الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك قال المالكية (1): يباع الشيء المحتكر للمحتاج إليه بمثل ما اشتراه به، لا يزاد عنه شيء. وإن لم يعلم ثمنه، فبسعره يوم احتكاره.
وأضاف الحنفية (2): لو خاف الحاكم على أهل بلد الهلاك، أخذ الطعام من المحتكرين، ووزعه عليهم، حتى إذا صاروا في سعة، ردوا مثله، وذلك للضرورة، ومن اضطر إلى مال غيره، وخاف الهلاك، تناوله بلا رضاه، ويضمن قيمته؛ لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير، كما أبنت.
ثامناً ـ التسعير:
المبدأ الاقتصادي في الإسلام هو الحرية الاقتصادية التي يراعي فيها المسلم حدود النظام الإسلامي، ومن أهمها العدالة والقناعة والتزام قواعد الربح الطيب الحلال بأن كان في حدود الثلث، لقوله عليه الصلاة والسلام:«دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» (3).
وبناء عليه: الأصل عدم التسعير، ولا يسعر حاكم على الناس، وهذا متفق عليه بين الفقهاء.
والتزم الشافعية والحنابلة (4) هذا الأصل، فقال الحنابلة: ليس للإمام أن يسعر على الناس، بل يبيع الناس أموالهم على ما يختارون. وقال الشافعية: يحرم التسعير، ولو في وقت الغلاء، بأن يأمر الوالي السوقة ألا يبيعوا أمتعتهم إلا بكذا،
(1) المنتقى على الموطأ: 17/ 5.
(2)
الدر المختار: 283/ 5، البدائع: 129/ 5.
(3)
رواه الطبراني عن أبي السائب بلفظ: «دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض، فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه» وورد في (نيل الأوطار: 164/ 5): «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» .
(4)
مغني المحتاج: 38/ 2، المغني: 217/ 4.
للتضييق على الناس في أموالهم، وذلك لا يختص بالأطعمة. ولو سعَّر الإمام، عُزِّر مخالفه، بأن باع بأزيد مما سعر، لما فيه من مجاهرة الإمام بالمخالفة، وصح البيع، إذ لم يعهد الحجر على الشخص في ملكه أن يبيع بثمن معين.
وأجاز ابن الرفعة الشافعي وغيره التسعير في وقت الغلاء.
واستدل ما نعو التسعير بحديث أنس قال: «غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، لو سعرت، فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل، ولا يطلبني أحد بمَظْلَمة، ظلمتها إياه في دم، ولا مال» (1) فالنبي لم يسعر، ولو جاز، لأجابهم إليه، وعلل بكونه مظلمة، والظلم حرام، ولأنه ماله، فلم يجز منعه من بيعه بما تراضى عليه المتبايعان، كما اتفق الجماعة عليه، ولأن في التسعير إضراراً بالناس، إذا زاد تبعه أصحاب المتاع، وإذا نقص أضر بأصحاب المتاع.
وأجاز المالكية والحنفية (2) للإمام تسعير الحاجيات، دفعاً للضرر عن الناس، بأن تعدى أصحاب السلعة عن القيمة المعتادة تعدياً فاحشاً، فلا بأس حينئذ بالتسعير بمشورة أهل الرأي والبصر، رعاية لمصالح الناس والمنع من إغلاء السعر عليهم، والإفساد عليهم. ومستندهم في ذلك القواعد الفقهية:(لا ضرر ولا ضرار) و (الضرر يزال) و (يتحمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام).
ولا يجبر الناس على البيع، وإنما يمنعون من البيع بغير السعر الذي يحدده
(1) رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي، وصححه الترمذي. وعن أبي سعيد مثله (نيل الأوطار: 219/ 5).
(2)
الدر المختار: 183/ 5، تبيين الحقائق: 28/ 6، البدائع: 129/ 5، تكملة الفتح: 127/ 8، اللباب: 167/ 4، المنتقى على الموطأ: 17/ 5 - 19، القوانين الفقهية: ص 255.
الإمام على حسب ما يرى من المصلحة فيه للبائع والمبتاع، ولا يمنع البائع ربحاً، ولا يسوغ له منه ما يضر بالناس.
ويجب أن يختص التسعير في قول ابن حبيب المالكي بالمكيل والموزون مأكولاً كان أو غير مأكول، دون غيره من المبيعات التي لا تكال ولا توزن؛ لأن المكيل والموزون من المثليات يرجع فيه إلى المثل، وغير ذلك من القيميات يرجع فيه إلى القيمة، وتختلف أغراض الناس في الأعيان، فلا يمكن حمل الناس فيه على سعر واحد.
وليس في التسعير مخالفة لنص الحديث السابق، وإنما هو تطبيق للنص نفسه، وفهم اجتهادي لمناطه وحكمته في الواقع، وتفسير له بالمعنى المناسب أو المصلحة المتبادرة إلى الفهم من ذات النص، لا من خارجه (1). فامتناع الرسول من التسعير لا لكونه تسعيراً، وإنما لكون علة التسعير وهي ظلم التجار أنفسهم غير متوفرة، فهم كانوا يبيعون بسعر المثل، وإنما كان ارتفاع السعر ليس من قبل التجار، وإنما بسبب قانون العرض والطلب، فقد قل عرض البضاعة، فارتفع السعر. ولا تسعير إذا لم تدع الحاجة إليه، بأن كانت السلع متوفرة في الأسواق، وتباع بسعر المثل دون ظلم أو جشع (2).
(1) وكذلك أجاز المالكية تلقي الركبان إذا كثرت السلع واعتدلت الأسعار، وعلم البائع بسعر السوق، وباع بسعر المثل، أو أزيد منه. ويظل النهي عن تلقي الركبان قائماً معمولاً به إذا تضرر أهل السوق عامة ولم تتوفر السلع لهم، أو إذا جهل البائع نفسه بالأسعار، فتجب حينئذ رعاية المصلحة العامة، وحماية البائع نفسه.
(2)
أصول الفقه للمؤلف: 815/ 2، ط دار الفكر.