الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونحوها، ولا يصح التعاقد بيعاً أو إجارة أو هبة على الطير في الهواء والسمك في البحر والصيد بعد فراره والمغصوب في يد الغاصب والدار في الأرض المحتلة من العدو، لعدم القدرة على التسليم.
وأجاز الإمام مالك أن يكون معجوز التسليم حال التعاقد محلاً لعقد الهبة وغيره من التبرعات (1). فيصح عنده هبة الحيوان الفارّ وإعارته والوصية به، لأنه في التبرع لا يثور شيء من النزاع حول تسليم المعقود عليه؛ لأن المتبرع فاعل خير ومحسن، والمتبرع له لا يلحقه ضرر من عدم التنفيذ، لأنه لم يبذل قليلاً ولا كثيراً، فلا يكون هناك ما يؤدي إلى النزاع والخصام الذي يوجد في المعاوضات المالية.
وهذا الشرط لم يذكر عند القانونيين، ويظهر أنهم لا يشترطونه.
4 - أن يكون معيناً معروفاً للعاقدين:
لابد عند الفقهاء أن يكون محل العقد معلوماً علماً يمنع من النزاع؛ للنهي الوارد في السنة عن بيع الغرر وعن بيع المجهول (2).
والعلم يتحقق إما بالإشارة إليه إذا كان موجوداً، أو بالرؤية عند العقد أو قبله بوقت لا يحتمل تغيره فيه، ورؤية بعضه كافية إذا كانت أجزاؤه متماثلة، أو بالوصف المانع للجهالة الفاحشة، وذلك ببيان الجنس والنوع والمقدار، كأن يكون المبيع حديداً من الصلب أو الفولاذ من حجم معين.
فلا يصح التصرف بالمجهول جهالة فاحشة: وهي التي تفضي إلى المنازعة.
(1) الشرح الصغير: 142/ 4.
(2)
سبق تخريج الحديث، رواه الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر» وبيع الحصاة: أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة، ويرمي الحصاة. أو يقول: من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرمي (نيل الأوطار: 147/ 5).
ويكون العقد فاسداً عند الحنفية، باطلاً عند غير الحنفية، وتغتفر الجهالة اليسيرة، وهي التي لا تؤدي إلى المنازعة ويتسامح الناس فيها عادة.
كما لا يصح التصرف بما يشتمل على الغرر. ويلاحظ أن الغرر أعم من الجهالة فكل مجهول غرر، وليس كل غرر مجهولاً، فقد يوجد الغرر بدون الجهالة كما في شراء الشيء الهارب المعلوم الصفة، ولكن لا توجد الجهالة بدون الغرر (1).
وهذا الشرط مطلوب في المعاوضات المالية كالبيع والإيجار باتفاق الفقهاء، أما اشتراطه في غيرها فمحل اختلاف:
فالشافعية والحنابلة (2) يشترطونه في عقود المعاوضات المالية وفي غير المالية كعقد الزواج، وفي عقود التبرعات كالهبة والوصية والوقف.
وقصره الحنفية (3) على المعاوضات المالية وغير المالية، ولا يشترطونه في عقود التبرعات كالوصية والكفالة، فيصح التبرع مع جهالة المحل؛ لأن الجهالة فيه لا تؤدي إلى النزاع، كأن يوصي شخص بجزء من ماله، ويكون البيان متروكاً للورثة. وكأن يقول الكفيل: أنا ضامن ما على فلان من مال.
واكتفى المالكية (4) باشتراطه في عقود المعاوضات المالية فقط، فأبطلوا كل
(1) الفروق للقرافي المالكي: 265/ 3، تهذيب الفروق بهامشه: 170/ 3 ومابعدها.
(2)
مغني المحتاج:16/ 2، المهذب: 263/ 1،266، المغني: 209/ 4، 234، غاية المنتهى: 11/ 2، 332 وما بعدها، 18/ 3، 60.
(3)
المبسوط: 26/ 13، 49، البدائع: 158/ 5، فتح القدير: 113/ 5، 222، الدر المختار: 30/ 4، 125.
(4)
الشرح الكبير: 106/ 3، القوانين الفقهية: ص 269، المنتقى على الموطأ: 298/ 4، الفروق: 150/ 1 ومابعدها.
عقد بيع مثلاً إذا كان مشتملاً على جهالة المبيع أو الثمن. ولم يشترطوا هذا الشرط في عقود المعاوضات غير المالية، وفي عقود التبرعات، فأجازوا الزواج المشتمل على غرر قليل لا كثير كأثاث بيت، لا على شيء شارد أو ضائع؛ لأن القصد من المهر هو المودة والألفة فأشبه التبرع فاغتفرت فيه الجهالة اليسيرة، لا الفاحشة؛ لأن في الزواج شبهاً بالمعاوضات، وصححوا التبرع بالمجهول جهالة فاحشة؛ لأن القصد منه الإحسان بالصرف والتوسعة على الناس، ولا يترتب على ذلك نزاع.
والقانون المدني في المادة (134) اشترط هذا الشرط أيضاً، متجاوزاً عن الجهالة اليسيرة إذا كان المحل غير معين بالذات، أي معيناً بنوعه فقط. فقال فقهاء القانون: يشترط أن يكون الشيء معيناً أو قابلاً للتعيين بشرط بيان طرق التعيين اللاحق. فإذا كان الشيء محل الالتزام مما يعين بذاته وجب أن تكون ذاتيته معروفة. وإذا كان الشيء مما يعيّن بنوعه لزم أن يذكر جنسه ونوعه ومقداره (1). والشرع والقانون وإن اتفقا على هذا الشرط من حيث المبدأ، لكنهما يختلفان في التطبيق، فالشرعيون يوجبون تعيين محل العقد تعييناً تاماً لا يتطرق إليه أي احتمال، وإلا كان العقد فاسداً عند الحنفية باطلاً عند غيرهم، ولا يجيزون كون المحل قابلاً للتعيين، والقانون يكتفي بكون المحل قابلاً للتعيين، وإن لم يكن معيناً وقت التعاقد، كالتعهد بتوريد أغذية معينة النوع لمدرسة أو مشفى.
وأخيرا ً اشترط غير الحنفية (2) شرطاً خامساً: وهو أن يكون المبيع طاهراً لانجساً ولا متنجساً؛ لأن جواز البيع يتبع الطهارة، فكل ما كان طاهراً أي ما يباح
(1) موجز النظرية العامة للالتزام لأستاذنا الدكتور عبد الحي حجازي: ص 66 ومابعدها.
(2)
مواهب الجليل:258/ 4 ومابعدها، الشرح الكبير: 10/ 3، بداية المجتهد: 125/ 2 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 246، المهذب: 261/ 1 ومابعدها، مغني المحتاج: 11/ 2، المغني: 251/ 4،255 وما بعدها، غاية المنتهى: 6/ 2 ومابعدها.