الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
معنى الخيار:
أن يكون للمتعاقد الحق في إمضاء العقد أو فسخه، إن كان الخيار خيار شرط أو رؤية أو عيب. أو أن يختار أحد المبيعين إن كان الخيار خيار تعيين.
والخيارات سبعة عشر، سأجمل هنا الكلام عن ستة منها فقط، هي خيار المجلس، وخيار التعيين، وخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار الرؤية. وقد شرعت الخيارات إما ضماناً لرضا العاقدين أو حفظاً لمصلحتهما، أو دفعاً للضرر الذي قد يلحق أحد العاقدين، فهي مشروعة للضرورة أو للحاجة إليها.
و
مصدر الخيارات:
إما اتفاق العاقدين كخيار الشرط وخيار التعيين. وإما حكم الشرع، كخيار العيب وخيار الرؤثة. وقد يعتبر خيار العيب ثابتاً باشتراط المتعاقد ضمناً لا صراحة.
خيار المجلس عند الشافعية والحنابلة:
خيار المجلس: هو أن يكون لكل من العاقدين حق فسخ العقد ما داما في مجلس العقد، لم يتفرقا بأبدانهما، أو يخير أحدهما الآخر فيختار لزوم العقد.
ومعنى هذا أن العقد لا يلزم إلا بإنهاء مجلس العقد بالتفرق أو بالتخيير. وليس ذلك في كل العقود وإنما في العقود اللازمة من الجانبين فقط القابلة للفسخ وهي عقود المعاوضات المالية كالبيع بأنواعه وصلح المعاوضة والإجارة؛ لأن الدليل المثبت له وهو الحديث ورد في البيع، فيقاس عليه ما في معناه من عقود المعاوضات (1).
وقد انقسم الفقهاء في شأنه فريقين:
(1) المجموع للنووي: 186/ 9 ومابعدها، ط العاصمة.
1 -
فقال الحنفية والمالكية (1): يلزم العقد بالإيجاب والقبول، ولا يثبت فيه خيار المجلس؛ لأن الله أمر بالوفاء بالعقود في قوله تعالى:{أوفوا بالعقود} [المائدة:1/ 5] والخيار مناف لذلك، فإن الراجع عن العقد لم يف به، ولأن العقد يتم بمجرد التراضي، بدليل قوله تعالى:{إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء:29/ 4] والتراضي يحصل بمجرد صدور الإيجاب والقبول، فيتحقق الالتزام من غير انتظار لآخر المجلس.
ولم يأخذوا بالأحاديث الواردة في إثبات خيار المجلس لمنافاتها لعموم الآيات القرآنية المذكورة. وتأول الحنفية حديث خيار المجلس «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» بأنه وارد في مرحلة ما قبل تمام العقد. فالبيعان: معناه المتساومان قبل العقد، إن شاءا عقدا البيع، وإن شاءا لم يعقداه، والمراد بالتفرق: هو التفرق بالأقوال لا بالأبدان، أي أن للموجب أن يرجع عن إيجابه قبل قبول الآخر، وللآخر الخيار، إن شاء قبل في المجلس، وإن شاء رد، وهذا هو خيار القبول أو الرجوع.
ولكن يلاحظ أن هذا التأويل لا معنى له؛ لأن كل عاقد قبل إبرام العقد حر في القبول وعدمه، ويجعل (أي هذا التأويل) الحديث عديم الفائدة، فلا حاجة للمشرع لإثبات مبدأ حرية الإنسان فيما يلتزم، فهو أصل عام، والأصل في كل إنسان عدم الالتزام. فإذا لم يقبل الذي وجه له الإيجاب لا يسمى ذلك تفرقاً وإنما اختلافاً.
وحديث خيار المجلس لا يعارض آية الأمر بالوفاء بالعقود؛ لأن المراد
(1) البدائع: 134/ 5، فتح القدير: 78/ 5، بداية المجتهد: 169/ 2 ومابعدها، الشرح الكبير مع الدسوقي: 81/ 3، القوانين الفقهية: ص274، المنتقى على الموطأ: 55/ 5.
بالعقود هي الكاملة اللازمة التي لا خيار فيها، ولا يعارض أيضاً آية {تجارة عن تراض} [النساء:29/ 4]؛ لأن هذا الخيار مشروع للتأكد من تمام التراضي.
2 -
وقال الشافعية والحنابلة المثبتون لخيار المجلس (1): إذا انعقد العقد بتلاقي الإيجاب والقبول يقع العقد جائزاً أي غير لازم، ما دام المتعاقدان في مجلس العقد. ويكون لكل من العاقدين الخيار في فسخ العقد أو إمضائه، ما داما مجتمعين في المجلس لم يتفرقا بأبدانهما، أو يتخايرا. ويحد طبيعة التفرق: العرف الشائع بين الناس في التعامل (2)، وهذا هو خيار المجلس.
واستدلوا على مشروعيته بالحديث الصحيح الثابت برواية البخاري ومسلم وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر: اختر» (3) أي اختر اللزوم. وأما التفرق فهو أن يتفرقا بأبدانهما، فلو أقاما في ذلك المجلس مدة متطاولة كسنة أو أكثر، أو قاما وتماشيا مسافة، فهما على خيارهما، كما قال النووي. والرجوع في التفرق إلى العادة، فما عده الناس تفرقا فهو تفرق ملزم للعقد، وما لا فلا (4).
(1) مغني المحتاج: 43/ 2، 45، المهذب: 257/ 1، المغني: 563/ 3، المجموع: 196/ 9، ط العاصمة.
(2)
قال الحنابلة والشافعية: يكون التفرق إما بالمشي أو بالصعود أو بالنزول، أو بالخروج من المكان (غاية المنتهى: 30/ 2، المجموع للنووي: 192/ 9).
(3)
سبل السلام: 3/ 33 ومابعدها. قال ابن رشد المالكي: وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق الأسانيد وأصحها. وأثبت ابن حزم في المحلى تواتره أي رواية جمع غفير له.
(4)
أخذ على هذا الرأي كونه يزعزع من قوة العقد الملزمة، وهو مبدأ خطير من أهم المبادئ القانونية (مصادر الحق للسنهوري: 37/ 2).