحقق الضرورة.
وصرح الشافعية: لو عمَّ الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادراً، جاز استعمال ما يحتاج إليه، ولا يقتصر على الضرورة، بل على الحاجة. وعلل العز بن عبد السلام (3) جواز تناول الحرام حينئذ، دون أن يقتصر على الضرورات بقوله: لأن المصلحة العامة كالضرورة الخاصة.
(1) بداية المجتهد: 462/ 1، أحكام القرآن لابن العربي: 55/ 1، الشرح الكبير: 116/ 2 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 173، تفسير القرطبي: 226/ 2 ومابعدها.
(2)
مغني المحتاج: 307/ 4، المغني: 597/ 8، كشاف القناع: 194/ 6.
(3)
قواعد الأحكام: 160/ 2.